الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

سوريا تتجه لطباعة عملتها في الإمارات وألمانيا وسط تحديات اقتصادية وأطماع خارجية تهدد المرحلة الانتقالية

الاقتصاد العربي | بقش

في خطوة تعكس تحولاً كبيراً في المشهد السياسي والاقتصادي السوري، كشفت تقارير صحفية تابعها مرصد بقش أن سوريا تخطط لطباعة عملتها الوطنية الجديدة في كل من الإمارات وألمانيا، مبتعدة بذلك عن روسيا التي تولت هذه المهمة خلال سنوات الحرب.

ويأتي هذا التوجه كدليل على تحسن متسارع في علاقات دمشق مع دول الخليج العربية والدول الغربية، ويتزامن مع فرصة جديدة أتاحتها خطوة أمريكية نحو تخفيف العقوبات المفروضة على البلاد.

ويُعد توقيع دمشق يوم الخميس الماضي، الخامس عشر من مايو، اتفاقاً أولياً بقيمة 800 مليون دولار مع شركة “موانئ دبي العالمية” الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس، أول صفقة من نوعها منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئ يوم الثلاثاء، الثالث عشر من مايو، عن رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا، بمثابة تأكيد إضافي على العلاقات المتنامية بين “الحكام الجدد” في سوريا ودولة الإمارات.

وكانت حكومة الشرع قد بدأت في استكشاف إمكانية طباعة العملة في ألمانيا والإمارات في وقت سابق من هذا العام، واكتسبت هذه الجهود زخماً بعد أن خفف الاتحاد الأوروبي بعض العقوبات المفروضة على دمشق في فبراير الماضي، بما في ذلك السماح تحديداً بطباعة العملات.

ومن المقرر أن تشهد إعادة تصميم العملة إزالة وجه الرئيس السابق بشار الأسد من إحدى فئات الليرة السورية ذات اللون الأرجواني التي لا تزال متداولة.

ويأتي هذا التحرك في وقت يسعى فيه “الحكام الجدد” في سوريا لإصلاح الاقتصاد المنهار بعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب المدمرة والعقوبات الأمريكية والغربية الساحقة، والذي أعاقته مؤخراً أزمة نقص حادة في الأوراق النقدية.

وكانت روسيا، الداعم الرئيسي السابق لنظام الأسد، قد تولت طباعة العملة السورية لأكثر من عقد بعد أن أدت عقوبات الاتحاد الأوروبي إلى إنهاء عقد مع شركة أوروبية. ورغم فرار الأسد إلى روسيا في ديسمبر الماضي، حافظ الحكام الجدد في دمشق على علاقات مع موسكو، وتلقوا منها عدة شحنات نقدية في الأشهر الأخيرة إلى جانب الوقود والقمح، في الوقت الذي تتطلع فيه روسيا للاحتفاظ بقاعدتيها العسكريتين في المنطقة الساحلية السورية، الأمر الذي أثار عدم ارتياح بين الدول الأوروبية الساعية للحد من النفوذ الروسي.

وتشير مصادر مالية سورية لرويترز إلى أن السلطات تجري محادثات متقدمة بشأن صفقة طباعة العملة مع شركة “عُملات” الإماراتية، التي زارها محافظ البنك المركزي ووزير المالية السوريان خلال رحلة إلى الإمارات في وقت سابق من هذا الشهر.

وفي ألمانيا، أبدت شركة “بوندسدروكراي” المدعومة من الدولة وشركة “جيزيكي + ديفرينت” الخاصة اهتماماً بالموضوع، وفقاً لمصدر سوري ومسؤول أوروبي.

ولم تعلق أي من الشركات أو الحكومات المعنية رسمياً على هذه الأنباء، ويُرجع مسؤولون سوريون نقص الأوراق النقدية إلى قيام المواطنين وجهات وصفوها بـ”الخبيثة” بتخزين الليرة، بينما يرى مصرفيون أن السلطات هي التي تتحكم بتدفقها في محاولة لإدارة سعر الصرف الذي بلغ يوم الجمعة الماضي نحو عشرة آلاف ليرة مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء، بعد أن كان قد وصل إلى حوالي 15 ألف ليرة قبل الإطاحة بالأسد، وفي تناقض صارخ مع سعره البالغ 50 ليرة فقط مقابل الدولار عام 2011 قبل اندلاع الحرب.

اقتصاد تحت الأنقاض: 13 عاماً من الحرب تترك سوريا في مواجهة دمار شامل

سعي سوريا لتأمين طباعة عملتها في الخارج ليس إلا عرضاً بسيطاً لأزمة اقتصادية أعمق بكثير. فقد خلفت ثلاثة عشر عاماً من الحرب دماراً هائلاً في البنية التحتية، وشللاً في القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة، وانهياراً في قيمة العملة الوطنية، مما أدى إلى تضخم جامح أفقد معظم السوريين قدرتهم الشرائية.

وتشير التقديرات إلى أن الغالبية العظمى من السكان تعيش تحت خط الفقر، مع معدلات بطالة مرتفعة للغاية، واعتماد متزايد على المساعدات الإنسانية الشحيحة، وحتى مع التخفيف الأخير للعقوبات الأمريكية، تظل العقوبات الدولية الأخرى مفروضة، مما يعيق جهود إعادة الإعمار والانتعاش الاقتصادي، ويفاقم من معاناة المواطنين الذين يواجهون أيضاً منافسة جديدة من الواردات الرخيصة التي تضر بالإنتاج المحلي المتهالك أصلاً.

سوريا على مفترق طرق: تحديات المرحلة الانتقالية ومخاطر الأجندات الخارجية

تأتي هذه التحركات في وقت تمر فيه سوريا بمرحلة انتقالية بالغة الحساسية والخطورة، تتطلب من القيادة الجديدة حذراً استثنائياً ويقظة عالية لحماية سيادة الدولة ووحدة أراضيها من أطماع دول خارجية تسعى كل منها لتمرير أجندات خاصة قد تكون كارثية على مستقبل البلاد.

فتركيا لا تزال تحتل أجزاء واسعة من الشمال السوري، وتدعم فصائل موالية لها، وتسعى لفرض واقع ديموغرافي وجيوسياسي يخدم مصالحها الأمنية والاقتصادية طويلة الأمد. وفي المقابل، تواصل إسرائيل احتلالها للجولان السوري، وتنفذ غارات جوية متكررة على الأراضي السورية، وتهدف استراتيجياً إلى إبقاء سوريا ضعيفة ومجزأة لضمان أمنها.

وفي هذا السياق، يحذر مراقبون من خطورة مشاريع اقتصادية إقليمية قد تبدو تنموية في ظاهرها، لكنها تخفي في طياتها أبعاداً استراتيجية تهدد السيادة السورية.

ومن بين هذه المشاريع ما يُعرف بمشروع “ممر داوود الاقتصادي”، الذي يهدف لربط إسرائيل بدول الخليج عبر الأراضي الأردنية والسورية، مما قد يمنح إسرائيل نفوذاً اقتصادياً وسياسياً كبيراً في المنطقة على حساب المصالح العربية.

كما يعود الحديث عن مشروع أنابيب الغاز القطرية عبر سوريا إلى الواجهة، وهو مشروع كان يُنظر إليه كأحد العوامل الجيوسياسية التي أججت الصراع السوري، وإعادة طرحه الآن في ظل وضع سوريا الراهن قد يخدم مصالح قطرية وغربية في مجال الطاقة، دون أن يضمن بالضرورة تحقيق المصلحة الوطنية السورية العليا أو احترام سيادتها الكاملة على أراضيها ومواردها.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش