بات ملف توترات «البحر الأحمر» وإغلاق مضيق »باب المندب» في وجه السفن المرتبطة بالكيان الإسرائيلي مفتاحاً لأي تقدم أو تأخر في مفاوضات السلام في اليمن بوساطة عمانية بين «حكومة صنعاء» و«الرياض» التي تدعم «حكومة عدن»، إلا أن ما استجد بهذا الشأن، وبشأن الاقتصاد اليمني ككل، خلال فبراير الماضي، هو تطبيق «العقوبات الأمريكية» ضد «أنصار الله» الحوثيين، لأول مرة منذ يناير 2021، وتصنيفهم كـ«منظمة إرهابية عالمية»، مما سلط الضوء على تداعيات هذا التصنيف الذي سبقته مهلة أمريكية امتدت لثلاثين يوماً كي يتسنى لـ«واشنطن» ضمان عدم تضرر اليمنيين المدنيين من التصنيف وفقاً للإعلان الأمريكي. وفي السادس عشر من فبراير الماضي دخلت العقوبات الأمريكية على «الحوثيين» حيز التنفيذ رداً على هجماتهم ضد السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر، وهي العقوبات التي تؤكد واشنطن أنها ستُرفع عن الحركة اليمنية إذا قامت الأخيرة بإيقاف هجماتها وعملياتها البحرية. فقرار التصنيف لا يرتبط إلا بعمليات البحر الأحمر والعربي دون سواها، تحت طائلة أن قوات صنعاء تهدد أمن الملاحة التجارية العالمية، وفي حال وقف العمليات فإن ذلك سيكون كفيلاً بأن يتم رفع حكومة صنعاء من قائمة الإرهاب وفق البيانات الأمريكية. وقد صرَّح بذلك المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، تيم ليندركينغ، وقال إن أمريكا ستواصل ضرب أهداف ومواقع تابعة لحكومة صنعاء حتى يوقفوا هجماتهم في البحر الأحمر، وإنه بمجرد وقف الهجمات البحرية سيتم إنهاء الضربات العسكرية وإزالتهم من قائمة الإرهاب، كما لفت ليندركينغ إلى أن «مفاوضات السلام بين صنعاء والرياض متوقفة في الوقت الحالي»، وحمّل حكومة صنعاء المسؤولية عن ذلك. يأتي تصنيف الحركة كـ«ككيان إرهابي عالمي مصنف بشكل خاص» بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224، بعد نحو 3 سنوات من إزالتها عن قائمة «المنظمات الإرهابية الأجنبية». وتقول حكومة صنعاء إن القوات البحرية الأمريكية والبريطانية هي من يهدد السفن والناقلات التجارية يومياً بعدم المرور في البحر الأحمر، الأمر الذي خفض الشحن بنسبة 10%، في حين أن المعدل اليومي لحركة السفن عبر الممر المائي الاستراتيجي يصل إلى مرور 40 إلى 50 سفينة يومياً وفق تغيرات سلاسل التوريد. نتيجة لذلك أعلنت صنعاء عن إنشاء مركز أسمته «مركز تنسيق العمليات الإنسانية (HOCC)»، يتبع مكتب الرئاسة، وقالت إن مهمته التخفيف من التداعيات على المدنيين في مسرح العمليات العسكرية «البرية والبحرية والجوية». تشمل مهام هذا المركز التنسيق مع مُلاك ومشغلي ومديري السفن والجهات الحكومية وغير الحكومية والمنظمات الدولية ذات العلاقة لتوضيح معايير الحظر على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي، وتعزيز أمن الملاحة للسفن التي تعتبر خارج نطاق الحظر (غير إسرائيلية وأمريكية وبريطانية). ويتمثل المشهد العام في أن حكومة صنعاء تحمل «واشنطن» و«لندن» مسؤولية «عسكرة البحر الأحمر» وتهديد أمن الملاحة الدولية وإرباك سفن الشحن العالمي، وممارسة «الكذب» في ما يتعلق بالحرب على غزة وعمليات البحر الأحمر، بينما تَعتبر القوتان الدوليتان أن القدرة العسكرية لحكومة صنعاء هي من تعرقل التجارة الدولية بدعم من طهران، وتشكل خطراً بالغاً وينبغي مواصلة ضرب أهداف ومواقع في اليمن تابعة لـ«الحوثيين»، إلا أن التحركات العسكرية قابلها سياسيون واقتصاديون في الأوساط الدولية والأمريكية بقولهم إنها تحركات غير مجدية وتزيد الظرف الأمني في المنطقة تعقيداً، وبالتالي زيادة التأثيرات على مسار التجارة العالمية. التصنيف الأمريكي يمس اقتصاد اليمن بإعادة واشنطن «الحوثيين» إلى قائمة الإرهاب كـ«منظمة إرهابية عالمية»، عبَّرت «الأمم المتحدة» عن قلقها من أن التصنيف سيضر بـ«الاقتصاد اليمني الهش» وبالمدنيين في اليمن، وقالت إن العقوبات ستطال اقتصاد اليمن الذي مزقته الحرب، وخصوصاً الواردات التجارية من المواد الأساسية، في حين أن هناك أكثر من 18 مليون شخص بحاجة للمساعدة في البلاد. ولا يمكن للمساعدات الإنسانية أن تسد الفجوات في إمدادات السلع التجارية، كما لا يمكن للاقتصاد اليمني تحمل أي صدمات كبيرة أخرى وفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا». متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية قال إن فترة الثلاثين يوماً السابقة لتطبيق التصنيف، تم استخدامها جزئياً لمنح «الحوثيين» الفرصة لتقليص هجماتها، وأضاف أن «واشنطن عملت أيضاً مع قطاعي الشحن والمالية، إضافة إلى منظمات المساعدات الإنسانية، لتقليص التأثير على اليمنيين وتوعيتهم بالمعاملات المسموح بها رغم العقوبات». لكن رئيس وفد صنعاء المفاوض «محمد عبدالسلام» ردَّ على تطبيق العقوبات بأنه «قرار يعكس جانباً من نفاق أمريكا المكشوف والمفضوح، تريد به الإضرار باليمن دعماً لإسرائيل وتشجيعاً لها لمواصلة حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة»، مضيفاً أن حكومة صنعاء لن تتأثر أو تتراجع عن موقفها بعد إعادة التصنيف، وأن منع السفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى إسرائيل سيستمر تضامناً وإسناداً لغزة حتى وقف الحرب والحصار على القطاع. وزارة المالية بحكومة صنعاء أشارت وفق متابعات مرصد «بقش» إلى أن اليمن يعتمد على الواردات سواء في الاستهلاك النهائي أو واردات الإنتاج، وقللت الوزارة من تأثير التصنيف، قائلةً إن المجتمع اليمني تكيف مع الوضع القائم منذ ثماني سنوات لذا لن تكون هناك آثار اقتصادية على اليمن نتيجة القرار الأمريكي، لكن هناك آثاراً جانبية مرتبطة بارتفاع أسعار بعض السلع المعتمدة على الخارج وبالأخص السلع الغذائية، إضافة إلى المعاملات الاقتصادية مع الخارج كالتحويلات. وعقب فرض العقوبات، لم تمتنع حكومة صنعاء عن الهجمات، ففي اليوم التالي تم استهداف السفينة النفطية البريطانية «Pollux»، وهي سفينة ناقلة للنفط الخام وتبحر تحت علم «بنما»، ويبلغ طولها الإجمالي 244 متراً وعرضها 42.04 متراً، ورمز ندائها 3E2564 حسب المعلومات التي طالعها «بقش». وفُرضت العقوبات في الوقت الذي يعاني فيه اليمنيون من أعباء معيشية واقتصادية وارتفاع في الأسعار وفرض للإتاوات وتدهور في العملة المحلية، إذ يُخشى أن ترفع العقوبات تكاليف التأمين والنقل البحري للبضائع من اليمن وإليها، ما يعني ارتفاعاً مضافاً في أسعار السلع الأساسية وتحمل أعباء معيشية جديدة. ويذهب محللون إلى أن العقوبات ستؤثر على حكومة عدن أيضاً، مثل المحلل الاقتصادي اليمني محمد قحطان الذي سبق وقال في يناير إن حكومة عدن تتجاهل الإصلاحات وأصبحت عبئاً على الاقتصاد اليمني. في تصريحات صحفية خلال فبراير الماضي رأى قحطان أن العقوبات الأمريكية ستعيق عودة الصادرات اليمنية من النفط والغاز، الأمر الذي يضعف قدرة حكومة عدن على مواجهة التزاماتها نحو الإنفاق العام بحكم أن الدولة كانت قبل الحرب تعتمد في تمويل الموازنة العامة بنسبة تقدر بأكثر من 70% من إجمالي الموارد المالية المخصصة للإنفاق العام، مضيفاً أنه سيصعب على الحكومة أن تعيد صادراتها النفطية والغازية إلى الخارج (ويُقدر حجم هذه الصادرات بـ90% من إجمالي الصادرات اليمنية)، ما يعني المزيد من التدهور الاقتصادي لبلدٍ لا تنقصه المنغصات، حسب تعبيره. لماذا «منظمة إرهابية عالمية»؟ بخلاف إدارة «ترامب» السابقة التي قامت في أيامها الأخيرة بتصنيف حكومة صنعاء كـ«منظمة إرهابية أجنبية» (FTO)، ذهبت إدارة «بايدن» الحالية لتصنيفهم على أنهم «كيان إرهابي عالمي» أو «منظمة إرهابية عالمية محددة بشكل خاص» (SDGT)، وهذا التصنيف الثاني وفقاً للسياسات الأمريكية يتيح عدم عرقلة إيصال المساعدات إلى اليمن بموجب العقوبات. وسبق وقالت واشنطن إن التصنيف يُعد أداة هامة لقطع تمويل حكومة صنعاء وقياداتها وتقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم، كما اعتبر الأمريكيون أن هذا التصنيف يأتي خصيصاً لتفادي تأثر المدنيين اليمنيين بالقرار، وهو ما أفرَدَ ثلاثين يوماً قبل إنفاذه، من أجل التنسيق مع الجهات المعنية بالمساعدات لوضع آلية لإدخال المساعدات. ويسمح تصنيف «كيان إرهابي عالمي محدد بشكل خاص» للحكومة الأمريكية بتجميد أصول أفراد وكيانات تقدم الدعم أو المساعدة للكيان المصنف، بالإضافة إلى فروع ترتبط بها أو منظمات صورية أو شركاء.