احتجاجات المكلا تدخل يومها الرابع: شلل في الحركة وتصعيد شعبي وتحذيرات أمنية

متابعات محلية | بقش
تشهد مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت، تصعيداً شعبياً متواصلًا لليوم الرابع على التوالي، وسط موجة غضب عارمة بسبب التدهور الحاد في الخدمات الأساسية والانقطاعات الطويلة للكهرباء، بالتزامن مع حالة من الجمود الرسمي وعجز واضح في معالجة الأزمة، ما دفع المحتجين إلى توسيع رقعة تحركاتهم ورفع سقف مطالبهم.
مع ساعات صباح الأربعاء، قام المحتجون بإغلاق العديد من الشوارع الحيوية في المدينة، من أبرزها شارع الشهيد خالد ومنطقة الديس، مستخدمين الحواجز الحديدية والقوارب المعدنية، في مشهد يعكس حجم الاحتقان الشعبي. وأظهرت صور رصدها “بقش” احتشاد عشرات المواطنين وهم يعرقلون مرور المركبات، وسط ازدحام مروري خانق وشلل شبه كامل للحركة داخل المدينة.
وقال شهود عيان ومراسلون ميدانيون إن القوارب التي كانت ترمز في يوم من الأيام إلى البحر والسلام، باتت تُستخدم اليوم كحواجز غاضبة في وجه السلطة المحلية.
انضمام نسائي غير مسبوق وتصعيد في الهتافات
وشهدت الاحتجاجات اليوم تطوراً لافتاً بانضمام العشرات من النساء إلى صفوف المحتجين في أحياء متعددة بالمكلا، في مشهد نادر الحدوث في تحركات حضرموت الشعبية.
ورفعت النساء شعارات تطالب برحيل المحافظ وتحسين الخدمات، مرددات هتافات مباشرة تندد بـ”الفساد والتقصير وغياب العدالة الاجتماعية”.
وأكدت مشاركات في التظاهرات أن صمتهن خلال الفترة الماضية لم يكن قبولاً بالأوضاع، وإنما مراعاة للظروف العامة، إلا أن الانهيار التام في الخدمات، وغياب أي مؤشرات جدية للحلول، دفعهن للخروج إلى الشارع “من أجل مستقبل أسرهن وحقوقهن الأساسية في العيش بكرامة”، بحسب تعبيرهن.
مطالب بمساءلة السلطات وفتح ملفات الإيرادات
رفع المحتجون سقف مطالبهم لتشمل ليس فقط تحسين الخدمات، وإنما مساءلة المسؤولين عن تردي الوضع المعيشي، والمطالبة بإجراء تحقيق شفاف حول مصير إيرادات حضرموت النفطية والمينائية، التي يقول المحتجون إنها لا تُترجم إلى مشاريع أو خدمات ملموسة.
وتزايدت الدعوات لإقالة المحافظ وتشكيل لجنة مستقلة لمراجعة الأداء المالي والإداري للسلطة المحلية، وسط اتهامات بـ”التواطؤ مع شبكات فساد وتحويل الموارد بعيداً عن مستحقات المواطنين الأساسية”.
وفيما لم يصدر أي بيان رسمي من محافظ حضرموت حتى الآن، أصدرت قيادة المنطقة العسكرية الثانية بياناً شديد اللهجة حذرت فيه من “تحول المسار السلمي للاحتجاجات إلى أعمال فوضى”، مؤكدة أنها “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام أي محاولات للاعتداء على الممتلكات أو إقلاق السكينة العامة”.
وأشارت قيادة المنطقة إلى أن قوات النخبة الحضرمية تتابع الموقف عن كثب ولم تتدخل حتى اللحظة، لكنها قد تضطر إلى التحرك في حال استمرت أعمال التعدي على المرافق العامة أو تصاعدت الدعوات التحريضية. كما اتهم البيان جهات – لم يسمها – بمحاولة توظيف الاحتجاجات لخلق فوضى أمنية وإرباك المشهد المحلي.
غياب رسمي وفجوة ثقة آخذة بالاتساع
حتى مساء اليوم، لم يصدر أي بيان رسمي من السلطة المحلية أو المحافظ بن ماضي، ما فاقم حالة الاحتقان ودفع المواطنين إلى التساؤل عن جدية الحكومة في التعاطي مع الأزمة. ويرى مراقبون أن “الغياب الرسمي مقابل التصعيد الشعبي قد يفتح الباب أمام موجة احتجاجات أوسع قد تشمل مديريات أخرى في ساحل حضرموت”، وهو ما حذر منه ناشطون محليون عبر منصات التواصل الاجتماعي.
ويُعد هذا الحراك الشعبي الأكبر في المكلا منذ احتجاجات 2017، ويعكس – وفقاً لتحليلات اقتصادية تابعها “بقش” – هشاشة البنية الخدمية والإدارية في محافظة تُعد من أغنى المحافظات اليمنية من حيث الموارد، وأفقرها من حيث الخدمات الفعلية المقدمة للمواطنين.
يأتي هذا التصعيد الشعبي على خلفية أزمة كهرباء خانقة تضرب ساحل حضرموت منذ أسابيع، حيث بلغت ساعات الانقطاع اليومية أكثر من 18 ساعة، تزامناً مع ارتفاع غير مسبوق في درجات الحرارة، وغياب واضح لمادة الديزل المشغلة للمولدات الحكومية.
وفي وقت سابق، اتهمت اللجنة الأمنية بالمحافظة أطرافاً لم تسمها بإعاقة مشاريع استراتيجية، مثل وحدة تكرير المشتقات النفطية، ما فاقم من أزمة الكهرباء، كما حملت جهات “خبيثة” – على حد تعبيرها – مسؤولية حرمان المحطات من الوقود.
يرى مراقبون أن دخول المرأة خط الاحتجاجات، وتواصل الغضب في الشارع، يعكسان تحوُّلاً في المزاج الشعبي من مجرد المطالبة بالخدمات، إلى الدعوة الجادة لتغيير إدارة المحافظة ومحاسبة المسؤولين، وهو ما يتطلب – بحسب تصريحات متفرقة تابعها “بقش” – تدخلاً عاجلاً من قيادة الدولة ومجلس القيادة الرئاسي لإعادة ترتيب الأولويات وفتح ملفات الشفافية والمساءلة في حضرموت.
ومن غير المستبعد، بحسب متابعين، أن تستمر رقعة الاحتجاجات بالاتساع ما لم تبادر السلطات المحلية بخطوات فاعلة وملموسة خلال الساعات القليلة المقبلة، تبدأ بوقف الانهيار الخدمي، وتنتهي بإعادة بناء جسور الثقة مع الشارع الغاضب.