الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

تداعيات إيقاف بيع وشراء العملات الأجنبية.. بنك عدن المركزي متهم بالفشل الكبير

يقف بنك عدن المركزي عاجزاً أمام التغيرات الهائلة التي تعصف بسوق الصرافة اليمنية، إذ بلغ سعر الصرف 2600 ريال للدولار الواحد، وقرابة 680 ريالاً للريال السعودي الواحد خلال أقل من شهر، وهو ما دفع إلى إيقاف صرف العملات الأجنبية، في حين اكتفت إدارة المركزي بتجميد حركة البيع والشراء بهذه العملات، دون مؤشرات على حلحلة الأزمة أو حتى إنقاذ الموقف.

وفي هذه الأثناء لا يخرج بنك عدن المركزي بأي تصريحات أو تعليقات حول الأزمة، في الوقت الذي يطالبه اقتصاديون بتنفيذ آليات واضحة وفاعلة لكبح الانهيار، أو حتى بالخروج للتوضيح حول ما يحدث والكشف عن أي خطط يمكن أن ينفذها. وكان آخر ما نشره البنك المركزي هو إعلان عن فتح مزاد لأدوات الدين العام المحلي طويلة الأجل تتمثل في سندات خزينة بأجل 3 سنوات يوم الثلاثاء 06 مايو الجاري عبر منصة Refintiv الأمريكية الإلكترونية.

ويؤكد الخبير الاقتصادي ماجد الداعري في تصريح لـ”بقش” أن قرار المركزي تجميد بيع وشراء العملات يكشف مستوى عجز وفشل وتخبط حكومة عدن والبنك المركزي في إيجاد أي حلول أو معالجات ممكنة لخلق أي استقرار ممكن للصرف في ظل تعقد وتكالب الأزمات الاقتصادية وانهيار الاقتصاد الوطني وغياب الموارد وتصدير النفط واستشراء الفساد وتعطل عمل الحكومة ومؤسساتها وأجهزتها الرقابية.

ويضيف رئيس تحرير صحيفة “مراقبون برس” أن إيقاف البيع والشراء ليس حلاً وإنما إجراء يفاقم المشكلة، ويكشف مستوى فشل كافة منظومة الدولة في إيجاد حلول ومعالجات خفيفة لكارثة انهيار الصرف.

ويتفق معه المصرفي والمحلل الاقتصادي سليم مبارك، بقوله إن وقف التعامل النقدي بالعملة الصعبة لن يحل المسألة بل سيزيد من وتيرة تدهور الصرف ما لم يتحرك البنك المركزي بعدن لوضع آلية فاعلة لكبح الارتباك الحاصل.

ويؤكد مبارك أن ذلك يضاف إلى أن قرار تجميد البيع والشراء بالعملات الأجنبية يُعتبر قراراً وقتياً يحد من المضاربة بشكل مؤقت فقط، ثم يعيد السوق إلى نقطة الصفر ليستأنف الريال سقوطه، دون وضع المعالجة بشكل جوهري، فضلاً عن عدم وجود الرقابة بشكل تام. ويقول: “حتى في حال وضع خطة فاعلة لكبح الانهيار، فإن نجاحها مرهون بالأساس بتفعيل الرقابة الشاملة على السوق ومحاسبة الفاعلين والهوامير” حد تعبيره.

هجوم على المركزي: انهيار نقدي وضعف مؤسسي وإداري

في آخر تصريحاتها حول تداعيات قرار إيقاف بيع وشراء العملات الأجنبية حتى إشعار آخر، قالت نقابة الصرافين بعدن في بيان حصل بقش على نسخة منه أكدت فيه أن القرار يعكس في جوهره اعترافاً ضمنياً بحجم الانهيار النقدي، وبنفس الوقت يسلط الضوء على الضعف المؤسسي في إدارة السياسة النقدية.

فبدلاً من أن يسهم بنك عدن المركزي في تهدئة السوق وضبط إيقاعه، فتح الباب أمام انتشار واسع للسوق السوداء التي باتت المصدر الرئيسي لتداول العملات، مع غياب كامل للرقابة الفاعلة، وتفاقم حدة المضاربة غير المشروعة. وعَدَّت النقابة توقيت القرار وطريقته يعكسان مستوى من العجز في التعامل مع التحديات المتراكمة، ويفتحان المجال أمام تساؤلات جدية حول ما إذا كان البنك المركزي يتعرض لضغوطات أو تدخلات تحدُّ من استقلالية قراره.

ومن أبرز الإشكالات المرتبطة بالقرار، هو غياب الشفافية في شرح أسبابه ودوافعه، ما أدى إلى تفاقم فجوة الثقة بين البنك والمجتمع وفقاً للنقابة، فالمواطنون والمستثمرون يفتقرون إلى معلومات واضحة بشأن السياسات المعتمدة، وهو ما خلق حالة من الهلع وغياب اليقين، وأدى إلى مزيد من الانكماش في الأنشطة الاقتصادية، وتدهور الوضع المعيشي بشكل واسع.

واتضح ذلك في نتائج المزاد العلني الأخير الذي أعلنه المركزي لبيع 30 مليون دولار يوم الثلاثاء 29 أبريل الجاري، إذ لم يتم بيع سوى 6 ملايين دولار فقط، وهو فشل يعكس اختلالاً في منهجية التسعير، ويؤكد أن المزاد لم يعكس الطلب الحقيقي في السوق، بل جاء لخدمة دائرة ضيقة من كبار المضاربين الذين استحوذوا خلال الفترة الماضية على السيطرة الكاملة على السوق النقدي، وهم المعروفون بـ”الهوامير” الذين اكتنزوا ثروات ضخمة في ظل غياب الإجراءات الرادعة، وساهموا في تعميق حالة اللاعدالة والمضاربة.

ووصفت النقابة عجز مركزي عدن عن تفعيل لجنة المدفوعات الرقمية بأنه من أبرز مظاهر “الإخفاق المؤسسي”، فاللجنة هذه لا تزال غائبة عن المشهد، وهي التي يُفترض أن تلعب دوراً حيوياً في ضبط حركة الأموال وتحقيق قدر من الشفافية في النظام المالي، وذلك يفتح مجالاً لمزيد من الفوضى والتلاعب في التحويلات والتسعير.

وغياب هذه اللجنة، إضافة إلى غياب الإرادة السياسية والإدارية، خَلَق فراغاً هائلاً سمح لجهات غير رسمية بالعبث بالعملة المحلية، بما في ذلك عبر مجموعات “واتساب” تُستخدم للمضاربة اليومية.

وتسببت هذه التطورات في تفاقم نفوذ “مجموعات صغيرة متحكمة في عدن” تسيطر فعلياً على السوق المصرفي، وتعمل بمعزل عن القانون والمؤسسات الرسمية، دون مراعاة الحد الأدنى من المسؤولية الوطنية أو الاقتصادية، مستغلين هشاشة الوضع لمراكمة ثروات طائلة على حساب معيشة الناس.

إطلاق شبكات بديلة تخدم مصالح خاصة

من جهة أخرى، وصفت النقابة قرار المركزي بإغلاق شبكات عدن ودمجها في شبكة موحدة (والمرافق لقرار تجميد بيع وشراء العملات الأجنبية) بأنه يُفترض أن يكون خطوة تنظيمية نحو تعزيز الرقابة، لكن الواقع يشي بالعكس، حيث قامت ذات الشركات المتحكمة بالالتفاف على القرار وإطلاق شبكات بديلة تخدم مصالحها، بينما تم تهميش الفاعلين الآخرين ممن لا يملكون نفوذاً أو حماية.

وعبّرت النقابة عن قلقها الشديد من التطورات، مطالبةً حكومة عدن بتحمل مسؤولياتها الوطنية والتدخل الفوري من خلال تشكيل لجنة تحقيق نزيهة وموثوقة، تتولى مراجعة أداء البنك المركزي منذ عام 2015، ومحاسبة كل من ثبت تورطه في الانهيار المالي، سواء داخل المؤسسة النقدية أو من الجهات المؤثرة فيها.

هذا ولا تقتصر التداعيات على القطاع النقدي فحسب وفقاً للنقابة، بل تمتد لتشمل الجانب الاجتماعي، فقد تفاقمت الأعباء المعيشية على المواطنين وسط تراجع الخدمات الأساسية كالكهرباء والتعليم والصحة، في حين لا يمكن الحديث عن تعافٍ اقتصادي حقيقي دون معالجة جذرية لهذه الأزمات، تبدأ باستعادة الثقة، وتفعيل الرقابة، وتحقيق العدالة في إدارة السوق.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش