جرعة مشتقات نفطية في مأرب تتحول إلى صراع عنيف مع قبائل المحافظة
الأخبار المحليةجرعة مشتقات نفطية في مأرب تتحول إلى صراع عنيف مع قبائل المحافظة

على صفيح ساخن وقفت محافظة «مأرب» الغنية بالثروة النفطية والغازية اليمنية، بعد أن أعلنت شركة النفط في ديسمبر الماضي عن إقرار رفع تسعيرة البنزين من 3500 ريال إلى 8 آلاف ريال للدبة (سعة 20 لتراً) بواقع 400 ريال للتر الواحد، بتوجيه من مجلس الرئاسة بعدن. هذا الحدث أدى إلى اندلاع مواجهات مسلحة سقط على إثرها قتلى وجرحى، بين قوات حكومة عدن وقبائل مأرب المعارضين لقرار رفع سعر وقود منتج محلياً، بعد أن كانت مأرب المحافظة اليمنية الوحيدة التي لا تشهد ارتفاعاً في أسعار الوقود كباقي المحافظات التي يصل سعر المشتقات فيها إلى 27 ألف ريال بمناطق سيطرة حكومة عدن، و9500 ريال بمناطق حكومة صنعاء. وظهرت مخاوف لدى مؤيدي حكومة عدن من ضياع سيطرة الحكومة على المحافظة ووصول الأمر إلى إقامة تحالفات قبلية مع الخصوم في صنعاء وتمكينهم من السيطرة على المحافظة الاستراتيجية. قرار مؤجل ينتهي باشتباكات عنيفة في 18 ديسمبر، قررت شركة النفط بمأرب تنفيذ قرار مجلس وزراء حكومة عدن رقم (3) لعام 2023، بشأن المصادقة على قرارات المجلس الاقتصادي الأعلى الخاصة بتنفيذ «الإصلاحات الاقتصادية» من أجل تعزيز موارد الدولة والتي من بينها تحريك أسعار النفط بمحافظة مأرب. وقد تم تأجيل تنفيذ القرار منذ 16 يناير 2023، وعندما تم الإعلان في نهاية العام عن البدء بإنفاذ القرار بسبب حاجة الحكومة للإيرادات لتغطية النفقات ومنها الرواتب، قامت المحافظة ولم تقعد. في البداية كان الرفع إلى 9750 ريالاً للصفيحة الواحدة، وبعد اتصالات لمحافظ المحافظة «العرادة» تم خفض السعر الجديد ليكون عند 8000 ريال لصفيحة العشرين لترًا. سعر الـ8000 ريال اعتبرته شركة النفط بمأرب سعراً مناسباً جداً إذا ما قورن بالأسعار خارج المحافظة، وقالت إن هذه التسعيرة الجديدة ستحد من الازمة بشكل كبير كون السعر السابق ساهم في ازدهار السوق السوداء وانعدام المادة نتيجة للسحب المكثف وبيع البترول خارج مأرب بأسعار مضاعفة. اعتبرت قبائل مأرب أن التسعيرة الجديدة مجحفة بحقهم في حين أن المحافظة النفطية حُرمت في السنوات الماضية من استحقاقات التنمية، وقوبل القرار برفض واستياء المواطنين والقبائل، فأعلنت التصعيد ضد حكومة عدن بهدف إسقاط «الجرعة» ونصبت تجمعات قبلية «مطارح» في مديرية الوادي شمالي المحافظة، وتداعى مسلحون قبليون للتصدي للقرار وخاضوا مواجهات مسلحة مع قوات الأمن. أفراد قبليون بالعشرات حاولوا منع مرور شاحنات محملة بالبترول من مصافي مأرب إلى المدينة، وسقط شخص من أبناء القبائل وأصيب ثنان توفيا في وقت لاحق، في قصف متبادل بين الجيش والعناصر القبلية المسلحة. تواصلت الاشتباكات العنيفة عقب سقوط ضحايا من القبائل الذين اتهموا قوات حكومة عدن بقصفهم بطائرة مسيرة، إذ دارت المواجهات في منطقة «الضمين» على امتداد الخط الدولي. وتمسك الرافضون لتحريك أسعار المشتقات النفطية بمطلب إلغاء الجرعة وإعادة سعره السابق (175 ريالاً للتر) بشكل دائم، وتخصيص كمية (300 ألف لتر بترول يومياً) لمحطات مديرية الوادي، وإعطاء كل مواطن كمية تكفي سيارته حسب استهلاكها، وتوقيف كافة صادرات الإنتاج من بترول مُحسَّن وعادي وكذلك الغاز والديزل عدا ما هو مخصص منه لمحطات الكهرباء. وكانت المطارح أمهلت السلطة وقتاً قصيراً لتنفيذ المطالب وإلغاء القرار، وبعد المهلة دعت القبائل كافة التجار والمقاولين الذين تقع ممتلكاتهم قُرب منشأة صافر إلى إخلاء المكان، وطالبت العاملين في المنشأة بمغادرتها وإيقافها والعودة لمنازلهم، وكذلك المواطنين بالابتعاد عن المنشأة 20 كيلومتراً على الأقل إلى الجهة الغربية وعدم المخاطرة بأرواحهم. وأقدمت المطارح القبلية على توقيف مرور شاحنات تحمل مادة البترول من المصافي إلى المدينة، وحمَّلت الجهاتِ الرسميةَ مسؤوليةَ ما سيحدث من تبعات خطيرة. ونجح المسلحون في اعتراض شاحنات نقل الغاز والنفط في منطقة «الرويك» شرق مأرب وأجبروها على العودة إلى صافر. وتدخلت وساطات محلية لم تنجح في احتواء الموقف، حتى تطور الأمر إلى تفجير أنابيب ناقلة للنفط الخام. فمع هذا التوتر شهدت مأرب تفجير أنبوب النفط الخام الرابط بين حقل ريدان بمنشأة صافر شرق مأرب، على وقع تصعيد بعض مسلحي القبائل ضد القرار الحكومي، وبعدها وقع تفجير آخر لأنبوب النفط الخام بمحافظة «شبوة» الواصل بين منشأة «صافر» وحقل «جنة هنت» النفطي. وتعقيباً على تلك التفجيرات، قال الصحفي بمأرب علي عويضة، إن تدمير منشآت النفط لم يُقدم عليه حتى الحوثيون، وإن ذلك لا ينبغي أن يصدر من إنسان عاقل يعيش في مأرب ويشرب ماءها ويتنفس هواءها، في حين توفر المنشآت النفطية لأبناء المحافظة كل ضروري من شربة الماء إلى وقود السيارات، حد تعبيره. في المقابل لم يجد مسلحو القبائل تضامناً واسعاً من القوى المدنية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني بالمحافظة، وظهرت هذه القوى والمنظمات كمساندة للسلطة المحلية، واعتبرت أن هناك نية مبيتة كانت ولا تزال تسعى إلى إفشال المحاولات الرامية إلى رص الصفوف وإحداث ثغرة في الجبهة الداخلية بالشكل الذي يراهن عليه الحوثيون، كما طالبت الأحزاب والتنظيمات حكومة عدن باعتماد موازنة خاصة تليق بمأرب ابتداء من عام 2024 وبما يتناسب مع العبء الذي تتحمله المحافظة من منطلق حق المحافظة «في الحصول على حصتها كاملة من عائدات النفط والمشتقات النفطية الأخرى». وكان رد الناطق باسم المطارح، محمد ميقان، على بيان القوى والتنظيمات السياسية أنه «هزيل ولا يمثل الشرفاء»، ولاحقاً نشر ميقان بياناً هدد فيه بـ«إعادة مأرب للعصر الحجري». بدورها قالت اللجنة الأمنية العسكرية بمأرب إنها لن تتهاون في القيام بواجباتها القانونية في حماية المصالح العامة وتأمين الطرقات وحفظ الأمن، بالتزامن مع هذا التوتر الأمني، في الوقت الذي فيه تطوَّر التوتر إلى حدوث جرائم قتل وقطع طرقات إضافة لتفجير أنابيب النفط، وجرى وصف عدد من المحسوبين على القبائل بـ«العناصر التخريبية». ولم ينتهِ ديسمبر حتى أبلغ «العرادة» أهالي مديرية الوادي بأن القرار الخاص بالزيادة السعرية في المشتقات النفطية سيتم إنفاذه دون تأجيل، ودعا إلى رفع التجمعات القبلية الرافضة للجرعة، وقال إنه سيتحمل الفوارق المالية بين السعر القديم والجديد في المحطات لمدة 10 أيام «لسد الذرائع». وبنهاية العام 2023 ودخول العام الجديد، قالت المطارح إنه تم التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة، وتمت الموافقة على تأجيل قرار رفع التسعيرة وتشكيل لجنة رئاسية من الجانب الحكومي والمجتمعي من المشاركين في مطارح مأرب لبحث الوضع الاقتصادي وما يترتب على القرار من أضرار، وكذا رفع المطارح وفتح الطرقات أمام ناقلات الوقود.

المزيد من المقالات