موقع الاقتصاد السوري من زخم عودة دمشق لجامعة الدولار العربية
الأخبار العربيةموقع الاقتصاد السوري من زخم عودة دمشق لجامعة الدولار العربية

كان قبول عودة سوريا الدراماتيكية إلى جامعة الدول العربية في شهر مايو الماضي بمثابة نقطة تحول في مصير البلاد. حيث تم إبرام اتفاق تطبيع سريع مع المملكة العربية السعودية، كما عُقد اجتماع رسمي – وإن كان متوتراً وبوساطة روسية – بين وزيري الخارجية التركي والسوري، مما أعطى الانطباع بأن مرحلة جديدة قد بدأت علنياً. وعلى الرغم من أن دمشق ربما تكون قد خرجت من حالة العزلة الدبلوماسية، إلا أنه لم يحدث تغيير يذكر على الجبهة الاقتصادية، حيث لا يزال الوضع سيئاً. ومنذ بداية شهر مايو، فقدت الليرة السورية أكثر من 80% من قيمتها ولا تظهر أي علامة على الاستقرار، فمتوسط سعر الليرة حالياً يبلغ 15,500 مقابل الدولار الواحد، وهو أدنى مستوى على الإطلاق. وعلى الرغم من المناورات السياسية الإقليمية وموجة النشاط الدبلوماسي، فإن نقطة الضعف الكبرى التي تعاني منها سوريا تظل تتمثل في اقتصادها المتعثر، وغير القادر على النهوض من رماد الحرب. وكان هناك الكثير من التوقعات غير الرسمية بأن كلاً من الإمارات والسعودية ودول المصالحة الأخرى ستساعد في استقرار الليرة السورية من خلال تقديم المساعدة المالية، وتغطية الدعم الإيراني المتضائل، وإعادة تنشيط الاقتصاد السوري. وكان التفكير هو أن المساعدات المالية الخليجية لدمشق التي تعاني من ضائقة مالية يمكن أن تخلق المزيد من النفوذ على الدولة التي مزقتها الحرب، والتي تتوق إلى الاستقرار المالي، لكن هذا لم يحدث. ويمكن ربط نقص الدعم المالي بعدة عوامل، بما في ذلك الطبيعة المبكرة لعودة سوريا إلى الحظيرة وتأثير عقوبات قانون «قيصر» الأمريكي، والتي قد تشكل مشكلة بالنسبة لدول الخليج على المستوى العملياتي والدبلوماسي. وقد يكون هناك أيضاً نقص في الاهتمام الحقيقي بموازنة دفاتر دمشق في الوقت الحالي، على الأقل حتى استعادة العلاقات بالكامل. وبدون دعم اقتصادي خارجي إضافي، وخاصة من الخليج، فمن المرجح أن تكون الفترة الحالية صعبة بشكل خاص على دمشق. (العقوبات الغربية والاحتلال الأمريكي لمكامن النفط والحرب والفساد | أبرز مسببات الانهيار وتفاقم التضخم) تستمر الأوضاع الاقتصادية في التدهور مع انخفاض قيمة الليرة السورية، في حين تظل أسعار المواد الأولية مرتبطة بالدولار، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة. وبحسب نقيب الصيادلة السوريين في دمشق، «حسن ديروان»، فإن الحكومة قررت رفع أسعار الأدوية بنسبة 50%، على الأرجح بسبب نقص العملة الصعبة والمواد الأولية اللازمة لصناعة الأدوية، نتيجة العقوبات الغربية وقانون قيصر. ويكافح السوريون العاديون، الذين يعانون بالفعل من ضغوط شديدة، من أجل توفير الطعام لأسرهم. وتمت زيادة رواتب الدولة إلى 200 ألف ليرة سورية شهرياً اعتباراً من 16 أغسطس المنصرم، أي ما يعادل 12.50 دولاراً تقريباً، في حين تقدر الأمم المتحدة تكلفة الحد الأدنى لسلة الغذاء الشهرية بـ 1.35 مليون ليرة سورية (90 دولاراً). وقد قوبلت الزيادة المفاجئة في الرواتب بارتفاع مستمر في الأسعار. وكان قطاع الوقود غير مستقر بشكل خاص. وتضاعف سعر الـ 20 لتراً من بنزين أوكتان 90 بين عشية وضحاها، ليرتفع من 75 ألف ليرة سورية إلى 160 ألف ليرة سورية، فيما يصل سعر البنزين في السوق السوداء إلى ما يزيد عن 300 ألف ليرة سورية لكل 20 لتر. وتسلط أحدث المؤشرات الصادرة عن البنك الدولي، والتي صدرت في منتصف أبريل، الضوء على تدهور الوضع الاقتصادي، مشيرة إلى أنه «من المتوقع أن يتسع انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في سوريا بنسبة 2.3 نقطة مئوية إلى 5.5% في عام 2023 نتيجة للزلزال المدمر». ويتوقع البنك الدولي أيضاً زيادة التضخم هذا العام من 44% إلى 60% بسبب «اضطرابات سلسلة التوريد وارتفاع تكاليف النقل» وما ينتج عن ذلك من انكماش في الاستهلاك الخاص. ساهم عدد من العوامل في الوضع الاقتصادي المتردي: الحرب وما يرتبط بها من تدمير للصناعة، والانهيار الاقتصادي في لبنان المجاور (الذي أدى إلى أكبر انهيار للعملة السورية في عام 2019)، وانتشار الفساد وسوء الإدارة، وتأثير العقوبات الغربية، والأزمة السورية. وتداعيات زلزال فبراير 2023، وحقيقة أن المناطق الغنية بالنفط في الشمال الغربي لا تزال خارج سيطرة الحكومة وتحت الاحتلال الأمريكي، وضعف الأداء الاقتصادي المستمر، الذي تفاقم بسبب الهجرة الجماعية المستمرة للعمال المهرة. وقد أدى كل هذا إلى انخفاض قيمة العملة، وأصبح الاقتصاد السوري في حاجة ماسة إلى التحفيز. ويتفاقم السقوط الاقتصادي الحر بسبب نقص الدعم المالي من حليفتي سوريا الرئيسيتين، إيران وروسيا. ومع تعثر الأولى في مشاكلها المالية في الداخل ودخول موسكو في حرب مكلفة في أوكرانيا، فإن رعاة سوريا يترددون في دفع الفاتورة، مما يترك دمشق تبحث عن خيارات أخرى. وأصدر مصرف سوريا المركزي، في 8 أغسطس، تعميماً برفع سقف السحب اليومي من الحسابات المصرفية من 15 مليون ليرة سورية إلى 25 مليون ليرة سورية، ما يزيد السيولة للعملاء في وقت تستمر فيه قيمة الليرة بالانخفاض. وارتفع سعر الصرف بشكل كبير لدرجة أن البنك المركزي قرر مؤخراً رفع السعر الرسمي أمام الدولار إلى 8542 ليرة سورية، أي بزيادة قدرها 25% تقريباً عن السعر السابق البالغ 6532 ليرة سورية. (خبراء: أمريكا سحقت اقتصاد سوريا الذي يواجه صدمة الانفتاح العربي) تعرض السوريون خلال الأشهر الأخيرة، لما يمكن تسميته بـ«صدمة الانفتاح العربي»، إذ أن الآمال التي علقها اقتصادهم على الانفتاح السياسي حطمتها حرب خفية على الليرة السورية، خلفت تضخماً يوازي 170% في النصف الأول من العام «وفقا لما يؤكده خبراء اقتصاديون»، وهذا بدوره كرّس تراجعاً غير مسبوق في القدرة الشرائية للرواتب والأجور. خبراء اقتصاديون سوريون أكدوا أن الانفتاح العربي على سوريا مرهون بالإجراءات الأمريكية، مشيرين إلى أن الشعب السوري علق آمالاً عريضة على تحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي، عقب الزيارات الرسمية المتبادلة مع مسؤولين في ممالك وإمارات الخليج العربي، إلا أن «العصي» الأمريكية سارعت إلى عرقلة «عجلات» العمل العربي، لتتبخر الآمال بقدرة المنطقة على صياغة استراتيجيتها الخاصة. وبعد سنوات من التطلع إلى العمق العربي، والقطع مع ماضٍ دموي عايشوه في ظل الحرب في بلدهم، فالأسوأ الذي يواجهه السوريون اليوم، هو التراجع الحاد والمتراكم في قدرتهم المعيشية جراء إصرار الجانب الأمريكي على دفن نوايا «الانفتاح العربي» إلى أجل غير مسمى، وما نجم عن ذلك من واقع اقتصادي يزيد قسوة بأضعاف عما كان عليه خلال أسوأ سنوات الحرب، بسبب تراكم البيئة المتشائمة التي تطوق اقتصادهم. في هذا الصدد يقول الدكتور «شفيق عربش»، المدير السابق للمكتب المركزي للإحصاء في سوريا، في مقابلة صحفية الشهر الماضي إن «الانفتاح الخليجي على سوريا اتخذ طابعاً إنسانياً بعد الزلزال الذي ضربها وتسبب بدمار كبير في العديد من المحافظات التي أصبحت مصنفة كـ"منكوبة"، ومن ثم تطور هذا الانفتاح ليأخذ طابعاً سياسياً من خلال عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية وتبادل العديد من الزيارات الرسمية، إلا أنه – الانفتاح – لم يمر عبر البوابات الاقتصادية التي كان الجميع يعلق آماله عليها». المدير السابق للمركز الإحصائي، الذي يعد أعلى سلطة مخولة بجمع وتحليل المعلومات الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد القومي، لفت إلى أن للولايات المتحدة دور في ذلك، فهي دولة معادية لسوريا منذ عشرات السنين، وتحاول مراراً وتكراراً زعزعة الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في المنطقة منذ عقود، ولن تسمح لأي دولة بتطوير علاقتها الاقتصادية مع سوريا، لذلك فإن الانفتاح الاقتصادي مرهون بالإجراءات الأمريكية. حلول محدودة وآفاق معتمة لمستقبل الاقتصاد السوري تعرض الاقتصاد السوري إلى خسائر مرعبة خلال فترة الحرب، حيث بلغ الناتج المحلي الإجمالي لعام 2022، أقل من ثلث قيمته في عام 2010، وتجاوز إجمالي الخسائر الاقتصادية، بما فيها الفرص الضائعة، خلال 12 عاماً، نحو 700 مليار دولار أمريكي، أي أكثر من 35 ضعف الناتج المحلي لعام 2022. واليوم، تحتاج سوريا إلى المزيد من المساعدة وإلى إيجاد طريقة سريعة لتحقيق استقرار الليرة السورية، ولكن في المقابل، ستحتاج البلدان التي لديها القدرة على المساعدة اقتصادياً إلى تنازلات سياسية والتزام طويل الأمد بمعالجة قضايا مثل الاتجار بالمخدرات. في هذه الأثناء، ما لم تجد العملة السورية المتعثرة أساساً قوياً، فإن ثقة المستثمرين ستظل منخفضة وسيتعين على دمشق ضخ الدولار باستمرار في أسواقها من خلال وسائل مختلفة للحفاظ على الثقة في الليرة. لقد كانت دول الخليج خجولة بشأن افتقارها إلى الالتزامات المالية، وفضلت اتباع نهج أكثر قياساً لبناء الثقة والتوافق ببطء مع دمشق قبل زيادة الدعم. وإذا حدث ذلك، فسوف يتطلب الأمر الصبر من كلا الجانبين.

المزيد من المقالات