في الـ23 من فبراير أعلن رئيس الوزراء المصري «مصطفى مدبولي» في مؤتمر صحفي عن توقيع اتفاق مع شركة «أبو ظبي كيو ADQ» - ثالث أكبر صناديق الاستثمار السيادية الرئيسية في أبوظبي – لاستثمار مبلغ 35 مليار دولار لتطوير شبة جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط. هذه الصفقة ستوفر دفعة هائلة للاقتصاد المصري الذي يعاني من أزمة عميقة خصوصاً في الوقت الذي يواجه فيه ضغوطاً جديدة مرتبطة بالحرب في غزة وتداعيات الهجمات في البحر الأحمر، مع سعي القاهرة إلى توسيع برنامج الدعم الحالي من صندوق النقد الدولي. بحسب شركة أبو ظبي كيو القابضة فإنها ستستثمر 35 مليار دولار في مشروع رأس الحكمة، مستحوذةً على حقوق تطويره بـ24 مليار دولار، ومقدرةً بأن المشروع سيجتذب استثمارات بأكثر من 150 مليار دولار. وقد أعلنت الشركة في بيانها الرسمي بأن العمل سيبدأ في مشروع رأس الحكمة في السنة المقبلة 2025، وتحتفظ الحكومة المصرية بحصة نسبتها 35%. رأس الحكمة هي «منطقة ساحلية تمتد على بعد 350 كيلو متر شمال غرب القاهرة، فيما تبعد 200 كيلو متر غربي الإسكندرية»، وتطمح الشركة القابضة لجعلها «وجهة رائدة لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط، ومركزا مالياً ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية». وستمتد مدينة رأس الحكمة على مساحة تزيد عن 170 مليون متر مربع، وستضم مرافق سياحية ومنطقة حرة ومنطقة استثمارية بالإضافة إلى مساحات سكنية وتجارية وترفيهية. كيف سيتم ضخ 35 مليار داخل الاقتصاد المصري وكيف سيؤثر ذلك عليه؟ أعلنت أبو ظبي القابضة عن جدول زمني وآلية محددة يتم من خلالها تطعيم الاقتصاد المصري بـ35 مليار دولار، وذلك بدءاً من «مصارفة 11 مليار دولار إلى ما يعادلها من الجنيه المصري من الودائع، والتي سيتم استثمارها في مشاريع رئيسية في جميع أنحاء مصر بهدف دعم لنمو الاقتصادي». بدوره قال رئيس الوزراء المصري إن هذه «الحصيلة الدولارية» ستستخدم في حل الأزمة الاقتصادية وستساهم في حل «مشكلة النقد الأجنبي في مصر»، التي تجد صعوبة في توفيره لتأمين احتياجاتها من الواردات وسداد ديونها الخارجية البالغة 160 مليار دولار، فضلاً عن السيطرة على مشكلة «وجود سعرين لصرف الدولار»، أحدهما رسمي في المصارف والآخر في السوق السوداء ويبلغ نحو ضعف السعر الرسمي. وبحسب الخُطة المزمنة لتدفق الأموال فإن 15 مليار دولار ستأتي مباشرةً من الإمارات بعد أسبوع واحد فقط من تاريخ توقيع الاتفاقية التي تمت في 23 فبراير، متضمنةً 10 مليارات دولار سيتم تحويلها مباشرة و5 مليارات دولار ستكون جزءً من وديعة إماراتية لدى البنك المركزي المصري تبلغ قيمتها الإجمالية 11 مليار دولار. في حين ستتكون الدفعة الثانية من الاستثمارات الإماراتية من مبلغ يناهز 20 مليار دولار سيتم ضخها بعد شهرين، من ضمنها مبلغ 6 مليارات دولار هي بقية الوديعة الإماراتية لدى بنك مصر المركزي. بعد إبرام مصر للاتفاق الاستثماري التاريخي مع الإمارات، سمح البنك المركزي المصري بتعويم العملة المحلية بحرية فيما أعلن أن صندوق النقد الدولي وافق على زيادة قرض الإنقاذ من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات دولار. وقالت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي إن البنك رفع أسعار الفائدة بنسبة 6% في إطار مجموعة من الإصلاحات الاقتصادية الشاملة التي تقودها الحكومة. وقد وفرت هذه الإجراءات فترة نقاهة سريعة لأزمة نقص العملة الأجنبية في مصر، والتي كانت قد أدت إلى كبح النشاط التجاري المحلي، وتسببت في تأخيرات في الموانئ وتباطؤ المدفوعات لبعض السلع. من جانبه، قال صندوق النقد الدولي، ممثلاً برئيس بعثته إلى مصر "إيفانا فلادكوفا هولار" إن السلطات المصرية تظهر التزاماً قوياً بالتصرف الفوري في جميع الجوانب المهمة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يفرضه الصندوق. استقرار طويل المدى لاقتصاد مصر أم جرعة مؤقتة؟ رغم انعكاسات الصفقة التي تبدو إيجابية حتى الآن، أثارت الصفقة الإماراتية جدلاً واسعاً مع اتهام جمهور كبير من رواد وسائل التواصل الاجتماعي المصريين للحكومة ببيع أصول الدولة. وهي تهمة نفاها رئيس الوزراء قائلاً خلال حفل توقيع الصفقة الإماراتية إن مشروع رأس الحكمة هو شراكة مع الإمارات ولا يتضمن بيع أصول وسيجذب استثمارات إجمالية قدرها 150 مليار دولار. لكن وبحسب محللين اقتصاديين فإن الصفقة سياسية في المقام الأول وليست خطة إنقاذ مجانية، ففي المقابل هناك أثمان ستدفعها مصر، سواء على صعيد النفوذ السياسي أو الوضع الاستثماري أو الشروط غير المعروفة للصفقة. ويقول المحللون إن مصر بحاجة إلى إقرار المزيد من الإصلاحات لتلبية مطالب صندوق النقد الدولي ودائنيها الدوليين ووضع القاهرة على طريق الاستقرار المالي على المدى الطويل. أستاذة الاقتصاد بجامعة القاهرة، «علياء المهدي» قالت في لقاء صحفي حديث إن الصفقة الإماراتية والقرض الجديد من صندوق النقد الدولي يمكن أن يحلا أزمة مصر مؤقتاً. لكنها ترى أن إنقاذ الاقتصاد المصري يتطلب تغيير «السياسات الاقتصادية الخاطئة التي اتبعتها الحكومة المصرية خلال السنوات العشر الماضية». وأضافت «المهدي» أن الحكومة المصرية ركزت خلال العقد الماضي على مشاريع البنية التحتية مثل العاصمة المصرية الجديدة شرق القاهرة، مشددةً على أن مثل هذه المشاريع ليست عاجلة، وتأتي على حساب الاستثمارات في الصناعة والخدمات الأساسية. كما أن «العاصمة الجديدة لم تحقق الإيرادات المتوقعة، وما زال يتعين على الحكومة نقل الثلاثة ملايين شخص إلى هناك كما وعدت». وكانت الحكومة المصرية قد أقرت في أواخر يناير الماضي، تخفيضاً بنسبة 15% في الخطة الاستثمارية للموازنة العامة للدولة للعام المالي 2023/2024. وقالت أيضاً إن المشاريع الجديدة لن تبدأ في هذه السنة المالية، وسيتم إعطاء الأولوية للمشاريع التي اكتملت بنسبة 70% أو أكثر. فيما تعمل الحكومة الآن على خطة لتنشيط السوق من خلال توفير العملة الأجنبية والإفراج التدريجي عن البضائع الموجودة لدى الجمارك. وقال مدبولي: «سيستغرق الأمر بضعة أشهر حتى يعود الاقتصاد المصري إلى حالته الطبيعية». ويقول المحللون إن الحل طويل الأمد للضائقة الاقتصادية في مصر سيتطلب من الحكومة استخدام أموالها الجديدة بحكمة.