فُتحت ملفات شركات النفط الأجنبية في اليمن خلال شهر يناير الماضي بسبب أعمالها التي أدت إلى إحداث تلوث كبير خلال تواجدها في البلاد، وأبرزها «توتال» الفرنسية و«هنت» الأمريكية. فشركة توتال النفطية تواجه دعاوى قضائية في «فرنسا» بعد أشهر من نشر سلسلة تحقيقات سابقة في عدد من وسائل الإعلام الفرنسية والدولية حول تسبُّب توتال في تلويث اليمن، وقد بدأت إجراءات لمقاضاة الشركة في المحاكم الفرنسية. فقد قرر 59 يمنياً رفع قضية في محاكم فرنسا ضد «توتال»، ويمثلهم محاميان فرنسيان، وفقاً لتقرير اطلع عليه «بقش» نشرته مجلة ماريان الفرنسية. وتقول المجلة إن توتال قد تضطر بسبب هذه المقاضاة إلى إصلاح مقدار الأضرار القاتلة التي لحقت بالمناطق الشرقية في اليمن. تفاصيل «أكبر فضيحة بيئية» في تاريخ اليمن كانت «ماريان» وصحيفة لوبس الفرنسية، نشرتا العام الماضي عن تلوث محافظة «حضرموت» بسبب عمليات توتال، منذ العام 1996 عندما بدأت الشركة أعمالها في البلاد حتى العام 2015. وتخضع توتال لإجراءات مستعجلة لإجبارها على تقديم أرشيفها الذي يمكن أن يفيد المدَّعين اليمنيين الذين يسعون لتحميل شركة النفط العملاقة مسؤولية الحصول على تعويض. ومنذ 1996 كانت شركة توتال اليمن للاستكشاف والإنتاج، المملوكة للشركة الفرنسية الأم بنسبة 100%، متورطة في العديد من الأضرار البيئية والصحية الخطيرة، إذ عمدت إلى إلقاء ودفن مواد كيميائية سامة في المياه المحيطة بالمناطق التي تعمل فيها، ودفن ملايين اللترات من المياه السامة وانسكاب النفط وتلويث المياه الجوفية، الأمر الذي يؤثر على البيئة وصحة آلاف اليمنيين. وكانت توتال بسبب التكلفة ترفض بناء محطة لمعالجة المياه المنتجة، وتقوم بخلط المياه المنتجة بشكل طبيعي مع النفط، وعادة ما تكون شديدة الملوحة وتحتوي على عناصر مشعة ومعادن ثقيلة. وبدفنها ملايين اللترات من المياه السامة في اليمن، تسببت توتال في ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في المنطقة وتلويث الأرض الزراعية واختفاء النحل والطيور. وعملت توتال التي أنهت أعمالها في اليمن مع بدء الحرب عام 2015، على حوض «المسيلة» النفطي في «القطاع 10»، وتتالت سلسلة حوادث التلوث بسبب المنشآت القديمة الخارجة عن معايير السلامة والبيئة، وتقع معظم حقول الامتياز النفطي في حضرموت في مناطق مستجمعات المياه التي تغذي الوديان الزراعية والمراعي المأهولة بالسكان في حضرموت، إذ عند هطول الأمطار تحمل مياه السيول الناتجة عنها النفايات النفطية التي تحوي كميات كبيرة من الماء المنتج شديد الملوحة، والذي تصاحبه مواد كيميائية تستخدم في إنتاج النفط، نحو الوديان الفرعية. موظفون سابقون عملوا كمشرفين صحيين وبيئيين لدى توتال لسنوات، يؤكدون أن الشركة دفنت المياه السامة، وأن ناقلات النفط فعلت ذلك كثيراً وهناك الكثير من الآبار وبعضها عديم الفائدة لأنه لا يوجد نفط، لذلك مُلئت بمياه ملوثة ثم أُغلقت. والدعاوى الحديثة التي ستُرفع ضد توتال في فرنسا تقترن بمسألة أن الشركة جنت أرباحاً طائلة لكنها لم تقدم إلا تعويضات ضئيلة جداً مقارنة بالأرباح، ووفقاً لصحيفة لوبس الفرنسية التي نشرت عن القضية باعتبارها «أكبر فضيحة بيئية في تاريخ اليمن»، فقد قدمت توتال تعويضات بقيمة 58 مليون دولار لشركة النفط في اليمن فيما يتعلق بالتخلي عن حقول النفط القديمة التي أصبحت أقل ربحيةً مع مرور الوقت، على أن تعفي وزارة النفط اليمنية شركة توتال من أي مطالبات لاحقة، وهو ما اعتُبر دليلاً على رغبة توتال في حماية نفسها من أي هجوم قانوني بعد خروجها من البلاد في بداية الحرب 2015. وقُدِّرت الخسائر الزراعية بـ59 ألف دولار كتعويضات للأهالي المتضررين من الكارثة البيئية في وادي الغبيرة، لكن هذا المبلغ يمثل فقط 0.0005% من الأرباح السنوية لشركة توتال التي ارتفعت إلى 10.3 مليارات يورو في عام 2010 مدعومةً بارتفاع أسعار النفط. وحسب التقارير، حاولت توتال إلهاء المسؤولين اليمنيين عن مراقبة السلامة الصحية والبيئية على منشآتها، فعندما كان يأتي شخص من وزارة النفط ليفحص ما يحدث في توتال، كانت الشركة تقدم له رحلة إلى فرنسا أو تمنح أولاده منحاً دراسية، كما أهدت الشركة وزير النفط السابق خالد بحاح ساعة سويسرية «شوبارد» بقيمة 5 آلاف دولار. بسبب «جرائم نفطية» | مقاضاة «صافر» و«هنت» وفي يناير رفع الناشط البيئي اليمني عبدالقادر الخراز، دعوى قضائية في المحكمة الجنائية الدولية بـ«لاهاي»، ضد شركتي «صافر» المملوكة للدولة، و«هنت» ومقرها «أمريكا»، بسبب ضلوعهما في تلويث اليمن والتسبب في أمراض بين السكان اليمنيين، متهماً إياهما بارتكاب «جرائم ضد الإنسانية». وقدم الدكتور الخراز، الرئيس السابق لهيئة حماية البيئة، دعواه إلى المحكمة الدولية ضد الشركتين، وذلك بعد فترة وجيزة من كشف الشبكة الإعلامية OCCRP عن غياب المساءلة البيئية لشركات النفط في اليمن، واستند تحقيق OCCRP إلى تقرير خبراء غير منشور لعام 2014 بتكليف من البرلمان اليمني، ويقول التقرير إن أكثر من 30 انتهاكاً بيئياً ارتكبتها أكثر من 12 شركة نفط وغاز ومقاولين تابعين لها بين أوائل عام 2000 وأواخر عام 2014. وألقى السكان باللوم بشكل خاص على سوائل الحفر السامة التي تم سكبها في التربة، حيث إن التلوث النفطي الناتج عن التصريف المباشر للنفايات الخطرة، ودفن هذه النفايات، وإطلاق الانبعاثات دون أي طرق معالجة، يسبب العديد من الأمراض الخطيرة في المجتمعات التي تعيش بالقرب من حقول النفط، وفقاً لشكوى الخراز. الخراز وبصفته رئيساً لهيئة البيئة الحكومية، اشتكى مراراً خلال ولايته لعامين من التلوث الناجم عن شركة صافر، وفي نهاية المطاف استبدله رئيس وزراء حكومة عدن «معين عبدالملك» في عام 2019، وغادر الخراز البلاد بعد تلقيه تهديدات. وفي 2020 رفع الخراز دعوى قضائية ضد «صافر» في محكمة محلية بسبب دفن منتجات كيميائية خطرة، وسعى للحصول على تعويض نيابة عن عشرات من مرضى السرطان، لكن إجراءاته القانونية توقفت في المحاكم اليمنية، إذ رفضت الشركة الاتهامات وطعن محاموها في التفاصيل الفنية للإجراءات، وبعد فترة تنحى القاضي الأصلي في القضية عن منصبه في ذلك العام، ورفض قضاة آخرون إعادة فتح القضية منذ ذلك الحين. وتُتهم شركة «هنت» بإطلاق مستويات خطيرة من أكاسيد النيتروجين في الهواء والتخزين غير السليم لمئات البراميل من المواد الكيميائية منتهية الصلاحية. وإلى جانب مقاضاة «صافر» و«هنت»، يقول الخراز إنه يُعِد كذلك قائمة بالمسؤولين الحكوميين الذين ساهموا في التستر على هذا التلوث والأضرار. هذا وأعلنت المحكمة الدولية أنها ستعطي الأولوية للقضايا المتعلقة بالبيئة اعتباراً من عام 2016، «لكن على مدى السنوات الثمانية الماضية، لم نر سوى القليل من حيث التنفيذ» وفقاً لشبكة OCCRP. ماذا عن شركة OMV النمساوية؟ في حوار صحفي قال وزير النفط بحكومة عدن «سعيد الشماسي» إن الحكومة ستستأنف عملية تصدير النفط الخام والغاز المسال فور إعلان اتفاق السلام المرتقب برعاية الأمم المتحدة، لرفد موازنة الحكومة، مشيراً إلى عدد من الملفات المرتبطة بالإنتاج وشركات النفط الأجنبية في اليمن. وتحدث الشماسي في تصريحاته لـ«الشرق الأوسط» عن نقاشات أجراها مع الجانب السعودي للمساعدة في إعادة تشغيل «مصافي عدن»، مشيراً إلى نقاشات نهائية لإنشاء مصفاة نفطية ومنطقة صناعية متكاملة في منطقة «الضبة» بمحافظة «حضرموت»، إلى جانب مشروع للغاز المنزلي في قطاع «المسيلة»، ودراسات لإنشاء مصفاة نفط في «شبوة». قال الوزير إن لا صحة لانسحاب شركة «OMV» النفطية النمساوية من اليمن، وإن لدى الشركة توجهاً عالمياً للتحول من الاستكشاف والإنتاج إلى التخصص في إنتاج الطاقة البديلة وتسويق النفط الخام، مؤكداً أن الشركة ما زالت موجودة، وأن الحكومة رفضت عرضين من شركتين لنقل حصص «أو إم في» لهما لعدم امتلاكهما القدرات الفنية في مجال الاستكشاف والنفط. وأضاف: «الدولة لا تبيع لأنها لا تملك هذه الحصص، حصص الدولة ثابتة، فيما الشركات الأخرى التي تملك حصصاً تقوم ببيع حصصها سواء في البورصة أو بشكل مباشر وهذا أمر طبيعي في قطاع النفط وليس جديداً في اليمن، بعض الشركات تتعرض لانتكاسات أو تغير نشاطها فتقوم ببيع حصصها في أي دولة لشركة أخرى»، معتبراً أن «كل الحملات تثار لعدم الفهم لطبيعة النشاط النفطي العالمي وعقود النفط في العالم». كما نفى بيع قطاع (4) غرب عياد النفطي بشبوة، لكنه أكد حاجة الحكومة إلى مستثمرين جادين لديهم القدرات المالية والفنية لتشغيل القطاعات. جهوزية تصدير النفط رغم استمرار الحظر المفروض من صنعاء وصرح الشماسي بأن هناك جهوزية لتصدير النفط الخام والغاز فور إعلان أي اتفاق سلام في البلاد، وأنه في المرحلة الأولى للسلام سيتم السماح بتصدير النفط الخام والغاز في الأسبوع الأول من الاتفاقية وسيظل مورداً لحكومة عدن خلال تلك المرحلة، وأشار أيضاً إلى أنه في الفترة الأخيرة بدأت مرحلة إعادة صيانة في مجال الغاز وتم الوصول إلى نحو 80% من صيانة ميناء «بلحاف» لتصدير الغاز. وفي رد على سؤال حول تعثر تشغيل ميناء بلحاف للغاز خلال السنوات الماضية، قال الوزير إن الميناء جاهز للتشغيل وقد أعيدت الصيانة، حيث إن «الميناء قريب من البحر وتعرض للكثير من عوامل التعرية والصدأ، وفرق الصيانة في المشروع يعملون بشكل مستمر لإعادة تأهيل المنشآت وإعادة تصدير الغاز»، وذكر أن القوات العسكرية متواجدة لكن في منطقة بعيدة من منطقة التشغيل. وجاء في تصريحات وزير النفط أن إنتاج النفط اليمني بدأ في النزول وبشكل ملحوظ خلال عامي 2010 و2011، فيما توقف في 2015 ولمدة سنة كاملة، وواصل الشماسي: «بدأنا نعيد الإنتاج في أغسطس 2016 في شركة (بترومسيلة) لكي تطمئن الشركات الأخرى للعودة، وفي 2018 عادت شركتا OMV و(كالفالي الكندية) للإنتاج، إلى جانب شركة (هنت) في قطاع 5، لكن هذا الإنتاج يحتاج إلى تدرج نتيجة لتوقف الآبار وتأثر المكامن الموجودة في الأرض التي تمتلك هذه الاحتياطيات». وفي الشركات الوطنية «بترومسيلة» و«صافر» بدأنا الإنتاج بشكل مباشر وكنا نصدّر نحو مليوني برميل من حضرموت كل شهرين، بمعدل إنتاج نحو 40 ألف يومياً، ومن إنتاج شبوة ومأرب كنا نصدر نحو 600 ألف برميل كل 21 يوماً، وهذا قبل دخول قطاع 5، في عام 2022 حيث بدأ هذا القطاع العمل ووصل الإنتاج في الأشهر الأولى بين 15-20 ألفاً وكان يمكن أن يتطور، لكن بدأت التهديدات (ويقصد تهديدات قوات صنعاء) في أكتوبر 2022، وفي نوفمبر ضربت "الحوثيون" ميناء الضبة وتوقف التصدير، ونتطلع لخطة وبرنامج تصديري بديل للنفط الخام وسنرى حلولاً قريبة جداً»، يقول الوزير. وفي معرض حديثه قال إن هناك نقاشات متقدمة لدعم سعودي لإعادة تشغيل مصافي عدن والتي تمثل أولوية رئيسية للوزارة في 2024 حسب قوله، وزاد: «لقد تلقينا من السعودية دعماً كبيراً فيما يخص تزويد محطات الكهرباء بالمشتقات النفطية، وفيما يخص استكشاف وإنتاج النفط لم يتم أي نقاشات لأن الوضع جامد، لكن هناك نقاشات تمت لمساعدتنا في إعادة تشغيل مصافي عدن». وفي 2021 قدمت السعودية نحو 450 مليون دولار لدعم المشتقات النفطية، مما خفف -وفقاً للشماسي- العبء على الموازنة العامة وفاتورة الاستيراد التي أنهكت فاتورة الكهرباء والمشتقات المستوردة.