“فحص دقيق لغسل الأموال”.. أوروبا تُخضع “بينانس” للرقابة والعملات المشفرة تفقد 600 مليار دولار

الاقتصاد العالمي | بقش
ضمن تحرك أوروبي شبه موحَّد، وسّعت فرنسا نطاق إجراءات مكافحة غسل الأموال لتشمل منصات تداول العملات المشفرة، بما في ذلك أبرز المنصات العالمية مثل “بينانس” التي ستخضع لفحص دقيق ضمن 100 كيان وفق اطلاع بقش على تقرير لـ”بلومبيرغ”.
ويأتي ذلك ضمن مساعي الدولة الفرنسية لضمان الامتثال للوائح “الاتحاد الأوروبي” الجديدة، المعروفة باسم “MiCA” التي تهدف إلى تنظيم سوق العملات المشفرة على مستوى الاتحاد.
ويشمل الفحص الدقيق منصة “بينانس”، من قِبل الهيئة الفرنسية للرقابة الاحترازية والتسوية (ACPR) للتحقق من التزامها بالضوابط التنظيمية، خاصة فيما يتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وتم توجيه المنصة من الهيئة لتعزيز أنظمة السيطرة على المخاطر، بما في ذلك تعزيز فرق الامتثال ومكافحة غسل الأموال، وتعزيز أمن نظم تكنولوجيا المعلومات ومنصات التداول الرقمية، والالتزام بالمعايير الأوروبية للحصول على ترخيص MiCA الذي يسمح حسب اطلاع بقش بتقديم خدمات الأصول المشفرة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي.
وحددت الهيئة الفرنسية مهلة حتى نهاية شهر يونيو 2026 للحصول على هذا الترخيص، مع إمكانية فرض عقوبات على الشركات التي لا تستجيب لمتطلبات الفحص.
وتواجه فرنسا، إلى جانب النمسا وإيطاليا، تحديات في تطبيق لوائح MiCA بشكل متسق عبر الاتحاد الأوروبي، حيث لوحظ تفاوت كبير بين الدول في طريقة الرقابة على منصات العملات المشفرة، وهو ما يؤكد الحاجة إلى تنسيق أكثر بين الجهات التنظيمية لضمان حماية المستثمرين والحد من المخاطر النظامية.
موقف ضعيف لسوق العملات المشفرة
تأتي عملية الفحص على المستوى الأوروبي في الوقت الذي يشهد فيه قطاع العملات المشفرة زيادة في الرقابة والتنظيم، بعد موجات كبيرة من التقلبات والانهيارات في السنوات الأخيرة.
وفي أحدث البيانات التي تتبَّعها بقش، فقدت سوق العملات المشفرة أكثر من 600 مليار دولار خلال أسبوع، مع هبوط عملة “بيتكوين” إلى أدنى مستوى منذ يونيو 2025 عند قرابة 103,550 دولاراً، وجاءت هذه الخسائر الجسيمة وسط التوترات التجارية بين أمريكا والصين التي يعمل الطرفان حالياً على حلها عبر تفاوُضٍ مقبل في ماليزيا، إضافةً إلى تحركات شركات كبرى نحو تنظيم السوق والحصول على التراخيص المصرفية لتعزيز المصداقية.
ومن أبرز الملاحظات أنّ الشركات الكبرى تواجه متطلبات امتثال صارمة لضمان أمان المعاملات وحماية العملاء، وأن المستثمرين أصبحوا أكثر حذراً من المخاطر المرتبطة بالعملة الرقمية، بما في ذلك فقدان رأس المال والاحتيال وتقلب الأسعار الحاد.
وترقب الحكومات الأوروبية والدولية التطورات التنظيمية، مع التركيز على الحد من غسل الأموال وتمويل الإرهاب عبر الأصول الرقمية.
ورغم الفرص الكبيرة في سوق العملات المشفرة، يظل القطاع محفوفاً بعديد من المخاطر حسب قراءة بقش للتقارير المرتبطة بالسوق، ومن هذه المخاطر تقلب الأسعار والتذبذب الحاد الذي يؤدي إلى خسائر كبيرة للمستثمرين، والهجمات الإلكترونية والاختراقات التي تستهدف منصات التداول والمحافظ الرقمية، وعدم الحصول على التراخيص اللازمة ما يؤدي إلى حظر الشركات أو فرض عقوبات مالية.
وفي السياق، رَصَد “بقش” بيانات لـ”بلومبيرغ” أكّدت فقدان المستثمرين 17 مليار دولار بسبب الاستثمار في شركات “خزائن بيتكوين” التي كانت تُمثّل مساراً بديلاً للحصول على تعرّض لعملة البيتكوين من دون شرائها مباشرة. حيث قامت الشركات التي تملك بيتكوين في خزائنها بإصدار أسهم للمستثمرين، بأسعار أعلى كثيراً من القيمة الحقيقية لبيتكوين التي تملكها تلك الشركات، ما أدى إلى نشوء “فقاعة” ثم انهيار فيها أدى إلى خسارة المستثمرين.
وبشكل عام تؤدي هذه الهزات في سوق العملات الرقمية إلى تراجعات كبيرة وإضعاف الثقة بمشروع البلوكتشين بالأساس، في ظل غياب التقييمات الشفافة وعدم إبراز المخاطر بصور واضحة.
انعكاسات على “بينانس”
تُعد “بينانس” أكبر مزود لتداول العملات المشفرة في العالم، ويُعد إخضاعُها لرقابة مكثفة في فرنسا بمثابة هزّة في سوق العملات المشفرة عالمياً من جانب، واختبار حقيقي لقدرة الشركة على التكيف مع اللوائح الأوروبية الصارمة من جانب آخر.
وفي حال نجاح “بينانس” في الحصول على ترخيص MiCA، فإن ذلك سيتيح لها توسيع خدماتها داخل الاتحاد الأوروبي، بينما فشلها قد يقوض وجودها أو يؤدي إلى خسائر في السوق الأوروبية.
وتُبرز حالة “بينانس” في فرنسا تزايد اهتمام السلطات الأوروبية بتنظيم سوق العملات المشفرة وحماية المستثمرين، وهو مؤشر على تحول القطاع من بيئة شبه منضبطة إلى بيئة أكثر رسمية وتنظيماً، وبنفس الوقت يظل المستثمرون والشركات بحاجة إلى الحذر الشديد من المخاطر المالية والقانونية المرتبطة بالعملات الرقمية.
ويمكن توقُّع أن يشهد القطاع المزيد من الضبط الإلزامي خلال السنوات المقبلة، مع احتمال تركيز اللوائح الأوروبية على حماية المستثمرين والحد من غسل الأموال وضمان استقرار السوق الرقمي، وهو ما سيؤثر على مواقع الصدارة في سوق العملات المشفرة عالمياً.