تقارير
أخر الأخبار

“طوابير الجوع” تعود.. ملايين الأمريكيين يواجهون انقطاع دعم الغذاء مع استمرار الإغلاق الحكومي

تقارير | بقش

لم تعد مشاهد الطوابير الطويلة أمام بنوك الطعام في المدن الأمريكية مجرد لقطات من زمن الأزمات الكبرى، بل أصبحت واقعاً مؤلماً يتكرر مع دخول الإغلاق الحكومي أسبوعه الخامس.

فجأة، وجد ملايين المواطنين أنفسهم من دون دعم غذائي اعتمدوا عليه شهوراً وسنوات، لتتحول شوارع كبرى المدن إلى طوابير انتظار بحثاً عن صناديق غذاء ووجبات مجانية.

في نيويورك، كما في جورجيا وكونيتيكت وكنتاكي، بدأت العائلات تتدفق منذ الفجر على مراكز التوزيع الخيرية، بعد توقف مدفوعات برنامج SNAP الفيدرالي وفق متابعة مرصد “بقش”، وانتشرت حالة من القلق والذهول بين الأسر التي لا تعرف موعد إعادة تعبئة بطاقات الدعم، وسط غياب اليقين وتعدد الأوامر القضائية وتعليقات البيت الأبيض.

هذا الانقطاع المفاجئ يضع الأمن الغذائي في الولايات المتحدة تحت المجهر. فبرنامج الدعم الغذائي، الذي يخدم قرابة 42 مليون شخص، تحول فجأة من شبكة أمان اجتماعي راسخة إلى نقطة اهتزاز تعكس هشاشة الواقع المعيشي لشريحة ضخمة من المجتمع الأمريكي.

من المساعدة إلى الطابور: يوميات مواطنين في مواجهة الجوع

في حي برونكس بنيويورك، وقف مئات المواطنين في طوابير امتدت عبر الشوارع، بعضهم وصل قبل الرابعة فجراً. عربات تسوق قابلة للطي، معاطف شتوية ثقيلة، نظرات قلق وصمت طويل يقطعه صوت متطوعين يوزعون الصناديق.

تقول ماري مارتن، وهي متطوعة لكن تعتمد على الدعم أيضاً، إنها تقسم مبلغ الدعم الذي لا يتجاوز 200 دولار بينها وبين ولديها وأحفادها الستة. وتضيف: “لو لم يكن بنك الطعام هنا، لا أعلم كيف كنا سنعيش”، حسب وكالة بلومبيرغ.

المشهد لا يقتصر على من يوصفون عادة بذوي الدخل المحدود؛ فموظفون وطبقة متوسطة تضررت أيضاً، لتكشف الأزمة أن الجوع في هذه المرة لا يفرّق بين الطبقات.

معركة قضائية في واشنطن.. والغموض سيد الموقف

واجه المواطنون ارتباكاً إضافياً بعد صدور أحكام قضائية متضاربة بشأن إعادة صرف المدفوعات. وزارة الزراعة كانت قد خططت لإيقاف التحويلات، قبل أن يأمر قاضيان فيدراليان الإدارة بالاستمرار بالدفع.

القاضي جون ماكونيل ألزم الحكومة بتقديم خطة تمويل عاجلة، وإعادة صرف المستحقات أو استخدام صندوق طوارئ بقيمة تتجاوز 3 مليارات دولار مع توضيح الآلية خلال أيام. ومع ذلك، لم يقدّم البيت الأبيض موعداً واضحاً لتعبئة البطاقات، ما جعل المواطنين بين خوف الانتظار وقلق فقدان أبسط حقوق المعيشة.

الجدل القضائي لم يكن بعيداً عن السياسة، خصوصاً بعد تصريحات الرئيس دونالد ترامب الذي ربط التمويل بتوجيه قانوني من المحكمة، ما زاد من ارتباك المستفيدين.

في جورجيا، تكدست السيارات في طوابير طويلة للحصول على أكياس الطعام. أحد المراكز وزّع الغذاء على ألف شخص في يوم واحد، ضعف المعتاد. وعبّر كثيرون عن خوفهم من عدم وصول الدعم قبل عيد الشكر، ما جعل الأسر في سباق مع الوقت.

في كنتاكي، قال أحد المستفيدين البالغ 74 عاماً إنه يشعر بالحزن لأن المواطنين “يدفعون ثمن قرارات سياسية” حسب قراءة بقش تقرير بلومبيرغ، داعياً المسؤولين لفهم معنى الفقر. بينما أشار قسّ محلي إلى أن بنك الطعام يستقبل يومياً عشرات الوافدين الجدد.

أما في كونيتيكت، فتم استدعاء متطوعين إضافيين لاستيعاب الزيادة غير المتوقعة، مع توزيع طعام للناس وحيواناتهم، إضافة إلى أدوات النظافة وفحوصات صحية، في محاولة للسيطرة على الأزمة الاجتماعية المتصاعدة.

شبكة الأمان تهتز.. تحذيرات ورسائل إنسانية

برنامج SNAP للمساعدات الغذائية التكميلية كان لسنوات خط الدفاع الأول ضد الجوع في الولايات المتحدة، لكن الإغلاق الحكومي كشف هشاشة هذه المنظومة. فمع وجود أكثر من 42 مليون مستفيد، فإن أي تأخير في المدفوعات يعني أن جيلاً كاملاً مهدد بانعدام الأمن الغذائي.

ويؤثر وقف المساعدات مباشرةً على المستفيدين الذين يعتمدون على مئات الدولارات من هذا البرنامج شهرياً، لإطعام الأسر وتسديد إيجارات السكن. ويؤكد المستفيدون أنهم لا يعرفون الآن كيف سيؤمّنون احتياجاتهم في ظل توقف التمويل.

القائمون على بنوك الطعام أشاروا إلى تغيير في طبيعة المتقدمين: لم تعد الخدمة حكراً على كبار السن أو ذوي الدخل المنخفض، بل أصبحت وجهة للجميع. “الأمر لم يعد عن الفقراء فقط” قال أحد المسؤولين، مؤكداً أن الأزمة كسرت الصورة التقليدية للفقر في أمريكا.

الواقع الجديد يدفع منظمات الإغاثة إلى التحرك بسرعة أكبر، لكن قدرتها محدودة، ومخازنها ليست مصممة لتعويض غياب برنامج حكومي بهذا الحجم.

مشاهد الطوابير في شوارع المدن الأمريكية أعادت التذكير بأن القوة الاقتصادية لا تعصم مجتمعاً من الهشاشة الاجتماعية. أزمة الدعم الغذائي ليست مجرد أزمة تقنية في تحويلات حكومية، بل إنذار قاسٍ حول هشاشة الأمن الغذائي في دولة تعد أكبر اقتصاد في العالم.

ومع استمرار الإغلاق وغياب الجدول الزمني الواضح لإعادة صرف المساعدات، يبقى ملايين الأمريكيين عالقين بين بيروقراطية القرار ووثيرة الإجراءات، بينما يتفشى القلق في مجتمع لطالما اعتقد أن الجوع مشكلة لا تخصه.

زر الذهاب إلى الأعلى