لجنة وطنية عليا لتنظيم وتمويل الاستيراد.. حكومة عدن تحاول إعادة الإمساك بعصب السوق

الاقتصاد اليمني | بقش
في خطوة وصفها خبراء بأنها “محاولة متأخرة لتنظيم سوق النقد والاستيراد بعد سنوات من الفوضى”، أصدرت رئاسة الوزراء في عدن مؤخراً قراراً بتشكيل لجنة وطنية جديدة تحت اسم اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، برئاسة محافظ بنك عدن، وعضوية ممثلين عن وزارات وهيئات سيادية ومصرفية وتجارية.
اللجنة التي منحت صلاحيات إدارية وقانونية شاملة، ستتولى، بحسب نص القرار، ضبط عمليات الاستيراد وتمويلها، بهدف كبح انفلات السوق السوداء للعملة، وتنظيم الطلب على النقد الأجنبي.
تضم عضوية اللجنة ممثلين عن وزارات المالية، والنقل، والصناعة، إلى جانب مصلحة الجمارك، وممثلي البنوك والقطاع الخاص، ما يعطيها طابعاً تنسيقياً واسع النطاق، ويُفترض أن يسهّل تعاملها مع تعقيدات القطاع التجاري والمصرفي.
ويخوّل القرار اللجنة بمراجعة طلبات الاستيراد، وتحديد أولويات السلع، وفرض رقابة على مصادر تمويل التجارة الخارجية، بما في ذلك متابعة مدى التزام الموردين بالتعليمات، مع إمكانية حظر المخالفين من أي تمويل لاحق بالنقد الأجنبي.
كما منحت اللجنة صلاحية تشكيل وحدة فنية تابعة لها، والاستعانة بالجهات القضائية والأمنية والرقابية لتعزيز دورها، وهو ما يشير إلى نية الحكومة فرض قبضة تنفيذية أكثر صرامة في إدارة السوق.
مواجهة مافيا المضاربة.. ولكن بشروط
بحسب ما رصده “مرصد بقش”، يرى مراقبون أن تشكيل اللجنة قد يكون أحد أكثر الإجراءات طموحاً منذ سنوات في سبيل إعادة السيطرة على دورة الاستيراد والطلب على العملة الصعبة، لكنها – برأي بعض الخبراء – ستصطدم بجملة من التحديات أبرزها غياب الإرادة السياسية، وتداخل النفوذ بين مراكز القرار، وتعدد الجهات غير الملتزمة بتوريد الإيرادات أو الخاضعة للرقابة.
ويؤكد اقتصاديون أن فعالية اللجنة ستتوقف على مدى قدرتها على سحب السيولة النقدية من السوق الموازي، وإلزام كبار التجار بالحصول على العملة الأجنبية عبر القنوات الرسمية فقط، وهي مهمة اصطدمت سابقاً بمصالح مراكز قوى اقتصادية نافذة.
محللون اقتصاديون حذروا عبر منصات التواصل من أن اللجنة – رغم أهميتها – لن تحقق نتائج جوهرية إذا لم تُمنح استقلالاً مالياً وإدارياً حقيقياً، وجرى ربط أعمالها بسياسات مالية متكاملة، وليس فقط بإجراءات رقابية منعزلة.
ويشير متابعون إلى أن معركة السيطرة على الاستيراد لم تعد فقط اقتصادية، بل ترتبط مباشرة بالسيادة النقدية والأمن القومي الغذائي، وأن معالجة الاختلالات تتطلب إصلاحًا واسع النطاق في إدارة الموارد العامة وتدفقات العملة.
لجنة بنصف سلطة.. أم خطوة لاستعادة زمام المبادرة؟
وبينما تنص المادة التاسعة من القرار على تقديم اللجنة لتقارير دورية إلى رئيس الوزراء، يرى مراقبون أن “الاختبار الحقيقي لن يكون في عدد الاجتماعات، بل في القدرة على فرض قرارات فعالة، وعدم الرضوخ للضغوط أو تعطيل المهام بفعل التجاذبات السياسية أو تضارب المصالح”.

في هذا الخصوص، وبالتزامن مع انخفاض أسعار الصرف في عدن بصورة دراماتيكية، وجهت السلطة المحلية بمحافظة عدن كافة مدراء عموم المديريات ومكتب الصناعة والتجارة وإدارة أمن عدن وبقية المكونات السياسية في المحافظة بتكليف فرق ميدانية من مكاتب الصناعة والتجارة للنزول إلى الأسواق والمحال التجارية للتأكد من انخفاض أسعار المواد الغذائية الأساسية مواكبةً لانخفاض أسعار الصرف، واتخاذ إجراءات عقابية رادعة بحق المخالفين.
وفي ظل استمرار أزمة انهيار الريال اليمني، وتضخم أسعار السلع، تبقى اللجنة الجديدة محط ترقّب من السوق والمواطنين، بانتظار ما إذا كانت ستنهي حالة الفوضى، أم تُضاف إلى سلسلة من الكيانات الشكلية التي لم تستطع كبح الانهيار منذ سنوات.