كيف صنعت منطقة شمال أفريقيا نجومها؟ 4 دول عربية تحصد 180 مليون يورو من بيع اللاعبين في 10 سنوات

منوعات | بقش
على مدى عقد كامل، نجح عدد من البلدان العربية في شمال أفريقيا في تحويل مواهب كرة القدم المحلية إلى مصدر دخل حقيقي عبر صادرات اللاعبين إلى الدوريات العالمية.
ورغم التفاوت في البنية الرياضية بين هذه الدول، فإن نتائج العقد الماضي تظهر منحنى صعود واضح وقدرة على تكوين لاعبين قادرين على المنافسة في السوق الدولي.
التقرير الصادر عن مرصد كرة القدم التابع لمعهد الدراسات الرياضية “سيس” يكشف وفق اطلاع بقش أن مصر والمغرب والجزائر وتونس جمعت ما يقارب 180 مليون يورو من انتقالات اللاعبين منذ عام 2016 وحتى 2025، في مؤشر يعكس قيمة الاستثمار في المواهب ونتائج الاحتراف الخارجي.
لكن رغم هذه الأرقام، لا تزال الهوة كبيرة مقارنة بكبار السوق العالمي وعلى رأسهم فرنسا والبرازيل وإسبانيا. وهذا يضع الكرة العربية أمام سؤال مستقبلي مهم: كيف تنتقل هذه النجاحات الفردية إلى منظومة صناعية مستدامة لصناعة اللاعبين؟
مصر.. صدارة عربية ورقم عالمي لافت
تأتي مصر في مقدمة الدول العربية من حيث إيرادات بيع اللاعبين للخارج، بواقع 60 مليون يورو خلال السنوات العشر الماضية حسب قراءة بقش. هذه العوائد تشمل أيضاً المكافآت المرتبطة بأداء اللاعبين ونتائج فرقهم، ما يعكس جودة الصفقات وفاعلية التعاقدات الخارجية.
احتلت مصر المركز 37 عالمياً، لكن الرقم الأهم جاء في فئة عمرية محددة: اللاعبون بين 24 و26 عاماً شكلوا 47.6% من إجمالي الإيرادات، وهي أعلى نسبة عالمياً في هذه الفئة. هذا يعكس أن ذروة تسويق المواهب المصرية تأتي عند نضجهم الفني وبلوغهم مستوى تنافسي واضح.
في المقابل، جاءت فئة اللاعبين بين 21 و23 عاماً كأقل مصدر للإيرادات بنسبة 15.5%، ما يكشف فجوة في تسويق المواهب الشابة وقد يفتح باب النقاش حول آليات تطوير الناشئين وبرامج الاحتراف المبكر في الملاعب المصرية.
المغرب.. ماكينة إنتاج المواهب الأكثر استقراراً
المغرب لم يكن بعيداً عن الصدارة العربية، حيث حقق نحو 60 مليون يورو أيضاً خلال الفترة ذاتها، ليُثبت مرة أخرى مكانته كنموذج عربي متقدم في تكوين اللاعبين وتسويقهم عالمياً.
التقرير يشير إلى أن الفئة العمرية بين 21 و23 عاماً كانت الأكثر ربحية بنسبة 41.4%، ما يؤكد قدرة الأندية المغربية على تهيئة اللاعبين للاحتراف في سن مبكرة نسبياً.
اللافت أن اللاعبين دون سن 20 عاماً شكلوا فقط 3% من الإيرادات، ما يعني أن المغرب رغم نجاحه ما يزال يركز على نضج اللاعبين قبل التصدير، وليس على البيع المبكر بشكل واسع.
ورغم ذلك، تحدث الأرقام في السنوات الأخيرة عن نمو مستمر بفضل أكاديميات مثل محمد السادس لكرة القدم ونموذج الاحتراف الخارجي.
نجاحات حكيمي وزياش وغيرهما ليست أمثلة فردية، بل جزء من منظومة تتطور بصمت وتثبت نفسها في السوق العالمي.
الجزائر وتونس.. حضور ثابت رغم التحديات
الجزائر حلت في المركز 44 عالمياً بإيرادات بلغت 34 مليون يورو، مع اعتماد واضح على الفئة العمرية بين 21 و23 عاماً بنسبة 57.8%، وهي واحدة من أعلى نسب العالم في هذه الفئة وفق تتبُّع بقش. هذا يعكس قدرة الأندية الجزائرية على تصدير المواهب عند مرحلة النضج المبكر قبل ارتفاع قيمتهم السوقية بشكل كبير.
من جانبها، جمعت تونس نحو 26 مليون يورو لتحتل المركز 48 عالمياً. وبرزت الفئة العمرية بين 24 و26 عاماً كأكبر مصدر للدخل بنسبة 32%، ما يوضح أن السوق التونسي يميل بدوره إلى تصدير اللاعبين عند مرحلة النضج الفني، وليس قبلها.
ورغم قلة الموارد مقارنة ببعض دول شمال أفريقيا، فإن تونس والجزائر تحافظان على استمرارية توريد المواهب، مستندتين إلى قاعدة جماهيرية قوية وأندية تاريخية تساهم في صناعة اللاعب.
فرنسا والبرازيل وإسبانيا.. قمة لا تُقارن
على الضفة الأخرى من المشهد، تكشف البيانات أن فرنسا تقف في الصدارة العالمية بإيرادات تصل إلى 4 مليارات يورو في 10 سنوات، أي ما يقارب 400 مليون يورو سنوياً. هذه الأرقام تعكس تفوق مدارس التكوين الفرنسية وقدرتها على خلق نجوم ينافسون في أعلى المستويات.
البرازيل جاءت ثانية بـ2.6 مليار يورو، تليها إسبانيا بـ2.24 مليار، بينما تجاوزت ست دول أخرى حاجز المليار يورو، بينها البرتغال وألمانيا وإنجلترا وإيطاليا والأرجنتين. كما يوضح التقرير أن ثلث العوائد العالمية تأتي من بيع لاعبين دون 20 عاماً، في مؤشر على قوة الاستثمار في المواهب المبكرة حول العالم.
هذا الفارق الضخم بين شمال أفريقيا وأوروبا وأميركا الجنوبية يسلط الضوء على حجم العمل المطلوب لتطوير منظومة الاحتراف العربي ونقلها من مرحلة الصفقات الناجحة إلى مرحلة إنتاج منتظم وقابل للتوسع.
ما حققته مصر والمغرب والجزائر وتونس خلال العقد الماضي يؤكد أن المواهب موجودة، وأنها قادرة على إنتاج قيمة اقتصادية ملموسة للقطاع الرياضي العربي.
لكن الطريق نحو المنافسة الدولية في صناعة اللاعبين لا يزال في بدايته، ويتطلب بنية تحتية أقوى، واستراتيجية واضحة للاستثمار في الفئات السنية، وشراكات مع الأكاديميات الأوروبية، إضافة إلى حوكمة مالية وتخطيط احترافي طويل الأمد.
التجربة الحالية تُظهر ملامح مشجعة، لكنها أيضاً دعوة لمضاعفة الجهد حتى تتحول كرة القدم العربية من سوق يعتمد على الفرص الفردية إلى صناعة رياضية مستدامة تُصدّر المواهب بثقة وتنافسية عالمية.


