صراع النفوذ والتحشيد العسكري.. ماذا يحصل في حضرموت وكيف تزداد الأوضاع سوءاً؟

الاقتصاد اليمني | بقش
تشهد محافظة حضرموت، الأكبر مساحة والأكثر ثراءً بالنفط في اليمن، تصاعداً غير مسبوق للتوتر الأمني والعسكري خلال الفترة الأخيرة، وأصبح تصادم القوى السياسية والقبلية في المحافظة صراعاً مفتوحاً على النفوذ والموارد بصورة تهدد الاستقرار الذي حافظت عليه حضرموت لعقود طويلة.
ويعكس هذا الصراع تعقيدات المشهد اليمني بعد سنوات من الحرب والانقسامات العميقة، وربما يمثل حالة لفهم ديناميات النفوذ والمصالح المحلية والإقليمية في اليمن.
ووفق تتبُّع مرصد “بقش” لهذا الملف، فإن الأطراف الرئيسية في هذا النزاع تتوزع بين:
– المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، والذي يسعى لدولة جنوبية مستقلة عن الشمال.
– حلف قبائل حضرموت الذي يتبنى مشروع “الحكم الذاتي” وإدارة شؤون المحافظة داخلياً، وتُعد تحركاته مدعومةً من السعودية.
– القوات العسكرية الرسمية المتمثلة بالمنطقتين العسكريتين الأولى والثانية اللتين تعاني قيادتهما من انقسامات بين تأييد الحكومة والمجلس الانتقالي.
هذا التداخل أدى إلى وضع معقد للغاية، حيث تتحول المحافظة من نموذج للأمن والاستقرار إلى بؤرة صراع محتملة على مستوى اليمن بأكمله.
الانقسام والنفوذ والتحشيد العسكري
تطور الصراع في حضرموت بشكل سريع منذ بداية ديسمبر الجاري، إذ دفع المجلس الانتقالي الجنوبي بتعزيزات عسكرية تحت مسمى “قوات الدعم الأمني” بقيادة العميد صالح علي بن الشيخ أبو بكر المعروف بـ”أبو علي الحضرمي”، إلى مناطق حساسة في المحافظة.
وأعلن أبو علي الحضرمي بشكل مباشر أن قدر حضرموت مرتبط بما يسميه “الجنوب العربي”، وأكد على مواجهة أي تهديد من قِبل “حلف قبائل حضرموت” بقيادة الشيخ عمرو بن حبريش. وهذا التصعيد شمل نقل قوات إضافية من محافظة شبوة، ما زاد المخاوف لدى الحلف القبلي من نوايا الانتقالي الحقيقية.
على الجانب الآخر، استجاب حلف قبائل حضرموت للتحشيد العسكري بالمثل، فقام بسيطرة فعلية على حقول النفط التابعة لشركة بترومسيلة، وهو ما اعتبره خطوة استباقية دفاعية لحماية ثروات المحافظة وفق متابعة بقش، بينما اتهمه قائد المنطقة العسكرية الثانية بمحاولة الاعتداء على القوات المكلفة بحماية المنشآت.
هذا التبادل من التحشيد العسكري والتهديدات المتبادلة بين الأطراف يشير إلى تصاعد كبير في المخاطر، بما قد يؤدي إلى انفجار الوضع الأمني في أي لحظة.
المصادر المحلية أفادت بصد زحف لقوات الانتقالي باتجاه مناطق مثل سيئون ومديرية ساه، مع استخدام دبابات ومواقع جبلية، في حين لم تحدث صدامات مباشرة مع قوات حماية حضرموت، مما يعكس حالة توازن هش بين الأطراف المتصارعة، لكنه في الوقت ذاته يشير إلى احتمال اندلاع مواجهات مستقبلية.
وبدوره ناشد المجلس الانتقالي قوات “التحالف” بتمكين قوات النخبة الحضرمية ومساندتها لبسط سيطرتها على كامل أرض حضرموت، وهو تصريح يُنظر إليه على أنه يزيد من تعقيدات الأوضاع في مسعى من المجلس للسيطرة الكاملة على المحافظة وإقصاء القبائل.
ولا يقل الجانب السياسي في حضرموت تعقيداً عن العسكري، حيث شن عضو المجلس الرئاسي اللواء فرج البحسني هجوماً على حلف قبائل حضرموت، واصفًا تحركاته بأنها “خروج عن مؤسسات الدولة وتمرد مسلح”، ومبرراً تدخل قوات المجلس الانتقالي باعتبار مهمتها مكافحة الإرهاب.
واستشهد البحسني بوجود بؤر للقاعدة وداعش ومجاميع من الحوثيين، وهذه الرواية الرسمية تأتي في سياق الصراع على شرعية التدخل العسكري الخارجي وفرض النفوذ، وتعكس الانقسام بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي.
في المقابل، أصدرت الهيئة التنفيذية للقيادة المحلية للمجلس الانتقالي بمحافظة حضرموت بيانات مدنية تدين الاعتقالات التعسفية والمداهمات التي نفذتها قوات المنطقة العسكرية الأولى، وتؤكد على استمرار النضال السلمي المشروع لأبناء حضرموت، ومطالبتهم بإحلال قوات النخبة الحضرمية بدلاً من القوات القادمة من خارج المحافظة، معتبرةً أن هذا هو السبيل لضمان الأمن وحماية أرواح السكان وثروات المحافظة.
التوتر الشعبي والتحشيد المدني
الأوضاع لم تقتصر على الجوانب العسكرية والسياسية، بل شملت تحركاً شعبياً مكثفاً، إذ شهدت مناطق وادي وصحراء حضرموت فعاليات جماهيرية حاشدة دعت إلى إخراج القوات الخارجية واستبدالها بالقوات المحلية، وهو ما اعتبره مراقبون رسالة واضحة من المجتمع الحضرمي على تمسكه بحقوقه في إدارة شؤون المحافظة.
القائم بأعمال رئيس الهيئة التنفيذية للمجلس الانتقالي المحلي، محمد صالح باتيس، علّق بأن خروج المواطنين في الشوارع يعكس إرادتهم في الأمن والاستقرار، داعياً للاصطفاف خلف المؤسسات الجنوبية الشرعية.
وفي المقابل، جرت تحذيرات من أن هذه “الفتنة” قد تتسع بفعل تدخل أطراف خارج جغرافيا المحافظة، مثل الصحفي المتتبع لتطورات حضرموت “فارس الحميري” الذي قال إن تحشيد جميع الأطراف العسكري يحمل ارتدادات خطيرة على المقدرات الوطنية والخدمات العامة، وعلى المجلس الرئاسي وحكومة عدن.
وكان لتصاعد الصراع العسكري والسياسي أثر مباشر على الاقتصاد المحلي، خاصة على قطاع النفط والكهرباء.
فقد أعلنت شركة بترومسيلة وقف عمليات الإنتاج والتكرير النفطية بسبب التوترات، ما أدى إلى تعطّل خدمات الكهرباء في مدن الساحل والوادي، كما تسبب في شلل حركة الوقود والخدمات العامة.
وتشير هذه التطورات إلى أن الصراع لم يعد محصوراً على النفوذ السياسي فقط، بل يمتد ليؤثر على الحياة اليومية للمواطنين وعلى الموارد الحيوية للمحافظة، التي تعتبر من أهم مناطق الإنتاج النفطي في اليمن.
جهود الوساطة والتوازن المدني
في محاولة لتهدئة الأوضاع، تدخلت السلطة المحلية بحضرموت عبر محافظ المحافظة المعيّن حديثاً “سالم أحمد الخنبشي” (بدلاً من مبخوت بن ماضي)، واستقبل الخنبشي وفود وساطة برئاسة الشيخ معروف بن عبدالله باعباد والمقدم علي سالم بلجبلي العوبثاني، وعدد من الوجاهات القبلية والمجتمعية.
الخنبشي تحدث عن ضرورة تغليب الحكمة والحفاظ على نسيج المجتمع، وقال إن حضرموت كانت وستظل نموذجاً للأمن والتعايش. وشدد على ضرورة العمل المشترك لإنجاح جهود الوساطة وعودة الاستقرار، معتبراً أن نجاح الوساطة يمثل نجاحاً للمحافظة بأكملها.
كما أشار ناشطون وكتّاب محليون في حضرموت إلى أهمية النأي بالمحافظة عن الصراعات العسكرية الخارجية، معتبرين أن الحضارم قادرون على إدارة شؤونهم بأنفسهم، وأن أي تدخل خارجي سيزيد من الفوضى ويهدد النسيج الاجتماعي ويهيئ المناخ لعودة الإرهاب.
مشهد معقد
حضرموت اليوم تُعد نموذجاً حياً لتعقيدات المشهد اليمني، حيث تتشابك المطامح السياسية مع الهويات القبلية والمصالح الاقتصادية، ما يجعل أي حل صعباً بدون توافق شامل.
والتحشيد العسكري المتبادل بين المجلس الانتقالي وحلف قبائل حضرموت، مع تدخل القوات الرسمية المنقسمة ولجوء الأطراف إلى السيطرة على المنشآت الحيوية، يهدد استقرار المحافظة على المدى القصير، ويقول اقتصاديون إنه قد يؤدي إلى تصعيد مفتوح يؤثر على الحياة الاقتصادية والخدمية بالكامل.
ويُظهر توقف إنتاج النفط وانعكاسه على الكهرباء والخدمات العامة كيف أن الصراع السياسي والعسكري له أثر مباشر على حياة المواطنين ويؤثر على الاقتصاد المحلي.
ويمثل الوضع الراهن نقطة مفصلية تتقاطع فيها الصراعات مع الطموحات القبلية والمصالح الاقتصادية الكبرى.
فالصراع الحالي بين المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات، وبين حلف قبائل حضرموت المدعوم من السعودية، وسط انقسامات القوات الرسمية، أدى إلى حالة شديدة الحساسية تهدد الاستقرار والأمن، مع انعكاسات واضحة على الاقتصاد والخدمات العامة.
وفي حضرموت بات يُنظر -على صعيد المواطنين- أن الأمل معلّق على نجاح جهود الوساطة المدنية والقبلية، واحترام إرادة المجتمع المحلي، والتزام جميع الأطراف بمبدأ تغليب المصلحة العامة على المصالح الضيقة، وكذلك رفع القوى الخارجية يدها عن حضرموت.


