تقارير
أخر الأخبار

أسوأ أداء منذ انهيار 2022… كيف أطاحت تقلبات السياسة والسيولة بصناديق التحوّط المشفّرة في 2025؟

تقارير | بقش

دخلت صناديق التحوّط المتخصصة في العملات المشفّرة عام 2025 وهي تراهن على ما اعتُبر لحظة فاصلة في مسار الأصول الرقمية. فبعد سنوات من العمل على الهامش، بدت البيئة التنظيمية أكثر وضوحاً، والدعم السياسي في الولايات المتحدة أكثر صراحة، فيما تدفقت مليارات الدولارات من رؤوس الأموال المؤسسية عبر قنوات منظمة، ما عزز الاعتقاد بأن السوق باتت على أعتاب مرحلة نضج حقيقية.

هذا المناخ التفاؤلي عززته موجة صعود مبكرة لبيتكوين في مطلع العام، أعادت إحياء شهية المخاطرة، ودفعت عدداً من الصناديق إلى توسيع مراكزها، سواء عبر استراتيجيات اتجاهية أو استثمارات طويلة الأجل في العملات البديلة. غير أن هذه الاندفاعة لم تكن سوى بداية لمسار شديد الاضطراب سرعان ما كشف عن تناقض عميق بين التوقعات والواقع.

مع مرور الأشهر، بدأت مؤشرات الخلل بالظهور. فالتقلبات لم تتخذ طابعاً اتجاهياً قابلاً للاستثمار، بل جاءت على شكل اندفاعات سريعة ومتقطعة في بيئة سيولة ضعيفة، ما أربك نماذج التسعير وإدارة المخاطر. وبحلول نهاية العام، كانت الصناديق الاتجاهية قد سجلت خسائر بلغت 2.5%، متجهة نحو أسوأ أداء سنوي لها منذ شتاء 2022.

وهكذا، تحول عام 2025 من عام يُنتظر أن يكرّس اندماج العملات المشفّرة في النظام المالي، إلى محطة قاسية أعادت إلى الواجهة سؤالاً جوهرياً حول مدى قدرة هذا القطاع على التكيّف مع ثقل التمويل المؤسسي وتقلبات السياسة والاقتصاد الكلي في آن واحد.

أداء الصناديق: خسائر معمّمة واستثناء محدود

كشفت بيانات الأداء التي تتبَّعها مرصد “بقش” عن تباين حاد بين استراتيجيات صناديق التحوّط المشفّرة، وإن كان الاتجاه العام يميل بوضوح إلى الخسارة. الصناديق الاتجاهية، المصممة للاستفادة من التحركات الكبيرة في أسعار بيتكوين والعملات الكبرى، وجدت نفسها عاجزة عن تحويل التقلبات إلى عائد مستدام، إذ تلاشت مكاسب أشهر كاملة خلال فترات قصيرة نتيجة انعكاسات سعرية حادة.

الاستراتيجيات الأساسية، التي راهنت على النمو طويل الأجل لشبكات البلوك تشين والعملات البديلة، كانت الأكثر تضرراً. هذه الصناديق سجلت تراجعاً يقارب 23% بعد موجات هبوط متتالية، في ظل فشل العملات البديلة في تحقيق أي انتعاش موسمي يُذكر، واستمرار فتور الطلب من المستثمرين الأفراد.

في المقابل، برزت الصناديق المحايدة للسوق كاستثناء محدود في مشهد قاتم. هذه الاستراتيجيات، التي تعتمد على التحوط واستغلال فروقات تسعير صغيرة ومستقرة، تمكنت من تحقيق مكاسب تقارب 14.4% وفق اطلاع بقش، مستفيدة من انضباط أعلى في إدارة المخاطر وقدرتها على العمل بعيداً عن الرهانات الاتجاهية.

غير أن هذا الاستثناء لم يغيّر الصورة الكلية. فنجاح الصناديق المحايدة جاء على حساب تعقيد تشغيلي مرتفع وكلفة تقنية كبيرة، ما يجعل تعميم هذا النموذج أو توسيعه تحدياً حقيقياً في قطاع لا يزال مجزأً وصغير الحجم نسبياً.

وول ستريت تغيّر قواعد اللعبة

أحد أبرز العوامل التي أعادت تشكيل السوق خلال 2025 كان الدخول المكثف للمؤسسات المالية التقليدية عبر الصناديق المتداولة في البورصة والمنتجات المهيكلة. هذا التحول، الذي رُوّج له كدليل على نضج السوق، حمل في طياته آثاراً جانبية قاسية على صناديق التحوّط المتخصصة.

تدفقات وول ستريت أدت إلى تضييق فروقات الأسعار وتقويض فرص المراجحة التي كانت تشكل مصدراً رئيسياً للعائد. صفقات كلاسيكية مثل “صفقة الأساس” بين السوق الفورية والعقود الآجلة فقدت جاذبيتها، بعد أن كانت تحقق عوائد شهرية مزدوجة الأرقام.

إضافة إلى ذلك، أدى تزايد استخدام المنتجات المهيكلة التي توفر حماية من الهبوط إلى تقليص مستويات التقلب، ما انعكس سلباً على نماذج تعتمد بطبيعتها على اتساع النطاق السعري. وهكذا، وجد مديرو الصناديق أنفسهم أمام سوق أقل تقلباً من حيث الشكل، لكنها أكثر خطورة من حيث البنية.

انهيار مفاجئ كشف هشاشة السيولة

قبل أن يبلغ العام ذروته السلبية، كانت مؤشرات الضعف قد تراكمت بالفعل. العملات البديلة فشلت في جذب اهتمام مضاربي، وإصدارات الرموز الجديدة مرت دون زخم، فيما هبط مؤشر أداء العملات البديلة إلى أدنى مستوياته منذ صدمة جائحة 2020.

ثم وقع الانهيار الحاد بعد أيام قليلة من تسجيل بيتكوين مستوى قياسياً جديداً، عندما أدت تصريحات انتخابية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول فرض رسوم جمركية بنسبة 100% على السلع الصينية إلى موجة نفور قوية من المخاطر، دفعت الأسعار إلى الهبوط بنحو 14% خلال ساعات.

النتيجة كانت محو ما يقارب 20 مليار دولار من المراكز الممولة بالرافعة المالية في وقت قياسي، في واحد من أسرع أحداث التصفية في تاريخ السوق. الصناديق الاتجاهية فقدت مكاسبها بالكامل تقريباً، فيما تعرضت النماذج الكمية المركزة على العملات البديلة لما وصفه مديرون بـ“المسح الكامل”.

هشاشة البنية التحتية وحدود إدارة المخاطر

ما تلا الانهيار أكد أن المشكلة أعمق من تصريح سياسي أو صدمة مفاجئة. فغياب قواطع التداول والمقاصة المركزية سمح للخسائر بالتفاقم بسرعة، وأدى إلى تصفيات متسلسلة في سوق جافة بعد انسحاب صانعي السوق.

استراتيجيات العودة إلى المتوسط كانت الأكثر تضرراً، إذ عجزت عن التعامل مع هبوط عشرات العملات بأكثر من 40% خلال ساعات حسب متابعة بقش، متجاوزة افتراضاتها الأساسية حول حدود الانحراف السعري وقدرة السوق على إعادة التوازن.

حتى الصناديق المحايدة للسوق، التي سجلت مكاسب محدودة خلال فترة الاضطراب، فعلت ذلك بثمن مرتفع، إذ تتطلب هذه الاستراتيجيات بنية تقنية معقدة وإدارة دقيقة للضمانات لا تتوافر إلا لدى عدد محدود من اللاعبين.

أعاد عام 2025 تسليط الضوء على الفجوة بين طموحات سوق العملات المشفّرة وواقعها التشغيلي. فالتنظيم والدعم السياسي والتدفقات المؤسسية لم تكن كافية لبناء سوق قادرة على امتصاص الصدمات دون خسائر مدمّرة.

الأخطر أن دخول المؤسسات الكبرى، بدلاً من توسيع فرص العائد، ساهم في تضييقها، ما وضع صناديق التحوّط أمام معادلة صعبة: عوائد أقل، ومخاطر بنيوية أعلى، وتكاليف تشغيل متزايدة.

في نهاية المطاف، لم يكن عام 2025 مجرد عام سيء، بل إنذاراً واضحاً بأن انتقال الأصول الرقمية من الهامش إلى قلب النظام المالي يتطلب أكثر من الزخم السياسي والتنظيمي؛ يتطلب بنية تحتية قادرة على الصمود عندما تختبرها العواصف.

زر الذهاب إلى الأعلى