تصاعد التوترات والحرب يفاقم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي ويهدد بتدهور تصنيفه الائتماني

الاقتصاد العالمي | بقش
تتسارع التداعيات الاقتصادية للنزاع المفتوح بين إسرائيل وإيران، في وقت تتوالى فيه تحذيرات وكالات التصنيف العالمية من تدهور الاستقرار المالي الإسرائيلي، وسط أرقام متصاعدة للخسائر المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن الصراع.
وبينما أبقت وكالة موديز على التصنيف الائتماني لإسرائيل عند “Baa1” (أي جدارة ائتمانية متوسطة أقل جودة من الفئات الأعلى)، فإنها حذّرت من أن استمرار المواجهة العسكرية مع إيران سيُفضي إلى ضغوط حادة على المالية العامة الإسرائيلية، مشيرة إلى أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مرشحة للوصول إلى 75% خلال السنوات المقبلة، مقابل تقديرات سابقة لم تتجاوز 70%.
ووفقاً لمتابعات مرصد “بقش”، فإن الاقتصاد الإسرائيلي يعاني منذ أكتوبر 2023 من سلسلة أزمات متزامنة، تشمل ارتفاع العجز المالي، تراجع الاستثمارات الأجنبية، وتقلص النشاط في قطاعات رئيسية مثل السياحة والتكنولوجيا، وقد دفعت هذه العوامل وكالة موديز إلى الإبقاء على النظرة المستقبلية لإسرائيل “سلبية”، ما يعكس هشاشة الوضع الاقتصادي في حال تفاقم المواجهة مع طهران وتحولها إلى صراع إقليمي مفتوح.
أضرار مادية ومعنوية في البنية التحتية الحيوية
يُحذّر تقرير موديز من أن أي تصعيد ميداني مباشر مع إيران سيُهدد “قوة إسرائيل الاقتصادية من خلال أضرار محتملة للبنية التحتية وتدهور البيئة الأمنية”، وهي عوامل من شأنها كبح الاستثمار وتقويض النشاط الاقتصادي بشكل عام.
وقد بدأت بعض الآثار في الظهور فعلياً؛ إذ سجل الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الثاني من عام 2025 تباطؤاً في النمو إلى 1.1% فقط، مقارنة بـ3.8% في نفس الفترة من العام الماضي، حسب بيانات تتبعها بقش لوزارة المالية الإسرائيلية.
كما تُفيد معطيات اطلع عليها مرصد بقش بأن قيمة الخسائر المباشرة التي لحقت بالبنية التحتية نتيجة استهداف منشآت استراتيجية – من بينها موانئ في أشدود وحيفا ومنشآت دفاعية في بئر السبع – تقدّر بنحو 7.5 مليار دولار خلال النصف الأول من عام 2025، إلى جانب خسائر غير مباشرة في سوق العمل قُدّرت بنحو 2.3 مليار دولار بسبب تعطّل سلاسل الإمداد وإغلاق مؤقت لمناطق صناعية في النقب وغور الأردن.
تراجع في ثقة المستثمرين وضغوط على التصنيف
على المستوى المالي، تشير تقديرات “ستاندرد آند بورز” إلى أن تكلفة الاقتراض الحكومي الإسرائيلي ارتفعت بمقدار 70 نقطة أساس منذ بداية أبريل 2025، نتيجة إعادة تقييم المخاطر السيادية، وهو ما انعكس على أداء السندات الحكومية طويلة الأجل.
أما وكالة “فيتش” فقد أكدت الشهر الماضي أن التصنيف السيادي لإسرائيل عند مستوى “A” يظل قابلاً للصمود في الوقت الراهن، لكنه محاط بعوامل تهديد متصاعدة، تتصل بالوضع الأمني والضغوط على الميزانية العامة.
ويأتي هذا وسط ضغوط متزايدة على المصارف الإسرائيلية، إذ أفاد تقرير صادر عن “جمعية المصرفيين الإسرائيليين” بأن 12 بنكاً محلياً واجهوا ارتفاعاً في طلبات تأجيل سداد القروض العقارية والتجارية منذ مطلع مايو بنسبة 18%، وهو ما يُعزى إلى تراجع القدرة الشرائية وخوف المستثمرين من المدى الزمني للحرب.
لا تقتصر الأضرار الاقتصادية على المواجهة العسكرية، بل تمتد إلى ما يوصف “تآكل تدريجي للوزن الأكاديمي والبحثي لإسرائيل على الساحة الدولية”، في إشارة إلى توسع حملات المقاطعة الأكاديمية، وخصوصاً في أوروبا وأمريكا الشمالية، منذ بدء الحرب على غزة، وامتدادها بعد التصعيد مع إيران.
وقد أظهر تحليل حديث نشرته صحيفة “كالكاليست” الاقتصادية الإسرائيلية في مايو الماضي أن إسرائيل خسرت ما يُقارب 68.5% من فرص التمويل البحثي الأوروبي ضمن برنامج “هورايزون” منذ أواخر 2023، مع انخفاض حاد في الموافقات على المشاريع التي تشمل جامعات إسرائيلية، وتُقدّر الخسائر السنوية جراء هذا التراجع بنحو 400 مليون يورو، ما يعني تآكلاً فعلياً في رافد تمويلي حيوي للأبحاث والتطوير.
في السياق ذاته، أفاد تقرير لحركة المقاطعة BDS أن أكثر من 20 جامعة حول العالم أعلنت تعليق شراكتها الأكاديمية مع مؤسسات إسرائيلية، وارتفع عدد الأكاديميين الذين رفضوا التعاون البحثي إلى أكثر من 700 خلال ستة أشهر فقط، مما يُفقد إسرائيل موقعها في الساحة الأكاديمية العالمية، بحسب وصف التقرير.
شركات كبرى تعيد النظر في عملياتها داخل إسرائيل
بالتوازي، تشهد قطاعات أخرى تراجعاً في ثقة المستثمرين، فقد بدأت بعض الشركات الدولية بإعادة تقييم استثماراتها في السوق الإسرائيلية. ووفقاً لتصريحات اطّلع عليها مرصد بقش، أرجأت شركتا “إنتل” و”إريكسون” خطط توسيع منشآتهما البحثية في تل أبيب، فيما أعلنت “سيسكو” في يونيو عن تأجيل عقد جديد لتزويد البنية التحتية الرقمية للجيش الإسرائيلي بقيمة 600 مليون دولار، بانتظار “استقرار الأوضاع الجيوسياسية”، بحسب بيانها الرسمي.
ويُشير تقرير صادر عن اتحاد الصناعيين الإسرائيليين إلى أن التكاليف التأمينية على الأصول التجارية في شمال إسرائيل وجنوبها ارتفعت بنسبة 39% خلال مايو فقط، ما أضاف أعباء مالية مباشرة على المستثمرين في القطاعات الصناعية والزراعية.
يبدو أن معادلة الإنفاق العسكري المتزايد مقابل تقلص الإيرادات وضبابية البيئة الاستثمارية تضع الحكومة الإسرائيلية أمام مأزق مالي مستمر، ما يُهدد بتفاقم العجز في الموازنة العامة، والذي تجاوز 5.2% من الناتج المحلي الإجمالي في منتصف 2025، بحسب أرقام وزارة المالية الإسرائيلية، وهي أعلى نسبة عجز منذ عقدين تقريباً.
وتؤكد وكالة موديز أن “قدرة إسرائيل على احتواء تداعيات الأزمة المالية ستعتمد على مدى سرعة تهدئة الوضع الإيراني، والتوصل إلى حل سياسي يخفف من حجم التهديدات الأمنية”، مشيرة إلى أن غياب الاستقرار السياسي – في ظل الانقسام داخل الائتلاف الحاكم – يفاقم التحديات الاقتصادية ويُعيق صياغة استراتيجية خروج واضحة من الأزمة الراهنة.