الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

انقلاب قضائي على سياسات ترامب التجارية: المحكمة العليا تلجم التعريفات الجمركية الواسعة

الاقتصاد العالمي | بقش

في تطور قضائي قد يعيد تشكيل ملامح السياسة التجارية الأمريكية، أصدرت محكمة التجارة الدولية الأمريكية حكماً تاريخياً اليوم الخميس، قضى بإلغاء معظم التعريفات الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب”، واعتبرت المحكمة أن الرئيس تجاوز صلاحياته الدستورية، في خطوة لاقت ترحيباً فورياً في الأسواق المالية العالمية وأثارت جدلاً واسعاً حول مستقبل العلاقات التجارية الدولية.

أوضحت لجنة من ثلاثة قضاة في محكمة التجارة الدولية، التي تتخذ من مانهاتن مقراً لها، أن الدستور الأمريكي يمنح الكونغرس حصراً سلطة تنظيم التجارة الخارجية، وأن صلاحيات الطوارئ الممنوحة للرئيس لا يمكن أن تتجاوز هذا التفويض الدستوري الأصيل لفرض رسوم جمركية شاملة.

وأكدت المحكمة أن قرارها “لا يتطرق إلى حكمة أو الفعالية المحتملة لاستخدام الرئيس للتعريفات كوسيلة ضغط”، بل يرتكز على أن “القانون الفيدرالي لا يسمح بمثل هذا الاستخدام”، وبموجب الحكم الذي اطلع عليه بقش تم إلغاء كافة أوامر التعريفات التي أصدرها ترامب منذ يناير مستنداً إلى قانون سلطات الطوارئ الاقتصادية الدولية (IEEPA)، وهو قانون يستهدف مواجهة “التهديدات غير العادية والاستثنائية” في حالات الطوارئ الوطنية، إلا أن الحكم لم يشمل بعض الرسوم الجمركية المحددة التي فرضها ترامب على قطاعات معينة مثل السيارات والصلب والألومنيوم، والتي استندت إلى قوانين مختلفة.

أمهلت المحكمة إدارة ترامب عشرة أيام لإصدار أوامر جديدة تتماشى مع الحظر الدائم. ورداً على ذلك، سارعت الإدارة بتقديم إشعار استئناف، مشككة في صلاحيات المحكمة، مما ينبئ بمعركة قانونية طويلة قد تصل إلى المحكمة العليا الأمريكية.

تأثير رسوم ترامب الجمركية على الاقتصاد الأمريكي والعالمي

شكلت سياسة فرض الرسوم الجمركية حجر الزاوية في “الحروب التجارية” التي أطلقها ترامب، بهدف معلن هو تقليص العجز التجاري الأمريكي وإعادة الوظائف الصناعية إلى البلاد، ومع ذلك، كانت لهذه السياسات تداعيات اقتصادية معقدة ومتعددة الأوجه. فعلى الصعيد الأمريكي، أدت الرسوم إلى ارتفاع تكاليف المدخلات على العديد من الصناعات الأمريكية التي تعتمد على مكونات مستوردة، مما ضغط على هوامش أرباحها وأجبرها في بعض الأحيان على نقل هذه التكاليف إلى المستهلكين النهائيين، وبالتالي زيادة العبء على الأسر الأمريكية.

كما تسببت الرسوم الانتقامية التي فرضتها الدول الأخرى، مثل الصين والاتحاد الأوروبي، في إلحاق ضرر بالغ بالصادرات الأمريكية، لا سيما في القطاع الزراعي وبعض الصناعات التحويلية، مما أدى إلى فقدان أسواق وتراجع القدرة التنافسية لمنتجات أمريكية.

عالمياً، أحدثت رسوم ترامب اضطراباً كبيراً في سلاسل الإمداد العالمية التي بنيت على مدى عقود. الشركات متعددة الجنسيات وجدت نفسها في مواجهة تقلبات حادة وغير متوقعة، مما دفعها إلى إعادة تقييم استراتيجياتها الإنتاجية واللوجستية، وفي بعض الحالات البحث عن مصادر بديلة أو نقل خطوط إنتاج خارج الدول المتأثرة بالرسوم.

هذا المناخ من عدم اليقين أثر سلباً على الاستثمارات العالمية وأبطأ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، حيث أصبحت الشركات أكثر حذراً في اتخاذ قرارات استثمارية طويلة الأجل.

المنظمات الاقتصادية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية، حذرت مراراً من أن تصاعد الحمائية التجارية يمثل تهديداً للاستقرار الاقتصادي العالمي، وأشارت تقاريرها إلى أن الرسوم والرسوم المضادة تؤدي إلى انخفاض حجم التجارة العالمية، وزيادة التوترات الجيوسياسية، وتقويض النظام التجاري متعدد الأطراف الذي ساهم في تحقيق الرخاء العالمي لعقود.

إضافة إلى ذلك، لم تحقق الرسوم بالضرورة الأهداف المعلنة بالكامل، فعلى الرغم من بعض التأثيرات المحدودة على قطاعات معينة، فإن العجز التجاري الأمريكي الإجمالي لم يشهد انخفاضاً مستداماً وكبيراً، كما أن عودة الوظائف الصناعية لم تكن بالحجم المأمول، بل إن بعض القطاعات عانت نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج أو فقدان أسواق التصدير بسبب الإجراءات الانتقامية.

انعكاسات إيقاف رسوم ترامب على الأسواق

استقبلت الأسواق المالية العالمية قرار المحكمة بإيجابية ملحوظة، حيث اعتبرته خطوة نحو تخفيف التوترات التجارية وتقليل حالة عدم اليقين التي خيمت على الاقتصاد العالمي، وفور صدور الحكم، ارتفع الدولار الأمريكي مقابل سلة من العملات الرئيسية كاليورو والين والفرنك السويسري، وصعد مؤشر الدولار إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من أسبوع.

كما شهدت أسواق الأسهم انتعاشاً، حيث ارتفعت العقود الآجلة في وول ستريت، وسجلت الأسهم في آسيا قفزات، بقيادة الأسهم اليابانية التي ارتفعت بنسبة 1.2%، فيما ارتفعت الأسهم الآسيوية حسب اطلاع بقش بشكل عام بنسبة 0.2%. وارتفعت العقود المستقبلية لمؤشري “إس آند بي 500″ و”ناسداك 100” بنسب وصلت إلى 1.7% و2.1% على التوالي.

هذا الترحيب يعكس آمال المستثمرين في أن يؤدي إلغاء الرسوم إلى تخفيف الضغوط التضخمية الناجمة عن ارتفاع تكاليف الواردات، مما قد يشجع الشركات على زيادة الاستثمار والتوظيف، كما أنه يقلل من مخاطر تباطؤ النمو العالمي الذي كانت تغذيه الحروب التجارية.

بالنسبة للشركات التي تضررت بشكل مباشر من الرسوم، سواء من خلال ارتفاع تكاليف المدخلات أو الرسوم الانتقامية على صادراتها، فإن هذا القرار يمثل بارقة أمل لتعافي هوامش أرباحها وقدرتها التنافسية.

ردود الفعل والمسار المستقبلي: الأنظار تتجه نحو الاستئناف

لم يتأخر رد البيت الأبيض، حيث صرح المتحدث “كوش ديساي” بأن العجز التجاري الأمريكي يشكل “حالة طوارئ وطنية”، وأن “القضاة غير المنتخبين ليس من حقهم أن يقرروا كيفية التعامل بشكل صحيح مع حالة الطوارئ الوطنية”، هذا الموقف يؤكد عزم الإدارة على الطعن في الحكم.

ويرى محللون، مثل أليك فيليبس من غولدمان ساكس، أن القرار يمثل “انتكاسة لخطط الإدارة بشأن التعريفات ويزيد من عدم اليقين”، لكنه قد “لا يغير النتيجة النهائية لمعظم الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة”، نظراً لأن الرسوم المفروضة على قطاعات محددة لا تزال قائمة، وهناك طرق قانونية أخرى قد تلجأ إليها الإدارة.

إذا تمكن الحكم من الصمود أمام الاستئناف، فإنه سيشكل ضربة قوية لاستراتيجية ترامب التجارية ويفرض على إدارته البحث عن وسائل ضغط جديدة أو تبني نهج تفاوضي أبطأ مع الشركاء التجاريين مثل الاتحاد الأوروبي والصين.

وقد أبدت الأوساط السياسية الآسيوية ردود فعل أولية متحفظة وفق قراءة بقش، حيث صرح وزير الاقتصاد الياباني بأن بلاده ستدرس تفاصيل الحكم، بينما أشار بنك كوريا المركزي إلى أن معدل الرسوم الفعلي على صادرات كوريا الجنوبية قد ينخفض.

تأثيرات جانبية وتطورات السوق

بالتزامن مع هذه التطورات، شهدت الأسواق حركة في قطاعات أخرى، فقد قفزت أسهم شركة “إنفيديا” لصناعة الرقائق بنحو 5% بعد تقديمها توقعات إيرادات قوية، مما طمأن المستثمرين بشأن سوق الحوسبة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي. في المقابل، تراجعت أسهم “إتش بي” (HP Inc) بنحو 8% بعد توقعات أرباح مخيبة للآمال، مشيرة إلى ضعف الاقتصاد والتكاليف الناجمة عن الرسوم الأمريكية على البضائع الصينية.

كما أدت تقارير عن تحركات إدارة ترامب لتقييد بيع برمجيات تصميم الرقائق إلى الصين إلى انخفاض أسهم شركتي “كادينس ديزاين سيستمز” و”سينوبسيس”. وفي سياق منفصل، أفادت تقارير بأن شركة “تسلا” تعتزم إطلاق خدمة سيارات الأجرة ذاتية القيادة “روبوتاكسي”.

يمثل قرار محكمة التجارة الدولية منعطفاً هاماً في الجدل الدائر حول السياسات التجارية الحمائية، وبينما يوفر الحكم استراحة مؤقتة للمستثمرين والشركات المتضررة، فإن المعركة القانونية والسياسية لم تنته بعد.

ويظل مستقبل التجارة العالمية، وتأثيره على الاستثمار والنمو الاقتصادي، رهناً بالقرارات النهائية للمحاكم وقدرة الإدارات على إيجاد توازن بين حماية المصالح الوطنية والحفاظ على نظام تجاري عالمي مفتوح ومستقر.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش