بقش - مقالات السبت 07 أكتوبر 2023 أحمد الحمادي: يُتوقَّع أن يدخل الاقتصاد الإسرائيلي في أصعب الظروف وأشدها تكبُّداً للخسائر على الإطلاق، إثر العمليات العسكرية التي أطلقتها الفصائل الفلسطينية أمس السبت، والتي اعتبرتها #إسرائيل رسمياً بأنها "حرب وليست عملية عسكرية"، إذ تشهد الأراضي المحتلة بالفعل أزمات اقتصادية متلاحقة مثل ارتفاع مستويات غلاء المعيشة، وتهاوي عملة الشيكل، وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في السوق الإسرائيلي، وتفاقم آثار الانقسام السياسي وكذلك التعديلات القضائية. ومع تصاعد المواجهة بين الفصائل وتتقدمها كتائب القسام وبين الإسرائيليين، يبدو أن الاقتصاد الإسرائيلي -الذي يُعد صاحب ثالث أكبر ناتج محلي في المنطقة بعد السعودية و تركيا- يتجه إلى المجهول، مما ينبئ بخسائر فادحة لاقتصاد يعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا المتطورة والتصنيع. وتبدو الأوضاع معقدة على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي معاً، فهما يرتبطان ارتباطاً وثيقاً باعتماد المصانع الإسرائيلية على العمالة الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة، وتُعتبر إسرائيل الشريك التجاري الرئيس للضفة والقطاع ويأتي أكثر من نصف البضائع المستوردة إلى الضفة وأكثر من ثلثي واردات غزة من إسرائيل، ويبلغ إجمالي واردات الضفة وغزة من إسرائيل 70% و54% من الناتج المحلي الإجمالي للضفة والقطاع على التوالي. وستُلقي الحرب تداعياتها الضخمة على سوق المال الإسرائيلية، وقطاع النقل الجوي والبحري المهم للسياحة والتجارة عموماً، كما من المرجح أن تمتد التأثيرات إلى قطاع الغاز الإسرائيلي إذ ما تم استهداف البنية التحتية سواء خط تصدير الغاز أو المحطات، وهو ما سيؤثر أيضاً على شركاء آخرين لإسرائيل في ذلك، أبرزهم #مصر التي من المفترض أن تزداد وارداتها من الغاز الإسرائيلي بنسبة 30% في الفترة المقبلة. إلى ذلك من المرجح أن يتلقى قطاع غزة ضربة اقتصادية مع تخلف التنمية الاقتصادية الناجم عن سنوات من العزلة والصراعات المستمرة، ويُشار إلى أن دخل الفرد في غزة بلغ رُبع الدخل في الضفة الغربية خلال عام 2022 وفقاً لصندوق #النقد_الدولي، كما توجد معدلات بطالة وفقر في القطاع أعلى بكثير من تلك التي في الضفة. ولأول مرة في تاريخه، تكبَّد الكيان الإسرائيلي خسائر عسكرية وبشرية فادحة جراء العمليات الصاروخية الفلسطينية التي لم تصمد أمامها منظومة "القبة الحديدية" المتطورة للدفاع الجوي، والتي من أجل تعزيزها طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي "نتنياهو" من الرئيس الأمريكي #بايدن الحصول على تمويل أمريكي طارئ. كما سقط مئات القتلى والجرحى الإسرائيليين، ووقع آخرون بين مدنيين وجنود وضباط كأسرى لدى الفلسطينيين، وقالت الفصائل إنهم كثيرون، فيما قدَّرت وسائل إعلام إسرائيلية وجود أكثر من 100 أسير إسرائيلي في غزة. "يديعوت أحرونوت": خسائر اقتصاد إسرائيل جسيمة ولا تُحصى حالياً في مواجهات عسكرية سابقة مع الفلسطينيين، كانت الخسائر الإسرائيلية كبيرة بعشرات المليارات من الدولارات لمختلف القطاعات الحيوية، الاقتصادية التجارية والسياحية، إلا أنَّ المواجهة العنيفة الحالية جعلت من الصعب التنبؤ بحجم الخسائر وما سيؤول إليه وضع الاقتصاد الإسرائيلي، أو على حد تعبير مراسل الشؤون الاقتصادية لصحيفة "يديعوت أحرونوت" غاد ليئور، والذي قال: "ستكون خسائر اقتصاد إسرائيل فادحة لا يمكن حصرها بهذه المرحلة". أدت المواجهات بشكل أولي إلى تدمير مبانٍ ومرافق إسرائيلية وتعطيل مئات المناطق الصناعية وآلاف المنشآت التجارية ومجمعات التسوق، والتي تشكل عصب الاقتصاد وتخدم نحو 3 ملايين إسرائيلي، كما تعطلت الملاحة الجوية وأُغلقت المطارات المحلية وسط وجنوب إسرائيل أمام الاستخدام التجاري، بما فيها مطار "بن غوريون" الدولي الرئيسي بإسرائيل، وإضافةً إلى ذلك قررت شركات طيران إلغاء رحلاتها إلى إسرائيل التي باتت منطقة غير آمنة. وفي المقابل، تعرضت غزة لغارات جوية هستيرية عنيفة استهدفت منازل ومنشآت ومرافق حيوية، ومن بين الأهداف التي دمرتها الغارات الإسرائيلية "البنك الوطني الإسلامي"، و"بنك الإنتاج الفلسطيني" وسط غزة، كما تعطلت بالكامل محطة مركزية تغطي معظم مستوطنات غلاف غزة بالكهرباء. ووفقاً للصحفي الاقتصادي، ليئور، فإن الحرب مع غزة اندلعت في وقت تنتظر فيه السوق الإسرائيلية قرارات مصيرية، تتعلق بأسعار الفائدة من جانب بنك إسرائيل، وفي وقت تواصل فيه العملة الإسرائيلية "الشيكل" التراجع أمام الدولار والعملات الأجنبية الأخرى، كما أن بورصة تل أبيب تواصل انخفاضها. ويتوقَّع ليئور أن تعمق الحرب من أزمات الاقتصاد الإسرائيلي، وهو ما قد يؤدي إلى استمرار تراجع الشيكل أمام الدولار، والأسهم في البورصة الإسرائيلية، وقد تُغلق البورصة أبوابها في حال استمرت بالهبوط. أزمات الاقتصاد الإسرائيلي قبل "طوفان" فلسطين يكمن الخطر على اقتصاد الكيان الإسرائيلي في كونه يعاني بالأساس من أزمات قبل اندلاع هذه الحرب، ولعلَّ المخاطر بدأت تتجسد بعد إقرار البرلمان الإسرائيلي "الكنيست" قانوناً يحد من سلطات المحكمة العليا، ضمن خطة حكومية لـ"إصلاح القضاء"، والذي واجهه العمال والموظفون بإضرابات واسعة شلَّت الحركة الاقتصادية العامة. وسبق وحذَّرت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني من هذا القانون الذي تسبب في أزمة شعبية في الداخل الإسرائيلي على مدى أشهر، وقالت الوكالة إن الاستثمارات هبطت بشكل ملحوظ إلى 3.7 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي، وهو أدنى رقم منذ عام 2019. وتراجع حجم الاستثمارات الأجنبية في السوق الإسرائيلي خلال الربع الأول من 2023 بنسبة 60% مقارنةً بنفس الفترة خلال عامي 2020 و2022، وفقاً لما أعلنته وزارة المالية الإسرائيلية في سبتمبر الماضي، وتَمثَّل التراجع في انخفاض عدد الصفقات وفي عدد رجال الأعمال الأجانب الذين يستثمرون في إسرائيل. وفي ذلك الربع هبطت قيمة الاستثمارات الداخلية والخارجية في السوق الإسرائيلي بنسبة 34% إلى 4.76 مليارات دولار، في حين أكد كبار موظفي وزارة المالية الإسرائيلية أن الوزير بتسلال سموتريتش يضغط عليهم من أجل تزييف معطيات الواقع الاقتصادي. أزمة أخرى تعاني منها إسرائيل هي ارتفاع مستويات غلاء المعيشة، وهي أزمة اعتبرها خبراء اقتصاد إسرائيليون ناتجةً عن ارتفاع معدلات الولادة في إسرائيل مقارنة ببقية دول "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "OECD"، حيث يزداد عدد السكان الإسرائيليين سنوياً بنسبة 2%، مما يفرض على بقية السكان تحمل عبء الإسهام في سوق العمل، علماً بأن 60% تقريباً من الإسرائيليين فقط في سن العمل، وفقاً للبيانات المتوفرة التي اطَّلع عليها مرصد بقش. وفشلت الحكومة الإسرائيلية فشلاً ذريعاً في مواجهة مشكلة غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار عبر "رفع القيود عن استيراد المواد الغذائية" حسب صحيفة غلوبس العبرية الاقتصادية. وتقول الصحيفة في تقرير حديث تابعه "بقش" إن فتح أبواب إسرائيل أمام استيراد المواد الغذائية من الخارج لم ينجح في فرملة ارتفاع أسعار هذه المواد، حيث قامت شبكات البيع الإسرائيلية التي اعتمدت على استيراد سلعها من الخارج برفع الأسعار مجدداً بعدما تكبدت خسائر كبيرة، مثل فرع شركة "سفار" في إسرائيل. كما تسببت الحكومة التي يقودها نتنياهو في حدوث نقص كبير في بعض السلع، مثل بعض مشتقات الحليب رغم أنها أعفت استيراد هذه المشتقات من الرسوم الجمركية، إذ لم تتشجع شبكات البيع لاستيراد هذه المشتقات. وتتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تباطؤ الاقتصاد الإسرائيلي إلى 2.9% في 2023 من نسبة 3% التي كانت متوقعة في السابق، وإلى 3.3% في 2024 من 3.4%. قيود إسرائيل التي أرهقت الاقتصاد الفلسطيني في العام 2022 بلغ الناتج المحلي الإجمالي لـ #فلسطين نحو 18 مليار دولار، بينما بلغ في إسرائيل خلال نفس الفترة قرابة 430 مليار دولار، وفقاً لبيانات رسمية، كما أن مستوى دخل الفرد في إسرائيل أكثر من دخل الفرد في الأراضي الفلسطينية بـ15 مرة، فضلاً عن معدلات الفقر المرتفعة للغاية بين شعب فلسطين، إذ يعيش واحد من بين كل 4 فلسطينيين تقريباً تحت خط الفقر. حول هذه الحقائق، قال #البنك_الدولي في تقرير أصدره في سبتمبر الماضي، إنَّ الاقتصاد الفلسطيني ما زال يواجه مخاطر عالية في ظل نظام معقد بسبب القيود الإسرائيلية على الحركة والتجارة في الضفة الغربية، والحصار على قطاع غزة، والانقسام الداخلي بين الضفة الغربية وغزة، فضلاً عن القيود الشديدة على المالية العامة، وبرنامج الإصلاح غير المكتمل للسلطة الفلسطينية، وتراجع المساعدات الأجنبية على مدى سنوات عديدة. وتفرض إسرائيل على الأراضي الفلسطينية قيوداً تعرقل الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية وتؤثر سلباً على السكان خصوصاً في قطاع غزة الذي يعاني من قيود إسرائيلية على إدخال البضائع منذ منتصف عام 2007. وعلى مدى السنوات الخمس الماضية ظل الاقتصاد الفلسطيني يعاني بصورة أساسية من ركود دون تحسن بسبب عدم تغير السياسات على أرض الواقع، ورغم أن الأراضي الفلسطينية شاركت في "اتحاد جمركي" بحكم الواقع مع إسرائيل منذ 30 سنة، إلا أن التفاوت ظل يتَّسع بين الاقتصادين بعكس المتوقَّع. وسبق وأكدت مكتب #الأمم_المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين (أوتشا) أنَّ الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة تزداد سوءاً، وسط الارتفاع الضخم في أعداد الفئات الأكثر فقراً بين السكان، واستمرار فرض القيود الإسرائيلية على إدخال البضائع لغزة، مع وجود 1.2 مليون لاجئ في القطاع يحتاجون إلى المساعدة الماسة، إضافةً إلى حدَّة أزمة الكهرباء وتأثيرها على المستشفيات والمدارس وغيرها من القطاعات.