سلطات «محمود عباس» تخذل غزة وتفاقم وطأة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع
الأخبار العربيةسلطات «محمود عباس» تخذل غزة وتفاقم وطأة حرب الإبادة الإسرائيلية ضد القطاع

بدأت إسرائيل حربها المدمرة على قطاع غزة في 7 أكتوبر، وتزامنت هجماتها مع قيود اقتصادية واسعة على كل قطاع غزة والضفة الغربية على السواء، ما ترك آثاراً سلبية كبيرة على الاقتصاد الفلسطيني يمكن لمسها في مختلف مظاهر النشاط الاقتصادي. ففي الضفة الغربية، أغلقت السلطات الإسرائيلية الطرق الرئيسية بين المدن، وفرضت قيوداً شديدة على حركة الأفراد والسلع. وألغت تصاريح المرور لأكثر من 150 ألف عامل، ما حال دون وصولهم إلى أماكن عملهم في إسرائيل، ودفعهم إلى البطالة. وفعلت الشيء ذاته مع آلاف التجار ورجال الأعمال. وقررت الحكومة الإسرائيلية اقتطاع 140 مليون دولار شهرياً من الإيرادات الجمركية للحكومة الفلسطينية، هي قيمة ما تحوله الحكومة شهرياً إلى قطاع غزة لصرف رواتب الموظفين والمتقاعدين، ونفقات تشغيلية لمؤسسات صحية وتعليمية واجتماعية تحت ذريعة فرض عقوبات شديدة على القطاع باعتباره «كياناً معادياً» وفق تعبيرها. وبدورها لم تقم السلطة الفلسطينية التي يرأسها محمود عباس، بصرف رواتب موظفي غزة. حيث بقي الموظفون المدنيون في القطاع دون رواتب خلال شهري نوفمبر وديسمبر 2023. يأتي ذلك رغم عدم وجود عوائق مالية تمنع من صرف رواتب موظفي غزة، فوفقاً لمرصد السياسات الاجتماعية والاقتصادية الفلسطيني، فإن سلطة عباس أخفقت من زاوية الاستجابة، وإمكانية تشكيل حكومة طوارئ، أو لجان طوارئ على الأقل للتعامل مع الحرب الإسرائيلية الأعنف على قطاع غزة، حيث كان يمكن تحويل الوزارات والحكومة لخلايا طوارئ تعمل على إغاثة الفلسطينيين في غزة. ورفضت السلطة الفلسطينية التي تعتمد بصورة أساسية على أموال «المقاصة» لدفع الرواتب استلام المبلغ منقوصاً، مما أخّر دفع رواتب الموظفين في غزة، إلا أن وزارة المالية في رام الله عالجت الأمر بالاستلاف من البنوك وتحويل نصف راتب لموظفيها في القطاع. ويرى المرصد أنه كان على السلطة الفلسطينية تسديد رواتب موظفي قطاع غزة بشكل كامل، بدون أية خصومات، وسط حرب تعمل على تجريف كل البنى في القطاع، كما كان يجب تشكيل برامج إغاثية لتسديد مبالغ مالية بسيطة تعين العائلات في غزة في فترة الحرب. وتتعامل سلطة عباس كطرف محايد خلال الحرب، وفقاً للمرصد، ولم تقم حتى بالإعلان عن صندوق إغاثة يجمع التبرعات. وأفاد خبراء اقتصاد فلسطينيون حسب متابعات بقش، بأن من العوائق أيضاً توقف القطاع المصرفي في غزة، مع مؤشرات على امتلاك إسرائيل مفاتيح التحويلات الدولية إلى القطاع، وهو ما يثير التساؤلات الموجهة إلى سلطة النقد الفلسطينية. وتقول سلطة النقد إنها تتواصل بالحكومة الفلسطينية وتأمل أن تتمكن الأخيرة من توفير التمويل، علماً بأن الجهاز المصرفي سيظل مغلقاً بشكل شبه تام مع استمرار انقطاع الكهرباء. ويقتطع الإسرائيليون شهرياً من المقاصة بشكل مباشر نفقات السلطة لقطاع غزة من كهرباء وماء وصرف صحي وبدل علاج لمن يتم تحويلهم إلى المستشفيات الإسرائيلية، ويبقى فقط ما يتم تحويله من السلطة رواتب الموظفين، التي لا يمكن اعتبارها عائقاً مالياً، إلا في حال وجود عائق مصرفي. ويذكر أن البنوك توقفت في العام 2021 عن استلام رواتب عوائل الشهداء والأسرى لخشيتها من قرارات إسرائيلية ضدها بحظر التعامل معها، مما اضطر السلطة الفلسطينية لصرفها لاحقاً عبر فروع البريد الفلسطيني. وتشير الأرقام الرسمية لوزارة المالية الفلسطينية إلى أن أموال المقاصة منذ بداية 2023 وحتى نهاية شهر سبتمبر شكلت نحو 62% من مجمل الإيرادات، لكنها ليست المصدر الوحيد، فالإيرادات المحلية قاربت 32%، وهو ما يمكّن من صرف ولو جزء من الرواتب. ما هو «بروتوكول باريس» وما علاقته برواتب الفلسطينيين؟ ينص بروتوكول باريس، وهو الملحق الاقتصادي لاتفاق أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، على أن تجمع تل أبيب الإيرادات الجمركية عن السلع المستوردة إلى الأراضي الفلسطينية، بسبب سيطرتها على المعابر الخارجية والموانئ، وتحويل الإيرادات في نهاية كل شهر إلى الحكومة الفلسطينية، بعد اقتطاع مصاريف إدارية تعادل 3% من قيمتها. تشكل هذه الإيرادات بين 65% إلى 70% من موازنة الحكومة الفلسطينية. وأدى اقتطاع إسرائيل هذه المبالغ إلى عجز الحكومة الفلسطينية عن دفع رواتب الموظفين وتمويل النفقات التشغيلية للمؤسسات الحكومية الصحية والتعليمية وغيرها. وأدت الإجراءات الإسرائيلية مجتمعة، إلى ركود وأزمة اقتصادية ارتفعت معها معدلات البطالة، وتراجعت مستويات الإنتاج. وأفاد تقرير حديث لوزارة الاقتصاد الفلسطينية، بأن 85% من المنشآت الاقتصادية في الضفة الغربية، شهدت تراجعاً في الأداء منذ اندلاع الحرب، وتراجع أداء نصفها بنسبة كبيرة زادت عن 50%. وتقدر خسائر الاقتصادي الفلسطيني خلال الشهور الثلاثة الماضية، بـ1.8 مليار دولار، وهي نسبة يقول الخبراء إنها كبيرة على اقتصاد صغير مثل الاقتصاد الفلسطيني الذي لا تتجاوز قيمة إنتاجه 16 مليار دولار سنوياً. الطبيعة الهشّة للاقتصاد الفلسطيني فور اندلاع عملية «طوفان الأقصى»، بدأت الآثار المباشرة للعدوان الإسرائيلي بالظهور على اقتصاد الفلسطينيين ومعاملاتهم المالية. وكان من مظاهر ذلك؛ تحوّل قرابة الـ200 ألف عامل إلى عاطلين عن العمل، ولو بشكل مؤقت، بعد منع الاحتلال دخولهم إلى أشغالهم في الداخل المحتل، وبالتالي قطع عنهم وعن عائلاتهم مصدر دخلهم الوحيد. ولاعتبارات سياسية تتعلق بالاحتلال أساسا، يعاني «الاقتصاد الفلسطيني» ونظامه المصرفي من مشاكل بنيوية، تجعله أكثر هشاشة أمام الهزّات والصدمات الناجمة عن أية تغيرات وأزمات سياسية أو اقتصادية أو صحية، عطفا على العسكريّة. إن حقيقة كون النظام الاقتصادي والمصرفي الفلسطيني نظاما غير مكتمل السيادة ولا الصلاحيات ولا المؤسسات، يجعل نقاش سياساته وإجراءاته وحدود قدراته محكوما بهذه المحددات. ومن ذلك، غياب العملة الوطنية والقدرة على إقرار أسعار فائدة بشكل مستقل، وغياب السيطرة على الموارد الطبيعية والحدود، وكذلك على جزء مهم من موارد الجباية المالية (أموال المقاصة التي يحصّلها الاحتلال)، وغيرها من المحدّدات التي تجعل خطط صانع القرار في الاقتصاد الفلسطيني مقيّدا ومحكوما بمعطيات تحد من قدرته على صياغة وتطبيق خطط وسياسات مستقلة، وفقاً لتحليل نشره موقع الجزيرة نت. لكن، على الرغم من هذه المشاكل البنيوية والمحدّدات إلا أن هامشا بسيطا يبقى متاحا لاتخاذ إجراءات وسياسات تساهم في تطوير وتحسين هيكلة «الاقتصاد الفلسطيني» والتخفيف من أثر الأزمات المختلفة عبر الاستعداد المسبق لها، والتركيز المسبق على القطاعات الإنتاجية ودعمها وتعزيز حصتها في الاقتصاد، وكذلك عبر إنشاء صناديق الدعم والتحوط المستقرة بشكل مسبق. ونتيجة لتأثّر وضع سكّان الضفّة المالي، بدأت أعداد الشيكات المرتجعة مع الوقت بالارتفاع. وقد ارتفعت قيمة الشيكات المرتجعة في الشهر الأول من الحرب بنسبة 49%، مقارنة بالشهر ذاته من العام المنصرم. في حين بلغت نسبة الشيكات المرتجعة من العدد الكلي للشيكات خلال أول 45 يوما من الحرب 22%، بعد أن كانت 9% في الشهر الذي قبل الحرب. ومن المهم هنا معرفة أن كشف الشيكات وإعادتها، أو التوقف عن سداد دفعات القروض والالتزامات ومحاولة تأجيلها، هو سلوك حمائي تقليدي يقدم عليه الناس مع أي أزمة تظهر حتى قبل أن تتشكل وقائعها وتبعاتها. ومّما فاقم من الأوضاع الصعبة، هو قرار الاحتلال بخصم حصة قطاع غزة من أموال المقاصة الخاصة بالسلطة الفلسطينية، فرفضت الأخيرة استلامها منقوصة، وهو ما يشكّل تبعات مباشرة على موازنة السلطة محدودة الموارد أصلا؛ فبعد أن كان الموظفون العموميون يتقاضون رواتبهم بنسب تتراوح بين 80%-90%، فإنهم تقاضوا في الشهر الأول من الحرب راتبهم بنسبة 50%. إجراءات سلطة «عباس» الوهمية لمواجهة تداعيات حرب غزة وفي إجراءات مشابهة لإجراءاتها وقت أزمة جائحة «كورونا»، عمدت السلطة الفلسطينية -عبر وزارة المالية وسلطة النقد- لترتيبات مع البنوك يتم بموجبها تأجيل أو إعادة جدولة دفعات القروض المترتبة على رواتب الموظفين العموميين، مع إتاحة إمكانية الحصول على سلف أو تمويلات محدودة لتغطية الالتزامات ودفعات القروض. وبطبيعة الحال، يترتّب على ذلك فوائد إضافية على الموظفين، وهو ما قد يسبب مزيدا من الضغوط الاقتصادية عليهم في المدى المتوسط والبعيد إذا ما طالت الأزمة. كما أعلنت سلطة النقد الفلسطينية عن إنشاء صندوق «استدامة بلس» بقيمة 500 مليون شيكل، كصندوق طوارئ لتقديم تسهيلات "مخفضة الفوائد" للمشاريع الصغيرة والمتوسطة التي عانت ومن المتوقع أن تعاني من آثار الأزمة الحالية وتراجع الدورة الاقتصادية والمالية، بحيث يمكنها من خلال تسهيلات هذا الصندوق تغطية التزاماتها الطارئة والاستمرار في العمل. وبعيداً عن نقاش كفاية هذا الصندوق لمساعدة المشاريع، فإن السؤال الأهم هو حول نجاعة الإجراء الذي يبدو مجرّد مسكن، دون أن يكون جزءا من تخطيطٍ وإجراءات مستدامة طويلة الأمد، توفر الدعم والحماية لهذه المشاريع التي تعمل أساسا في بيئة غاية في الصعوبة يفرضها الاحتلال بإجراءاته وقيوده على الحركة والتصدير والاستيراد والموارد وغيرها، فضلا عن نقاش الأسس التي صنعت هذا الواقع وتعقيداته والمرتبطة بتأسيس السلطة وطبيعة الاتفاقيات الموقعة بينها وبين الاحتلال ومدى تطبيقها. وينطبق النقاش نفسه على فكرة صندوق الطوارئ الذي سيزود المشاريع الصغيرة والمتوسطة باحتياجاتها، إذ إن تكلفة القروض الميسرة المقدّمة من الصندوق ستشكل عبئا إضافيّا على كاهل أصحاب المشاريع، وقد تساهم في إغراقهم أكثر في مصيدة ديون مستمرة، فمع استمرار تبعات العدوان وآثار العقوبات التي تفرضها حكومة الاحتلال على الفلسطينيين وعلى أموال السلطة، لا يُتوقع أن تتعافى المشاريع والمنشآت الاقتصادية في المدى القريب. ولا يختلف الحال كثيرا فيما يخص الموظفين العموميين، وهم الشريحة الأكبر والأكثر تضررا ربما، إذ يتقاضون منذ فترة طويلة رواتب منقوصة، وازدادت هذه النسبة مع الحرب وعدم تحويل أموال المقاصة من قبل الاحتلال. وصحيح أن تأجيل دفعات قروضهم وإعادة جدولتها يخفف عنهم الاستحقاق مؤقتا، لكنه في الوقت ذاته يضيف عليهم فوائد وتكاليف إضافية، في وضع تبدو البنوك هي المستفيدة الأكبر منه، إذ قد تتأثر تدفقاتها النقدية الحالية لكنها ستضمن في المستقبل القريب أرباحا وعوائد أكبر. فوفقا لسلطة النقد الفلسطينية لا خوف على القطاع المصرفي واستقراره مع استمرار الأزمة.

المزيد من المقالات