الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

بن بريك يتسلم رئاسة حكومة عدن على وقع انهيار اقتصادي وخدمي.. وتساؤلات حول دور حضرموت في مستقبل اليمن

تقارير | بقش

في خطوة تأتي خلال واحدة من أحلك الأزمات الاقتصادية والإنسانية التي يمر بها اليمن، تسلَّم رئيس المالية “سالم بن بريك”، اليوم الأحد، مهامه رسمياً كرئيس جديد لمجلس الوزراء في حكومة عدن، بدلاً من “أحمد عوض بن مبارك”، حاملاً تركة ثقيلة من التحديات المتفاقمة التي فشل سلفه في معالجتها، ومواجهاً مهمة شبه مستحيلة لانتشال البلاد من تبعات الانهيار الشامل للعملة والخدمات، وسط تساؤلات متزايدة حول الدلالات السياسية لاختياره ودور القوى الإقليمية والدولية في رسم مستقبل البلاد، لا سيما محافظة “حضرموت” التي ينحدر منها.

وفي منصب رئيس الوزراء بحكومة عدن، تعددت الأسماء والفشل واحد، إذ لم يتم كبح الانهيار الاقتصادي لسنة واحدة منذ نقل عمليات البنك المركزي اليمني من صنعاء إلى عدن في 2016. وبتتبُّع الانهيار، لم يتمكن أي شخص تولّى رئاسة وزراء حكومة عدن من حلحلة الأزمة أو توفير قدر زهيد من الأمن الاقتصادي.

فشل الأسماء المتعددة

يبدو من منصب رئيس الوزراء أنه بات بمثابة رحلة لوزراء حكومة عدن من منصب “الوزير” إلى “رئيس وزراء” دون تحقيق فوائد حقيقية على أرض الواقع. وتبدأ هذه الرحلة -اختصاراً- من “خالد محفوظ بحاح” الذي كان وزيراً للنفط والمعادن حتى يونيو 2014 ثم تسلم في نفس السنة رئاسة الوزراء حتى يناير 2015 قبل أن يتولى خلفاً له “أحمد عبيد بن دغر” الذي بدوره تحول إلى مستشار رئاسي بعد إنهاء خدمته.

وفي 2018 عُيِّن “معين عبدالملك” رئيساً للوزراء، بعد أن كان وزيراً للأشغال العامة والطرق، وشهد عهده من أسوأ الأوضاع الاقتصادية التي عصفت باليمن حتى إقالته في 05 فبراير وتعيينه مستشاراً رئاسياً، وتعيين “أحمد عوض بن مبارك” خلفاً له.

وأمس السبت أصدر رئيس المجلس الرئاسي قراراً بتعيين وزير المالية “سالم صالح بن بريك” خلفاً لـ”بن مبارك” الذي استبق القرار بتقديم استقالته، لينضم بن مبارك هو الآخر إلى خانة المستشارين الرئاسيين الذين يتسلمون معاشاتهم بشكل رسمي دون مهام فعلية، في خطوةٍ قال عنها الناشطون على “فيسبوك” و”إكس” منذ أمس السبت إنها تعني أن بن مبارك انتهى.

وبرر بن مبارك استقالته التي اطلع عليها بقش بعدم تمكينه من ممارسة صلاحياته الدستورية لإجراء إصلاحات ضرورية في مؤسسات الدولة أو إجراء التعديل الحكومي الذي طال انتظاره.

تركة ثقيلة من الأزمات المتفاقمة

يرث “بن بريك” حكومة تواجه وضعاً كارثياً على كافة الأصعدة. فالبلاد، وخصوصاً المناطق الواقعة تحت سيطرة حكومة عدن، تغرق في أزمة إنسانية وصفتها الأمم المتحدة بأنها الأسوأ في العالم، فاقمتها مؤخراً حالة الانهيار الاقتصادي غير المسبوق والشلل شبه التام في الخدمات الأساسية، مما أدى إلى احتجاجات شعبية متكررة وغضب متصاعد في الشارع اليمني.

يُعد الملف الاقتصادي، وعلى رأسه الانهيار التاريخي للريال اليمني، العقبة الأكبر أمام الحكومة الجديدة. خلال الأيام الماضية، واصلت العملة المحلية سقوطها المدوي لتكسر حاجزاً جديداً وتصل إلى مستوى غير مسبوق بلغ حوالي 2600 ريال للدولار الواحد في عدن والمحافظات المجاورة.

يعلق الخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي”، في تصريح للمرصد الاقتصادي بقش، قائلاً: “إن بلوغ الدولار 2600 ريال ليس مجرد رقم يعبّر عن سوق اليوم، بل هو مؤشر على انهيار كامل للسياسات النقدية والمالية، وفقدان شبه تام للثقة بالعملة الوطنية ومؤسسات الدولة الاقتصادية”.

ويضيف الحمادي: “هذا الانهيار، الذي يمثل تراجعاً بأكثر من 100% منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022 (حين كان الدولار بحوالي 1100 ريال)، وبأكثر من 1100% مقارنة ببداية الحرب عام 2015 (حين كان الدولار 215 ريالاً)، يترجم مباشرة إلى ارتفاع جنوني في أسعار كافة السلع، خاصة المستوردة منها، ويدفع بملايين اليمنيين إلى ما دون خط الفقر المدقع”.

وتتطلب معالجة هذا الانهيار إجراءات جذرية واستعادة الثقة، وهو ما يبدو صعب المنال في ظل الظروف الحالية. ويؤكد الحمادي أن “أي محاولة لتحقيق استقرار نسبي للعملة أو تخفيف وطأة الأزمة المعيشية تبدو شبه مستحيلة دون تدخل خارجي عاجل وكبير”.

شلل الخدمات وانتظار الدعم الخليجي

لا يقتصر الانهيار على العملة، بل يمتد ليشمل كافة الخدمات الأساسية التي يعتمد عليها المواطنون يومياً. فالتيار الكهربائي ينقطع لساعات طويلة، تصل أحياناً إلى 20 ساعة يومياً في بعض المناطق، خاصة مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى احتجاجات شعبية غاضبة في عدن ومدن جنوبية أخرى مؤخراً.

كما تعاني خدمات المياه والصحة والتعليم من تدهور حاد، نتيجة نقص التمويل، وتضرر البنية التحتية، والفساد، والانقسامات داخل مؤسسات الدولة. إن تحسين هذه الخدمات يمثل مطلباً شعبياً ملحاً، ولكنه يصطدم بواقع شح الموارد وغياب الإرادة السياسية الفاعلة لمعالجة الأسباب الجذرية للمشكلة.

ووسط هذا الواقع القاتم، تبدو آمال الحكومة الجديدة معلقة بشكل كبير على الحصول على دعم مالي خارجي، وتحديداً من السعودية والإمارات، فهذه المساعدات المالية التي طال انتظار الإعلان عنها، تُعد ضرورية لتوفير سيولة دولارية للبنك المركزي للمساعدة في استقرار سعر الصرف، وتمويل واردات السلع الأساسية، ودفع الرواتب المتأخرة، وتمويل مشاريع خدمية عاجلة، خاصة في قطاع الكهرباء.

ويشير الاقتصادي الحمادي إلى أن “الحكومة الجديدة في سباق مع الزمن، ونجاحها في تخفيف حدة الأزمة يعتمد بشكل حاسم على سرعة وحجم الدعم الخليجي المنتظر، والذي لا تزال تفاصيله ومواعيد وصوله غير واضحة المعالم حتى الآن”.

تعيين بن بريك وتساؤلات حول مستقبل حضرموت

أثار اختيار سالم بن بريك، وهو من أبناء محافظة حضرموت، لرئاسة الحكومة تساؤلات حول الدلالات السياسية لهذا التعيين في هذا التوقيت. فقد أشارت تقارير سابقة لمرصد بقش إلى وجود توجهات، يُعتقد أنها مدعومة سعودياً وربما أمريكياً عبر اتصالات تجري مع السفير الأمريكي، تهدف إلى تعزيز دور ومكانة محافظة حضرموت في المشهد اليمني المستقبلي.

ويرى محللون أن هذا التوجه قد يهدف إلى نقل مركز الثقل السياسي والاقتصادي تدريجياً من عدن، التي تشهد صراعات نفوذ مستمرة وعدم استقرار، إلى حضرموت، الغنية بالموارد وذات الأهمية الجيوسياسية الكبيرة، لجعلها الواجهة المقبولة للمرحلة القادمة، خاصة في ظل التصعيد العسكري الأمريكي ضد حكومة صنعاء والحاجة إلى قاعدة خلفية مستقرة نسبياً في مناطق سيطرة حكومة عدن.

ويعلق أحمد الحمادي على ذلك بالقول: “تعيين شخصية من حضرموت على رأس الحكومة قد يكون مؤشراً على تحولات استراتيجية قيد الإعداد لمستقبل اليمن. قد يعكس ذلك رغبة سعودية وأمريكية في إيجاد مركز قوة جديد أكثر استقراراً وموثوقية في حضرموت، وربما تمهيداً لترتيبات سياسية مستقبلية تتعلق بشكل الدولة أو توزيع السلطة والثروة”. ويضيف: “لكن هذا التوجه، إن صح، يثير أيضاً تساؤلات حول مصير عدن وبقية المحافظات الجنوبية، ومدى تأثير ذلك على وحدة وتماسك مجلس القيادة الرئاسي نفسه”.

بعيداً عن الدعم الخارجي والتحليلات الجيوسياسية، يواجه بن بريك تحديات داخلية لا تقل صعوبة، تتمثل في ضرورة توحيد الجهود داخل مجلس القيادة الرئاسي المتعدد الأطراف، ومحاربة الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، وتجاوز الانقسامات التي أشار إليها سلفه بن مبارك كمعوقات أساسية.

ويتطلب النجاح في معالجة الأزمات الاقتصادية والخدمية ليس فقط موارد مالية، بل إرادة سياسية صلبة، ورؤية واضحة للإصلاح، وقدرة على اتخاذ قرارات صعبة قد لا تحظى برضا جميع الأطراف.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش