خلال شهر أغسطس الماضي، تكبَّد الدولار الأمريكي أكبر خسارة شهرية له في 2024، على الرغم من أن المؤشرات الأمريكية والأوروبية اختتمت الشهر بتحقيق المكاسب للشهر الرابع على التوالي، بينما حافظ الذهب على بريقه بمكاسب تتخطى الـ 2%. ووفقاً لمتابعات بقش، فإن المتوقع أن يسجل مؤشر الدولار -الذي يقيس أداء العملة مقابل سلة من 6 عملات رئيسية- خسائر نسبتها 2.6% في أغسطس على أساس شهري، مما سيكون أسوأ شهر له منذ نوفمبر 2023. وقد دفعت المخاوفُ التي تطغى على السوق الأمريكية صانعي القرار في بنك الاحتياطي الفيدرالي "المركزي الأمريكي" إلى الإعلان عن أن الوقت قد حان لتيسير السياسة النقدية المشددة وبدء خفض أسعار الفائدة في سبتمبر الجاري، وسط المخاوف من حدوث ركود اقتصادي أمام بيانات ضعيفة لسوق العمل. وهذا الإعلان يطرح الأسئلة حول تأثير خفض أسعار الفائدة على مسار الدولار الأمريكي مقابل العملات الرئيسية في أسواق الصرف العالمية. كيف تتزعزع الثقة بالدولار؟ حسب بيانات أداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "سي. إم. إي"، يتوقَّع المتداولون خفض أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار ربع نقطة مئوية في 18 سبتمبر الجاري، وترجّح بيانات أخرى خفضها بمقدار 50 نقطة أساس. ويُعتبر الاتجاه نحو خفض الفائدة الأول من نوعه منذ العام 2020، بغرض معالجة الشح في سوق العمل الأمريكي. وعلى الأرجح سيؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تراجع الدولار، حيث إن الفائدة عبارة عن تسعير لقيم العملات، ويمكن الإشارة إلى عدد من نقاط الضعف في سعر صرف الدولار في الوقت الحالي أي قبل حتى خفض سعر الفائدة. فالدولار يتم تقييمه في سوق الصرف بأعلى من سعره الحقيقي، وكما تقول شركة "فانغارد" الأمريكية المعنية بالاقتصاد والاستثمار في تحليل لها العام الماضي، فإن قيمة الدولار مبالغ فيها بأعلى من السعر الحقيقي بنسبة 12% تقريباً مقابل سلة من خمس عملات رئيسية في سوق الصرف العالمي، وتتوقع هذه الشركة انخفاض قيمة الدولار بنسبة 75% خلال السنوات العشر المقبلة. الأمر الثاني أن الدين العام الأمريكي ضخم للغاية ويفوق سقفه متجاوزاً 35 تريليون دولار، وخدمة الدين العام الأمريكي تتجاوز مليار دولار يومياً، بينما تحتاج الولايات المتحدة بشدة للإنفاق أكثر على ميزانية الدفاع المتضخمة، ما يعني أن الدين الأمريكي سيواصل ارتفاعه خلال الفترة المقبلة، سواء بفوز المرشح الجمهوري أو الديمقراطي. وبالنسبة للمرشح الجمهوري #ترامب، فإن خططه المعلن عنها في حملته الانتخابية ستضيف 5.8 تريليونات دولار إلى الدين العام وفقاً لموقع أكسيوس الأمريكي. ويُمثل تفاقم الدين الأمريكي مصدر قلق للدول الغربية التي تعتبر #واشنطن غير قادرة على التعامل مع ديونها المتزايدة، وهو ما قد يهدد الاستقرار المالي العالمي، في حين تصف #سويسرا الدين الأمريكي بأنه "قنبلة موقوتة". كما أن العجز التجاري الأمريكي مستمر في الارتفاع، فوفقاً لبيانات وزارة التجارة الأمريكية ارتفع هذا العجز في العام الجاري مسجلاً 204.5 مليارات دولار في الربع الأول فقط حسب اطلاع بقش، ويُتوقَّع أن يستمر العجز خلال العام 2025 عقب الانتخابات الأمريكية. إضافة إلى ذلك، فإن الدولار الأمريكي يجد نفسه أمام مشكلة توجُّه البنوك المركزية العالمية نحو تغيير الاحتياطات النقدية بشراء الذهب والتخلص التدريجي من احتياطيات الدولار، وزيادة التعاملات التجارية الدولية بالعملات الوطنية، بما في ذلك تعاملات #الصين و #روسيا و #الهند، على خلفية العقوبات الأمريكية التي زعزعت الثقة بالدولار كعملة احتياطية عالمية يتم استغلالها لفرض العقوبات. هذا وفي الوقت نفسه تلوّح دول مجموعة "بريكس" بإطلاق عملة "بريكس" الموحدة ونظام دفع بديل للنظام المصرفي الدولي الأمريكي "سويفت". ويقول موقع "زيرو هيدج" إن مجموعة بريكس تتجه نحو تطبيق المعيار الذهبي خلال السنوات الخمس المقبلة، وذلك يعني للغرب أنه إذا أرادت دولة غربية التجارة مع المجموعة مقابل سلعة معينة، فإنها تحتاج إلى المزيد من الذهب لتسديد فاتورة وارداتها، وليس إلى الدولار.