الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

ترامب يطالب بمرور أمريكي مجاني عبر السويس و بنما: تصريحات تثير قلقاً من تصعيد الهيمنة في ممرات مائية حيوية

في تصريح يحمل نبرة تحدٍ للأعراف الدولية وسيادة الدول، ويعكس نزعة هيمنة متجددة في السياسة الخارجية الأمريكية، طالب الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” يوم أمس السبت بضرورة السماح للسفن الأمريكية، العسكرية والتجارية على حد سواء، بالعبور مجاناً عبر قناتي بنما والسويس، وهما اثنان من أهم الممرات المائية الاستراتيجية في العالم.

هذه المطالبة الأحادية الجانب، التي تأتي في وقت يتصاعد فيه التوتر العسكري في منطقة البحر الأحمر الحيوية، أثارت تساؤلات عميقة حول النوايا الأمريكية الحقيقية تجاه هذه الشرايين التجارية الحيوية، وعلاقتها بالصراع الدائر في اليمن.

وجاءت تصريحات ترامب التي اطلع عليها بقش على منصته “تروث سوشل”، حيث أشار إلى أنه أصدر توجيهاته لوزير الخارجية ماركو روبيو “للاعتناء فوراً بهذا الوضع وتوثيقه”، في إشارة إلى تأكيد هذه المطالبة دبلوماسياً أو إدارياً.

ورغم أن التفاصيل العملية لتنفيذ مثل هذا الطلب تبدو معقدة وتتطلب موافقة دول ذات سيادة (بنما و مصر)، إلا أن مجرد طرحه من قبل رئيس الولايات المتحدة يحمل دلالات سياسية واستراتيجية لا يمكن تجاهلها.  

صدى الماضي: استعادة السيطرة على بنما

ليست هذه المرة الأولى التي يعبر فيها ترامب عن رغبته في فرض إرادة الولايات المتحدة على الممرات المائية التي بنتها أو كانت تسيطر عليها تاريخياً. فقناة بنما، التي تربط بين المحيطين الأطلسي والهادئ وتمر عبرها نحو 40% من حركة الحاويات الأمريكية سنوياً، كانت تحت السيطرة الأمريكية منذ اكتمال بنائها في أوائل القرن العشرين وحتى تسليم إدارتها بالكامل إلى بنما عام 1999 وفق مراجعات بقش بموجب اتفاقيات توريخوس-كارتر.

وقد صرح ترامب مراراً وتكراراً، حتى قبل توليه منصبه في يناير الماضي، برغبته في “استعادة” القناة، ولم يستبعد استخدام القوة الاقتصادية أو العسكرية لتحقيق ذلك.

طرحه لمطلب المرور المجاني الآن قد يُقرأ كتعبير مخفف عن نفس الطموح للسيطرة أو على الأقل الحصول على امتيازات خاصة في ممر مائي استراتيجي لم يعد تحت النفوذ الأمريكي المباشر.
 
السويس في مرمى الطموحات الأمريكية؟

إدراج قناة السويس، الممر المائي الحيوي الذي يربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط وتديره مصر بالكامل، في مطالب ترامب يفتح الباب أمام تفسيرات أكثر قتامة. فقناة السويس ليست مجرد ممر تجاري هام للولايات المتحدة، بل هي شريان رئيسي للتجارة العالمية، وخاصة لنقل الطاقة من الشرق الأوسط إلى أوروبا.

والمطالبة بامتيازات مرور مجانية للسفن الأمريكية عبر قناة تقع بالكامل تحت السيادة المصرية يتجاوز المنطق الاقتصادي البحت، ويشير إلى طموحات جيوسياسية أوسع نطاقاً.

فقد يُنظر إلى هذا المطلب على أنه محاولة لفرض نفوذ أمريكي متزايد على أحد أهم نقاط الاختناق البحرية في العالم، وربما كوسيلة للضغط أو الحصول على تنازلات في سياقات أخرى، أو حتى كخطوة رمزية نحو تأكيد الهيمنة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط المضطربة.

كما لا يمكن فصل تصريحات ترامب حول قناة السويس عن السياق المتفجر في منطقة البحر الأحمر و باب المندب، حيث تقود الولايات المتحدة تحالفاً عسكرياً وتشن غارات جوية مكثفة ضد قوات حكومة صنعاء في اليمن.

فبينما تُبرر واشنطن تدخلها العسكري بأنه يهدف لحماية حرية الملاحة التي تهددها هجمات قوات صنعاء على السفن (والتي تقول صنعاء إنها تأتي رداً على الحرب الإسرائيلية على غزة ودعماً للشعب الفلسطيني)، يرى منتقدون أن هذا التدخل يمثل تصعيداً خطيراً يفاقم الأزمة الإنسانية المروعة في اليمن ويقوض جهود السلام.

وفي هذا الإطار، يمكن تفسير مطالبة ترامب بامتيازات في السويس كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تأمين السيطرة الأمريكية ليس فقط على حركة الملاحة، بل على المداخل والمخارج المؤدية إلى قناة السويس نفسها، تحت غطاء مكافحة “التهديدات” في البحر الأحمر.

تقويض الدبلوماسية وتأجيج الصراع الإقليمي

من منظور مناهض للتدخل العسكري الأمريكي في اليمن، يمكن النظر إلى العمليات التي تنفذها قوات صنعاء في البحر الأحمر وباب المندب ليس فقط كارتباط بقضية فلسطين، بل أيضاً كرد فعل مباشر على ما تعتبره محاولات هيمنة أمريكية وغربية على الممرات المائية الحيوية المحيطة باليمن.

الحشد العسكري الأمريكي المكثف والغارات المستمرة على الأراضي اليمنية، والتي تسببت في تفاقم الكارثة الإنسانية، يُنظر إليها كأعمال عدوانية تستهدف كسر الإرادة اليمنية وفرض واقع جديد يخدم المصالح الأمريكية وحلفائها في المنطقة. وتأتي مطالبة ترامب بالمرور المجاني لتزيد من صحة هذا التفسير، حيث تظهر تجاهلاً تاماً لسيادة الدول وديناميكيات الصراع المعقدة التي ساهمت واشنطن نفسها في تأجيجها.

وتؤدي لغة المطالب الأحادية والتصعيد العسكري التي يتبناها ترامب وإدارته إلى نسف الجهود الدبلوماسية الهشة الرامية لإنهاء الحرب الكارثية في اليمن وفق التحليلات التي يتتبّعها بقش بما فيها تحليلات غربية. فبدلاً من الانخراط الجاد في عملية سياسية شاملة تعالج جذور الصراع وتضمن مصالح جميع الأطراف اليمنية، تصر واشنطن على الحلول العسكرية وفرض الإملاءات، مما يطيل أمد المعاناة الإنسانية ويهدد بتوسيع نطاق الصراع إقليمياً.

كما تمثل المطالبة بامتيازات خاصة في قناة السويس، مع تجاهل السيادة المصرية والأعراف الدولية، استفزازاً غير ضروري قد يؤدي إلى توتر العلاقات مع حليف إقليمي مهم ويثير حفيظة قوى دولية أخرى.

في النهاية تبدو تصريحات الرئيس ترامب بشأن المرور المجاني عبر قناتي بنما والسويس أكثر من مجرد زلة لسان أو مطلب اقتصادي بسيط، فهي تعكس رؤية عالمية تعتبر فيها الولايات المتحدة نفسها فوق القانون الدولي، ويحق لها المطالبة بامتيازات خاصة في شرايين التجارة العالمية الحيوية.

وعندما توضع هذه التصريحات في سياق التدخل العسكري الأمريكي المستمر في اليمن والتوترات المتصاعدة في البحر الأحمر، فإنها ترسم صورة مقلقة لمستقبل قد يشهد محاولات أمريكية أكثر صراحة لفرض السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية، مما ينذر بمزيد من الصراع وعدم الاستقرار في مناطق حيوية للعالم بأسره.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش