الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

من عدن إلى شبوة.. أزمات الوقود والغاز والرغيف تفاقم هشاشة الإدارة الاقتصادية

الاقتصاد اليمني | بقش

تشهد المحافظات الجنوبية، وفي مقدمتها عدن، واحدة من أعقد موجات الأزمات المعيشية خلال الفترة الأخيرة، حيث تزامنت أزمات الغاز والمشتقات النفطية مع أزمة الرغيف، في مشهد يعكس اختلالات عميقة في إدارة القطاعات الخدمية والاقتصادية، وسط أوضاع معيشية متدهورة وانهيار القدرة الشرائية للمواطنين.

في عدن، فجّر قرار صادر عن وزارة الصناعة والتجارة يقضي بتخفيض سعر قرص الروتي إلى 50 ريالًا موجة غضب واسعة في أوساط ملاك المخابز الآلية والشعبية، الذين اعتبروا القرار صادماً وغير مدروس، وجاء دون الاستناد إلى أي تقييم فني أو اقتصادي يراعي الارتفاع الحاد في تكاليف التشغيل.

وأكد ملاك المخابز، في بيان اطلع عليه بقش، أن القرار ساوى بين المخابز الآلية والشعبية رغم الفوارق الكبيرة في حجم الاستثمارات والتكاليف التشغيلية، في ظل ارتفاع أسعار الدقيق والغاز والديزل، وتكاليف العمالة والصيانة، وغياب أي دعم حكومي أو آليات تعويض.

إضراب مفتوح للمخابز

ونتيجة لذلك، أعلنت المخابز الدخول في إضراب مفتوح، محذرة من أن الاستمرار في تطبيق القرار سيقود إلى خسائر جسيمة قد تفضي إلى إغلاق عدد كبير من المخابز وتسريح مئات العاملين.

وطالب بيان المخابز بإعادة النظر الكامل في القرار، وإجراء دراسة شاملة للتكاليف الفعلية، والتشاور المسبق مع جمعية المخابز قبل إقرار أي تسعيرة، إضافة إلى توفير دعم حقيقي في حال وجود نية لتخفيف العبء عن المواطنين.

ولم تتوقف معاناة عدن عند حدود الرغيف، إذ تزامنت أزمة المخابز مع أزمة خانقة في مادة الغاز المنزلي، نتيجة توقف الإمدادات القادمة من محافظة مأرب بسبب اضطرابات أمنية طالت خطوط النقل.

هذا التوقف أدى إلى اختفاء أسطوانات الغاز من عدد من الأحياء وارتفاع أسعارها في السوق السوداء، ما زاد من الضغط على الأسر التي تعتمد على الغاز والروتي كعنصرين أساسيين في حياتها اليومية.

ومع دخول عدد من المخابز في الإضراب، تراجع إنتاج الخبز بشكل ملحوظ، الأمر الذي فاقم السخط الشعبي، خصوصاً في ظل عجز شريحة واسعة من المواطنين عن مجاراة الارتفاع المستمر في أسعار المواد الغذائية، وتدهور الخدمات الأساسية.

شبوة: أزمة وقود مزمنة تشل الحياة

في محافظة شبوة، تتكرر الصورة بشكل أكثر حدة. فمنذ أكثر من عشرة أيام حسب متابعة بقش، تعيش عدد من مديريات المحافظة أزمة خانقة في المشتقات النفطية، نتيجة توقف الإمدادات القادمة من مأرب على خلفية قطاعات قبلية متكررة.

هذه الأزمة لم تقتصر على ارتفاع أسعار البترول والديزل أو اختفائهما من الأسواق، بل امتدت آثارها إلى شلل شبه كامل في وسائل النقل، وتوقف المولدات الكهربائية، وتعطّل مضخات المياه، وتضرر الأنشطة الزراعية والتجارية والخدمية.

ويؤكد الأهالي أن الانقطاعات المتكررة لإمدادات الوقود تحولت من حالة طارئة إلى أزمة مزمنة، في ظل غياب خطط بديلة أو مخزون استراتيجي يحد من تكرارها، ما يضاعف الأعباء المعيشية ويفاقم الإحباط الشعبي.

ورغم اختلاف العناوين فإن جوهر الأزمة واحد: اعتماد شبه كامل على خطوط إمداد هشة، وغياب التخطيط المسبق، وضعف التنسيق بين الجهات المعنية، إلى جانب اتخاذ قرارات اقتصادية تمس حياة الناس اليومية دون دراسة أو شراكة مع القطاعات المتأثرة.

شلل أوسع

في حديث لـ”بقش” يقول الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي إن الاختلالات الراهنة تضع المواطن في مواجهة مباشرة مع نتائج الفشل الإداري والاقتصادي.

ويضيف أنه في حال استمرار الأزمات دون تدخل عاجل، فإن تداعياتها مرشحة للتصاعد على عدة مستويات، فعلى الصعيد الاجتماعي قد تتوسع رقعة الاحتجاجات والإضرابات، مع تزايد شعور المواطنين وأصحاب المهن الحيوية بالظلم وغياب العدالة.

واقتصادياً، سيؤدي تعطل المخابز وارتفاع تكاليف الوقود إلى موجة جديدة من التضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات، ما يضعف ما تبقى من القدرة الشرائية، وفقاً للحمادي، أما خدمياً، يهدد استمرار شح الوقود بتفاقم أزمات الكهرباء والمياه والنقل، خصوصاً في المحافظات التي تعتمد كلياً على المولدات والديزل، الأمر الذي ينذر بتداعيات إنسانية أوسع، لا سيما مع اقتراب مواسم تزيد فيها الحاجة إلى الطاقة والخدمات.

ويظل الوضع مرهوناً بتدخل سريع وجاد من السلطات، عبر مراجعة القرارات التسعيرية، وفتح حوار حقيقي مع المخابز، وتأمين إمدادات الغاز والوقود من مصادر متعددة، وبناء مخزون احتياطي يحد من تأثير الاضطرابات الأمنية والقبلية.

أما في حال استمرار النهج الحالي، القائم على المعالجات المؤقتة وردود الفعل المتأخرة، فإن الأزمات مرشحة للتكرار والتوسع، مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الاستقرار الاجتماعي، وثقة المواطنين بالمؤسسات، وقدرة الدولة على إدارة أبسط مقومات الحياة اليومية.

زر الذهاب إلى الأعلى