أزمة متصاعدة يشهدها القطاع المصرفي اليمني تنذر بزيادة الانقسام النقدي بين مناطق حكومتي صنعاء وعدن، وذلك بعد أن قرر بنك صنعاء المركزي منع التعامل مع 13 بنكاً في مناطق #حكومة_عدن، رداً على قرار بنك عدن المركزي بمنع التعامل مع ستة بنوك تتعامل مع #حكومة_صنعاء. ونحت الأزمة منحى أكثر تعقيداً بعد أن أعلن مركزي عدن أنَّ على المواطنين والمؤسسات غير المالية والمحلات التجارية الذين لا حسابات لهم في المركزي إيداع ما بحوزتهم من العملة القديمة الصادرة قبل 2016 في البنوك التجارية والإسلامية وفروعها بمناطق الحكومة، وذلك خلال مهلة 60 يوماً (تنتهي بنهاية شهر يوليو المقبل)، وأن على البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية التي تملك حسابات في المركزي إيداع العملة القديمة في البنك وفروعه. رداً على هذا أصدر بنك صنعاء المركزي، الجمعة، إعلاناً يفيد بأنه سيقوم بتعويض المواطنين بمناطق حكومة عدن الذي يمتلكون مدخرات من العملة القديمة، بما يقابلها من قيمتها الحقيقية بالعملة الجديدة أو التي وصفها بـ"غير القانونية"، وفقاً لتحديثات أسعار الصرف اليومية، وأضاف مركزي صنعاء أن ذلك يأتي منعاً لـ"محاولة نهبها" من جانب مركزي عدن، حدَّ قوله، على أن يتم نشر كافة التفاصيل الخاصة بآلية التعويض يوم الثلاثاء المقبل، 04 يونيو الجاري. قبلها أصدر مركزي عدن قراراً رقم (19) لسنة 2024، تحت عنوان تنظيم مزاولة نشاط التحويلات الخارجية عبر شركات الحوالات الدولية، وقال إن القرار يأتي ضمن إجراءاته الرقابية على النشاط المصرفي، ونصت المادة الأولى من القرار على حظر مزاولة نشاط الحوالات الخارجية إلا من خلال البنوك أو شركات الصرافة المؤهلة والمستوفية لمتطلبات وشروط ومعايير مركزي عدن حصراً، وتم إلزام البنوك وشركات الصرافة بالحصول على "خطاب عدم ممانعة" من مركزي عدن قبل قيامها بعملية التعاقد مع شركات الحوالات الدولية. واستجابت الشركة الأمريكية "موني غرام"، المتخصصة في تحويل الأموال دولياً، لهذا القرار، ووفقاً لبيان اطلع عليه "بقش" أبلغت الشركة وكلاءها في اليمن بأن عليهم سرعة الحصول على شهادة عدم ممانعة من قبل مركزي عدن، في موعد أقصاه 04 يونيو الجاري، كما طالبت الشركة وكلاءها الفرعيين الجدد بالحصول على شهادة عدم ممانعة قبل تقديم طلب للاستفادة من خدماتها المصرفية، وتضمين الشهادة ضمن طلب الاستفادة من خدمات الشركة. وبدوره قال مجلس عدن الرئاسي إنه يدعم قرارات البنك المركزي، وإن الإجراءات تقضي بإلزام البنوك والمصارف في مناطق حكومة صنعاء "بنقل إدارات العمليات الرئيسية للبنوك بما فيها نظم المعلومات، ومراكز البيانات، وإدارة العمليات الدولية، وإدارة الامتثال"، إضافة إلى إلزام البنوك بعقد اجتماعات جمعياتها العمومية خارج مناطق حكومة صنعاء ليتمكن مركزي عدن من أداء مهامه بشأن إدارة السياسة النقدية. كل ذلك يأتي في سياق ما بات يُعرف لدى محللين اقتصاديين وناشطين في منصات التواصل الاجتماعي بـ"حرب البنوك"، والتي أعلن عنها بنك عدن المركزي بإقراره نقل البنوك الرئيسية من صنعاء إلى عدن منذ شهرين، على خلفية سك حكومة صنعاء عملة معدنية جديدة من فئة 100 ريال، في حين لم تنفذ أي من البنوك في صنعاء قرار مركزي عدن، ما حدا بالأخير إلى التصعيد عبر سلسلة القرارات الأخيرة التي اتخذها بشأن قطع التعاملات المالية والتحويلات بين بنوك عدن وصنعاء. حظر بنوك صنعاء يصل البنوك الدولية في آخر تصريحاته، قال محافظ بنك عدن المركزي، أحمد غالب، إن المركزي أوصل قرار حظر التعامل مع البنوك الستة في صنعاء إلى كافة الجهات المصرفية والبنوك الدولية، وإنه لن يتم التعامل مع هذه البنوك الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء. ووصف غالب إجراءات البنك الأخيرة بأنها تهدف لـ"حماية البنوك التجارية من الإفلاس" بسبب ممارسات حكومة صنعاء، مؤكداً أن إدارة ستوقف كافة تعاملات الجهات الحكومية مع البنوك المحلية المحظورة، بما في ذلك صرف الرواتب التي كانت تصرف عبرها. ويُشار إلى أن "بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي" يُعد ضمن قائمة البنوك التي شملها الحظر من جانب مركزي عدن، ويُعتبر الكريمي حسب متابعات مرصد "بقش" أحد البنوك التي تقوم بصرف رواتب الموظفين الحكوميين عبر حساباتهم التي فُتحت العام الماضي لدى الكريمي في عدد من مناطق الحكومة منها محافظة #تعز. وفي مؤتمر صحفي لغالب، الجمعة، ذكر المحافظ أن مركزي عدن وثق 20 انتهاكاً لحكومة صنعاء ضد القطاع المصرفي، محملاً إياها مسؤولية تسييس القطاع المصرفي واختراق المعايير والقوانين بـ"تجميد ومصادرة أرصدة المواطنين الذين يتهمونهم ضد سياساتهم". وحسب محافظ مركزي عدن، فإن قرارات حظر البنوك المتعاملة مع حكومة عدن هي أولى العقوبات التدريجية، مشيراً إلى اتخاذ حزمة إجراءات أشد في حال استمرت هذه البنوك بالتعامل مع حكومة صنعاء لكونها مصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية. وفي الوقت الذي قال فيه مركزي صنعاء إن #السعودية تتحمل مسؤولية استهداف القطاع المصرفي، من خلال تنفيذ مركزي عدن لـ"أوامر النظام السعودي بتوجيهات أمريكية وبريطانية" على خلفية عمليات #البحر_الأحمر، ذكر محافظ مركزي عدن أنَّ حظر التعامل مع البنوك الستة هو "قرار سيادي ذو طابع نقدي ومصرفي وليس له أي صلات بالوضع الإقليمي أو الدولي وليس له دخل بحرب #غزة". من جانبها استنكرت "جمعية البنوك اليمنية" بصنعاء في أحدث تصريحاتها، قرارات بنك عدن المركزي المتمثلة بإلغاء التعامل بالعملة النقدية المطبوعة قبل العام 2016 وكذا قرار وقف التعامل مع بنوك صنعاء، واصفةً القرارات بـ"الاستفزازية والإجراءات التصعيدية التي تفتقد الإحساس بالمسؤولية". ووفق اطلاع "بقش"، اعتبرت الجمعية القرارات ستتسبب بـ"مضاعفات خطيرة" لن يقتصر ضررها وتأثيرها السلبي على القطاع المصرفي وحده بل سيمتد ليصيب كافة وحدات النشاط الاقتصادي في كل أرجاء البلاد، إضافة إلى الإضرار بالحياة المعيشية للمواطن والسلم الاجتماعي في اليمن، كما ستؤدي لمزيد من الشرخ ومضاعفة الانقسام المالي والنقدي في بنية السلطة النقدية وشل فاعليتها وإضعاف دورها التنظيمي والإشرافي وعجزها في إدارة السياسة النقدية، وطالبت الجمعية الجهات الدولية بالوقوف موقفاً مسؤولاً إزاء هذا التصعيد. وأضافت الجمعية: "لن يقود التمادي والإصرار على تنفيذ هذه القرارات غير المدروسة سوى إلى المزيد من الأعباء المالية التي تثقل كاهل القطاع المصرفي اليمني والأعباء المعيشية التي تثقل كاهل الشعب في كافة أنحاء الجمهورية نتيجة ما يمكن أن تتسبب به مثل هذه القرارات من انهيار قادم وكبير للنظام المالي وللعملة الوطنية، سواء أكانت تلك المطبوعة ما قبل العام 2016 أو ما بعده". كيف تؤثر القرارات على اليمنيين؟ تراشُق القرارات بين بنك صنعاء وبنك عدن المعترف به دولياً، أحدث جدلاً واسعاً حول مدى تأثير هذه القرارات على المواطنين اليمنيين الذين يعتمد كثيرون منهم على الحوالات الخارجية، إذ تُعتبر هذه الحوالات عنصراً رئيسياً لإتاحة العملة الأجنبية وتوفيرها وتغذية السوق اليمنية وعملية الاستيراد بها، كما تُعد عموداً فقرياً لكثير من الأسر اليمنية. ويقول #البنك_الدولي في عرض تحليلي قرأه "بقش" منشور في يناير 2024، إن اليمن التي شهدت انكماشاً هائلاً بنسبة 52% في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي من 2015 إلى 2022، تعتمد بشكل كبير على تحويلات المغتربين وتدفق المعونات، مما يترك اليمن عرضة للعوامل الخارجية، وفقاً للبنك. وتشير بيانات سابقة صادرة عن حكومة عدن، إلى أن الحوالات المالية السنوية تُقدر بنحو 3.4 مليارات دولار تدعم حوالي نصف سكان اليمن، وحسب تقديرات البنك الدولي فإن الحوالات المالية ظلت منذ عام 2016 عند 3.77 مليارات دولار سنوياً، منها 61% أو 2.3 مليار دولار سنوياً يتم إرسالها من السعودية، و29% (1.1 مليار دولار) من دول الخليج الأخرى. وأمام الصراع الأخير بين البنكين المركزيين، يرى محللون اقتصاديون أن قرارات بنك عدن المركزي بفرض نقل البنوك إلى عدن يضع القطاع المالي والمصرفي في وضع حرج ويزيد من الانقسام النقدي الحاصل بين مناطق السلطتين. أحمد الحمادي، محلل اقتصادي، يقول لـ"بقش" إن الإجراءات الأخيرة تضيق الخناق على المواطنين اليمنيين في مناطق السلطتين بتقييد عملية إرسال الحوالات الداخلية، كما تهدد تحويلات خارجية يرسلها عدد كبير من المغتربين اليمنيين يُقدَّر بأكثر من 6 ملايين يمني في الخارج. ويرى الحمادي أن مثل هذه الإجراءات لن تسير في مسار تصحيح واقع القطاع المصرفي طالما أنها مفروضة في سياق صراع على السيطرة والنفوذ بشكل يتجاهل الواقع المعيشي الصعب للمواطنين المتضررين على مستوى فقدان الدخل وسط انقطاع الرواتب منذ 2016، مشيراً إلى أهمية الخروج من الأزمة عبر الوصول إلى الحلول الوسط التي تمهد لاتفاق شامل ينهي الانقسام، حد تعبيره. من جانبه يعتقد الخبير الاقتصادي رشيد الحداد أن هذا التصعيد يقوض مسار السلام بشكل كبير، ويُحدث تبايناً بين صنعاء وعدن، ويعمق الأزمة الاقتصادية والإنسانية، خصوصاً أن هذه القرارات سيترتب عليها تفاقم الانقسام النقدي، مما سيضاعف معاناة المواطنين شمالاً وجنوباً بسبب تقييد التحويلات الداخلية. ويشير الحداد في حديث لـ"بقش"، إلى أن البنوك المشمولة بالحظر تستحوذ على نحو 50% من النشاط الاقتصادي والتجاري في البلد، واصفاً إياها بأنها بنوك معروفة ولديها تعاملاتها الخارجية بشكل كبير. وستطال أضرار القرارات أنشطة البنوك من جانب، ومن جانب آخر ستمس المواطن البسيط في مختلف المحافظات، وفقاً للحداد، مضيفاً: "هذه القرارات لم تنعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي في محافظات حكومة عدن، كما أنها تأتي في ظرف تعاني فيه اليمن، شمالاً وجنوباً، من أزمات اقتصادية وركود حاد، مما سيعمق الأزمة أكثر، لاسيما وأن القرارات شملت التحويلات الخارجية، وستفرض المزيد من القيود على الحركة المالية والتدفق المالي من اليمن إلى الخارج والعكس". ويعتمد حوالي 40% من الأسر اليمنية اعتماداً كلياً على التحويلات الخارجية من المغتربين عبر الشبكات المالية، سواء من السعودية أو الخليج أو الدول الأخرى، حسب تصريح الحداد، وبالتالي فإن الشروط والقيود على حركة التحويلات الخارجية عبر الشبكات المالية سيسبب أضراراً كبيرة للمواطنين. كما أن "حظر صرف الرواتب عبر هذه البنوك، سيعرقل الرواتب والمعونات المالية الدولية التي تصرفها المنظمات عبر البنوك بشكل دوري لعشرات بل لمئات الآلاف من الأسر الفقيرة المستحقة لهذه المساعدات، فضلاً عن أن المواطن في المحافظات الجنوبية سيضطر للبحث عن الدولار بسبب قيود التحويلات الداخلية، إذ ستتحول التحويلات من العملة المحلية إلى العملة الصعبة" وفقاً للحداد.