سندات حرب بالمليارات.. ما هي الشركات الأوروبية التي شاركت في حرب الإبادة على غزة وما دورها؟

تقارير | بقش
تُطرح تساؤلات حول دور المؤسسات المالية العالمية في تغذية آلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، بشكل مباشر أو غير مباشر، في الوقت الذي تتبنى فيه حكومات وشركات غربية شعارات الالتزام بحقوق الإنسان والقانون الدولي.
لكن الوقائع المالية تكشف صورة مغايرة تتداخل فيها الاستثمارات والعوائد مع النزاعات المسلحة، وفي هذا السياق نشرت مجلة “ألتريكونوميا” الإيطالية تحقيقاً اطلع عليه “بقش” ونُشر في وقت سابق من ديسمبر الجاري، بعنوان: “من يملك سندات حرب إسرائيل: من شركة أليانز العملاقة إلى ثلاث شركات استثمارية إيطالية صغيرة”، استناداً إلى بيانات حصرية أعدّها مركز الأبحاث الهولندي “بروفوندو”.
أوضح التحقيق أن هذه السندات، التي تصدرها إسرائيل لتمويل ميزانيتها بما في ذلك النفقات العسكرية، أسهمت بشكل مباشر في تمويل العمليات العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة.
وأظهرت البيانات مسؤولية جسيمة لشركة التأمين والخدمات المالية الألمانية العملاقة أليانز، التي استمرت في شراء هذه السندات خلال العام 2025، في حين انسحبت مؤسسات مالية أخرى مثل مجموعة “بي بير” المصرفية، بينما حافظت بعض الشركات الاستثمارية الإيطالية الجديدة، بما فيها شركة تابعة لمؤسسة كاريبلو الإيطالية، على استثماراتها.
ووفق اطلاع بقش على التحقيق، فإن شركة “أليانز” اشترت بين يناير ونوفمبر 2025 سندات حرب إسرائيلية بقيمة تقارب 1.7 مليار دولار، ورفعت حيازتها من نحو 960 مليون دولار في يناير 2025 إلى 2.67 مليار دولار في نوفمبر 2025، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف خلال أقل من عام، لتصبح أكثر ارتباطاً بحكومة إسرائيلية تواجه اتهامات بارتكاب جرائم إبادة ضد ضد الإنسانية.
تباين في الانخراط
ركّز التحقيق كذلك على دور المؤسسات والشركات الإيطالية. مجموعة بي بير المصرفية، عبر شركة أركا فوندي إس جي آر، كانت تمتلك سندات بقيمة 99 مليون دولار في يناير 2025، ارتفعت إلى أكثر من 190 مليون دولار خلال صيف العام ذاته، لكنها تخارجت بالكامل لاحقاً بسبب ضغوط واحتجاجات من عملائها وموظفيها.
ومع ذلك، استمرت ثلاث شركات استثمارية إيطالية في الاحتفاظ بحصص من سندات إسرائيلية بقيمة إجمالية 7.1 ملايين دولار حتى نوفمبر 2025، وهذه الشركات هي:
– كونسولت إنفست: شركة وساطة مالية مقرها مودينا بحيازة تبلغ 3.1 ملايين يورو.
– بنك ميديولانوم: يمتلك سندات بقيمة 2.4 مليون دولار عبر ميديولانوم إنترناشيونال فاندز المسجلة في أيرلندا.
– كوايستيو لإدارة رؤوس الأموال إس جي آر: بحيازة تبلغ 1.5 مليون دولار.
فرنشيسكو أنغيلوني، المنسق العلمي لمرصد البحر المتوسط بمعهد القديس بيوس الخامس للدراسات السياسية في العاصمة روما، إلى أن الانخراط الإيطالي محدود من حيث الحجم، ويُعتبر هامشياً إذا ما قورن بحجم الإصدارات الإسرائيلية الإجمالية أو بالمواقف التي تبنتها مجموعات مالية دولية كبرى.
ورأى أن هذا الانكشاف الهامشي منح الحالة الإيطالية أهمية خاصة في النقاش العام، حيث يتعلق الأمر بالسمعة أكثر من البعد المالي.
وأوضح أنغيلوني أن المؤسسات المعنية في إيطاليا، بما فيها شركات إدارة الأصول ومجموعات مصرفية ذات حضور قوي في قطاع التجزئة، تعمل في أجواء حساسة تجاه حقوق الإنسان واستخدام رؤوس الأموال في سياقات الحروب.
وقد أثبتت سابقة مجموعة بي بير – أركا فوندي، التي تخلت عن هذه السندات بعد احتجاجات وضغوط متزايدة، أن المخاطر المرتبطة بالسمعة قد تتحول سريعاً إلى عامل حاسم في قرارات المحافظ الاستثمارية داخل المنظومة الإيطالية.
وحسب التحليل، كان الاستثمار في سندات الدولة الإسرائيلية يُقدَّم غالباً كخيار تقني للتنويع والعائد، وليس تعبيراً عن موقف سياسي.
مع ذلك، فإن طول أمد الحرب وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين جعل الرأي العام الإيطالي يعتبر هذه السندات أدوات ساهمت بشكل غير مباشر في تمويل المجهود الحربي الإسرائيلي، ما أبرز توتراً واضحاً بين منطق السوق وسياسات المسؤولية الاجتماعية (ESG) التي تعلن الشركات التزامها بها.
مع استمرار حرب الإبادة على غزة، يُبرز التحقيق أن سندات الحرب الإسرائيلية صورة معقدة تتداخل فيها المصالح المالية مع القيم الإنسانية، ويظهر دور شركة “أليانز” كحاضن رئيسي لهذه الاستثمارات الضخمة، بينما يظل الانخراط الإيطالي محدوداً لكنه يكشف حساسية الأسواق تجاه السمعة والمسؤولية الاجتماعية.
وتؤكد هذه المعطيات أن التمويل الدولي للصراعات لا يقتصر على الأرقام فحسب، بل يمتد ليشمل التداعيات الأخلاقية والاجتماعية التي قد تؤثر على السياسات الاستثمارية والمواقف العامة تجاه النزاعات.


