تكاليف باهظة وتصعيد خطير: خسارة 7 طائرات أمريكية مسيرة في اليمن وسط قصف مكثف يقوض السلام

في مؤشر على التكاليف الباهظة والفشل المتزايد لاستراتيجية التصعيد العسكري الأمريكية في اليمن، كشف مسؤولون دفاعيون أمريكيون عن إسقاط قوات صنعاء لسبع طائرات أمريكية متطورة من طراز MQ-9 “ريبر” خلال أقل من ستة أسابيع، مما يمثل خسارة مادية تتجاوز 200 مليون دولار ويسلط الضوء على الثمن الباهظ الذي يتكبده البنتاغون في حملته العسكرية المتواصلة ضد الحوثيين، وفقاً لوكالة أسوشييتد برس الأمريكية.
ووفقاً للمسؤولين الذين اشترطوا عدم الكشف عن هوياتهم، فإن ثلاثاً من هذه الطائرات، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي 30 مليون دولار وتُستخدم في مهام هجومية أو استطلاعية على ارتفاعات شاهقة، قد أُسقطت خلال الأسبوع الماضي وحده، مما يشير إلى تطور في قدرات قوات صنعاء على استهداف الأصول الجوية الأمريكية فوق الأراضي اليمنية، وقد تحطمت هذه الطائرات في مناطق متفرقة، بعضها في البحر والبعض الآخر على اليابسة، حسب اطلاع بقش على الوكالة.
يأتي هذا التطور في ظل تكثيف الولايات المتحدة لضربتها على اليمن، حيث شنت غارات جوية شبه يومية منذ 15 مارس الماضي، تنفيذاً لأوامر ترامب بشن حملة عسكرية “جديدة وموسعة” ضد الحوثيين. وكان ترامب قد توعد باستخدام “القوة المميتة الساحقة” لوقف الهجمات التي تشنها قوات صنعاء على السفن في الممرات البحرية الحيوية، وهي الهجمات التي تربطها قيادة صنعاء بدعم الشعب الفلسطيني وإنهاء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وفي استعراض للقوة العسكرية، أعلن المتحدث باسم القيادة المركزية الأمريكية، “ديف إيستبورن”، أن الولايات المتحدة قصفت أكثر من 800 هدف في اليمن، مدعياً تدمير مراكز قيادة وسيطرة وأنظمة دفاع جوي ومنشآت ومخازن أسلحة وقتل مئات المقاتلين والقادة.
ومع ذلك، فإن استمرار قدرة قوات صنعاء على إسقاط طائرات MQ-9 “ريبر” المتطورة يثير تساؤلات جدية حول فعالية هذه الحملة العسكرية المكلفة وتأثيرها الحقيقي على قدراتها حسب الوكالة.
وبينما يرجح المسؤولون أن ما وصفوها بـ “النيران المعادية” هي السبب وراء خسارة الطائرات، فإن التحقيقات لا تزال جارية. وأقر أحد المسؤولين للوكالة بأن زيادة وتيرة القصف الأمريكي ترفع بالضرورة من المخاطر التي تتعرض لها الطائرات والأصول الأمريكية، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستتخذ “كل الإجراءات الممكنة لحماية القوات والمعدات والمصالح في المنطقة”، وهو تصريح يتجاهل على ما يبدو السيادة اليمنية والمخاطر المتزايدة على المدنيين.
هذه الخسائر المادية والعسكرية تتزامن مع تصاعد القلق داخل الولايات المتحدة نفسها بشأن التداعيات الإنسانية لهذا التصعيد. فقد وجه أعضاء بارزون في مجلس الشيوخ الأمريكي، منهم “كريس فان هولين” و “إليزابيث وارن” و “تيم كين”، رسالة إلى وزير الدفاع “بيت هيغسيث”، متسائلين حسب قراءة بقش عما إذا كانت إدارة ترامب “تتخلى عن التدابير اللازمة للوفاء بالتزاماتها بالحد من الضرر المدني”.
أشارت الرسالة تحديداً إلى تقارير مقلقة تفيد بأن الغارات الأمريكية على ميناء رأس عيسى النفطي الأسبوع الماضي ربما أودت بحياة أكثر من 70 مدنياً، مؤكدين: “الخسائر في صفوف المدنيين تقوض في الواقع المهمة التي أُرسل الجيش للقيام بها”.
وإضافةً إلى إسقاط الطائرات المسيرة، تواصل قوات صنعاء إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه السفن الحربية الأمريكية في البحر الأحمر وخليج عدن، وإن لم تُصب أي منها حتى الآن، فضلاً عن استهدافها للسفن التجارية، حيث تم استهداف أكثر من 100 سفينة منذ نوفمبر 2023، مما أدى إلى غرق اثنتين ومقتل أربعة بحارة، وتعطيل كبير لحركة التجارة في ممر حيوي عالمياً كما تقول أسوشييتد برس.
ورداً على ذلك، حشدت الولايات المتحدة قوة عسكرية ضخمة في المنطقة، تشمل حاملتي طائرات (يو إس إس هاري ترومان ويو إس إس كارل فينسون) ومجموعاتهما الضاربة من المدمرات والطرادات، إضافة إلى سفن حربية أخرى وطائرات مقاتلة وقاذفات، في استعراض للقوة لم تشهده المنطقة منذ سنوات. ويُنظر حالياً في تمديد بقاء حاملات الطائرات واستبدال “ترومان” بحاملة أخرى، وهو ما يزيد من إرهاق أطقم البحرية الأمريكية ويعطل جداول الصيانة، ويعكس إصرار الإدارة الأمريكية على الحل العسكري.
تداعيات التصعيد على السلام والأزمة الإنسانية
النهج العسكري الذي تتبناه إدارة ترامب، والمتمثل في القصف المكثف والحشد البحري الهائل، لا يؤدي إلا إلى تقويض أي فرصة حقيقية للسلام في اليمن. فبدلاً من دعم الجهود الدبلوماسية والمفاوضات لإنهاء الصراع الذي طال أمده، تصر واشنطن على لغة القوة التي أثبتت فشلها مراراً وتكراراً، مما يعمق الانقسامات ويجعل الحل السياسي بعيد المنال، ويزيد من معاناة الشعب اليمني.
وفي الوقت الذي تُنفق فيه مئات الملايين من الدولارات على طائرات مسيرة تُسقط وطائرات مقاتلة تقصف، يعاني اليمن، حسب توصيف الأمم المتحدة، من أسوأ أزمة إنسانية في العالم. إذ يواجه الملايين الجوع والمرض ونقص وتردّي الخدمات الأساسية. وهذا التناقض الصارخ بين حجم الإنفاق العسكري الأمريكي والتجاهل الفعلي للاحتياجات الإنسانية الهائلة للشعب اليمني يثير أسئلة أخلاقية عميقة حول أولويات السياسة الخارجية الأمريكية ودورها في تفاقم هذه الكارثة.
ولا يبدو أن الحملة العسكرية الأمريكية تحقق أهدافها المعلنة بوقف هجمات قوات صنعاء أو ردعها بشكل فعال. بل على العكس، قد يؤدي التصعيد إلى ردود فعل مضادة، وزيادة التصلب في مواقف الأطراف المتحاربة، وربما يفتح الباب أمام مزيد من عدم الاستقرار الإقليمي. إن الإصرار على الحل العسكري يتجاهل الجذور السياسية المعقدة للصراع ويخاطر بإطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها.
وتشير تحليلات يتتبعها بقش إلى أن الاستراتيجية الأمريكية الحالية في اليمن تعكس تركيزاً خطيراً على القوة العسكرية كأداة رئيسية للسياسة الخارجية، على حساب الدبلوماسية والحوار والحلول السياسية.
ولا يهدد هذا النهج بزيادة الخسائر البشرية والمادية فحسب، بل يقوض أيضاً مصداقية الولايات المتحدة كوسيط محتمل في المستقبل، ويغذي مشاعر العداء تجاهها في المنطقة، ويؤكد على أن المصالح العسكرية والتجارية غالباً ما تطغى على الاعتبارات الإنسانية والقانونية في حسابات القوى الكبرى.