الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

بدءاً بفصل الموظفين.. ترامب يستغل إغلاق أمريكا لإلغاء “وزارة التعليم”

الاقتصاد العالمي | بقش

يبدو أن الإغلاق الحكومي الذي امتد حتى الآن لقرابة 20 يوماً، ليس مجرد أزمة مالية أو إدارية مؤقتة، بل أصبح فرصة سياسية لإدارة ترامب لدفع أجندة أيديولوجية طالما تبناها اليمين المحافظ، تتمثل في تقليص دور الحكومة الفيدرالية في التعليم، وصولاً إلى تفكيك وزارة التعليم وإلغائها بالكامل.

وتثير هذه الخطوة غير المسبوقة جدلاً واسعاً في واشنطن، وتضع مستقبل السياسات التعليمية الفيدرالية على المحك.

فمنذ إنشاء وزارة التعليم الأمريكية عام 1979 في عهد الرئيس جيمي كارتر، واجهت اعتراضاً مستمراً من المحافظين الذين يرون أن التعليم شأن محلي لا ينبغي للحكومة الفيدرالية التدخل فيه.

ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وجد هؤلاء فرصة تاريخية لتطبيق رؤيتهم، إذ يعتبر ترامب أن الوزارة “بيروقراطية زائدة وغير ضرورية”، وأن التعليم يجب أن يدار على مستوى الولايات والمجتمعات المحلية.

استغلال الإغلاق الحكومي كأداة سياسية

وفق تقرير اطلع عليه مرصد “بقش” لصحيفة واشنطن بوست، استغلت إدارة ترامب الإغلاق الحكومي، الذي شلّ عدداً من الوكالات الفيدرالية، لتبرير تسريح مئات الموظفين في وزارة التعليم بحجة التقشف.

فقد تم هذا العام تقليص عدد العاملين إلى النصف، ثم أعلنت الوزارة عن فصل إضافي لـ465 موظفاً، قبل أن تصدر المحكمة العليا حكماً يسمح بفصل نحو 1400 موظف آخرين ضمن خطة لتفكيك الوزارة تدريجياً، حتى باتت بعض أقسام الوزارة شبه خالية من الموظفين، وهو ما أثار مخاوف بشأن قدرتها على الاستمرار في أداء مهامها.

ويشار إلى أن هذا الاستخدام السياسي للإغلاق يمثل سابقة خطيرة، إذ يوظَّف التعطيل الحكومي المؤقت كوسيلة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة من دون تفويض تشريعي واضح من الكونغرس.

وتعمل وزيرة التعليم ليندا ماكماهون، بتوجيه من ترامب، على نقل صلاحيات الوزارة تدريجياً إلى وزارات وهيئات أخرى، فحسب اطلاع “بقش” تم تحويل 2.7 مليار دولار من منح التعليم المهني وتعليم الكبار إلى وزارة العمل، ونُقل بعض موظفي برنامج القروض الطلابية، الذي تبلغ قيمته 1.6 تريليون دولار، إلى وزارة الخزانة، وتم اقتراح نقل مكتب التعليم الخاص إلى وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، كما جرى بحث تحويل إدارة منح “بيل” التعليمية إلى وزارة العمل، ومهام الحقوق المدنية إلى وزارة العدل.

وتُظهر هذه التحركات أن الإدارة تمضي فعلياً في “تفكيك هادئ” للوزارة من الداخل، من خلال إعادة توزيع مهامها على وكالات أخرى، فيما تظل الوزارة من الناحية الشكلية قائمة.

عقبات قانونية

رغم أن ترامب تعهّد سابقاً بإغلاق وزارة التعليم، إلا أن تنفيذ أمر كهذا يحتاج إلى تشريع من الكونغرس، وهو ما لا يبدو متاحاً حالياً في ظل انقسام المجلسين، فإلغاء وزارة اتحادية يتطلب أغلبية خاصة (60 صوتاً في مجلس الشيوخ)، وهو ما لا يتوفر حتى مع الأغلبية الجمهورية الحالية.

كما أن المعارضة القضائية تمثل عقبة أخرى، إذ علّق قاضٍ فيدرالي قرارات التسريح مؤقتاً، فيما رُفعت عشرات الدعاوى القضائية من اتحادات المعلمين ومنظمات المجتمع المدني، متهمة الإدارة بانتهاك القوانين الفيدرالية الناظمة للعمل التعليمي.

آثار سلبية على برامج التعليم

حتى الآن لا يشعر المواطن الأمريكي العادي بتأثير مباشر، إذ لا تزال المدارس تعمل ويتقاضى المعلمون رواتبهم، بفضل استمرار التمويل المحلي، لكن الأثر الحقيقي طويل المدى قد يكون مدمّراً لعدد من البرامج الفيدرالية مثل: دعم الطلاب ذوي الإعاقة، والمنح الدراسية لذوي الدخل المحدود، وبرامج التعليم المهني والفني، والمبادرات الوطنية لتحسين جودة التعليم في الولايات الفقيرة.

ويرى خبراء اقتصاد تتبَّع “بقش” تقديراتهم أن غياب وزارة مركزية سيؤدي إلى تفاوتات أوسع بين الولايات الغنية والفقيرة، ويضعف قدرة الحكومة الفيدرالية على ضمان العدالة التعليمية ومراقبة الإنفاق.

وثمة أبعاد سياسية واقتصادية لتفكيك وزارة اتحادية وهيئات ووكالات أخرى، فتحرُّك ترامب يأتي في سياق مشروع أوسع لتقليص الجهاز الفيدرالي وتقليص النفقات العامة، إذ إن الإغلاق الحكومي أتاح له فرصة لتبرير هذه السياسات أمام الرأي العام بوصفها “إصلاحاً مالياً”، بينما يعتبرها خصومه محاولة لإضعاف المؤسسات المدنية وتقويض الدور الاجتماعي للدولة.

كما أن نقل إدارة القروض الطلابية إلى مؤسسات مالية أو هيئات غير تعليمية قد يعزز النهج التجاري في التعامل مع التعليم، ويحوّل التعليم العالي إلى سوق خاضع للمنافسة بدلاً من كونه خدمة عامة.

وقد تكون تجربة وزارة التعليم نموذجاً اختبارياً لترامب في تطبيق رؤيته لإحداث “حكومة صغيرة”، ما يفتح الباب أمام استهداف وزارات أخرى مستقبلاً، مثل وزارة الطاقة، التي تشرف على برامج بيئية وعلمية مثيرة للجدل داخل الأوساط الجمهورية، ووزارة الإسكان والتنمية الحضرية، وربما وكالة حماية البيئة (EPA) التي تعارضها جماعات الضغط النفطية.

وفي حال استمر الإغلاق لفترة أطول، فقد تُستخدم الأزمة كذريعة لإعادة هيكلة هذه الوكالات أيضاً تحت عنوان “الإصلاح الحكومي”.

ويوحي المشهد الأمريكي الحالي بأن الإغلاق الحكومي بات أداة سياسية بيد إدارة ترامب لتنفيذ مشروعها الأيديولوجي بإضعاف الدور الفيدرالي في التعليم، وبينما يرى أنصار ترامب أن الخطوة بمثابة تحرير للولايات من البيروقراطية، يحذر آخرون من أن ذلك يُعد تهديداً مباشراً للبنية المؤسسية للنظام الفيدرالي الأمريكي، وقد يفتح الباب أمام موجة تفكيك لوزارات أخرى تحت ذريعة الكفاءة المالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش