انعطفت المواجهة العسكرية في «البحر الأحمر» في يناير المنصرم نحو تصعيد جديد من كلا الجانبين، «قوات صنعاء» و«التحالف البحري الدولي» الذي تقوده «واشنطن»، فمن جهة شنت «أمريكا» و«بريطانيا» في 12 يناير ضربات جوية على مواقع في اليمن قالت إنها تابعة لقوات صنعاء التي تواصل عملياتها في مضيق باب المندب والبحرين العربي والأحمر، استهدافاً للسفن الإسرائيلية والمتجهة إلى إسرائيل، مما دفع قوات صنعاء لتكثيف ضرباتها وضم السفن الأمريكية والبريطانية إلى بنك أهدافها. واستهدفت الضربات الأمريكية والبريطانية «مطار صنعاء الدولي»، لكن إدارة المطار وهيئة تنظيم الطيران المدني بـ«الأردن» أكدتا انتظام سير الرحلات الجوية بين مطاري «عمَّان» و«صنعاء» بواقع ست رحلات أسبوعياً. ومن جهة أخرى، أعلنت واشنطن في 17 يناير عن إعادة تصنيف أنصار الله «الحوثيين» كمنظمة إرهابية عالمية، وذلك في قرار يسري بعد 30 يوماً من ذلك التاريخ، وقالت الحكومة الأمريكية إنها خلال الأيام الثلاثين ستجري تواصلاً واسع النطاق مع الأطراف المعنية ومقدمي المساعدات والشركاء المهمين لتسهيل المساعدة الإنسانية والاستيراد التجاري للسلع الضرورية في اليمن. وسيلقي هذا القرار بتداعياته الاقتصادية والإنسانية على اليمن لتزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية المتردية بالأساس، حيث لم توضح واشنطن الآلية التي بموجبها سيتم تحاشي أي تداعيات للقرار بعد إنفاذه، وهي التي سبق وألغت قراراً مشابهاً اتخذته إدارة «ترامب» في أوائل 2021 قبل أن تقدم إدارة «بايدن» على إلغائه، كما تلوح المخاوف حالياً من تأثير التصنيف بالسلب على محادثات السلام الجارية بين صنعاء والرياض بوساطة عمانية، وإلحاق الاقتصاد اليمني بالمزيد من الأضرار في البلد الذي يواجه بالفعل شبح المجاعة. وبينما تتمسك قوات صنعاء بعملياتها وبالرد على أي اعتداء على الأراضي اليمنية، تقول أمريكا إن الوضع في البحر الأحمر وصل إلى «نقطة تحول»، وقد تهدد إيصال المساعدات إلى اليمن، إلا أن قوات صنعاء تؤكد استمرار عملياتها «مهما كلف الثمن» حتى وقف الحرب والحصار على قطاع «غزة» وإدخال ما يحتاجه من غذاء وماء ودواء. ويترافق القرار الأمريكي مع إيقاف أنشطة بعض وكالات «الأمم المتحدة» في مناطق «حكومة صنعاء»، على رأسها «برنامج الغذاء العالمي» الذي قال إنه يواجه نقصاً في التمويل، ما من شأنه أن يضيف أعباء على نحو 20 مليون إنسان في اليمن يحتاجون إلى المساعدة خلال عام 2024. مدى تأثير التصعيد على اليمن الولايات المتحدة قالت إن تصنيف «أنصار الله» سيؤدي إلى عرقلة تمويلهم، وأشارت إلى أن الموانئ اليمنية التي يعتمد عليها اليمنيون في الغذاء والدواء والوقود يجب أن تستمر وألا تشملها العقوبات، إلا أن حكومة صنعاء قللت من التصنيف وقالت إنه لن يؤثر على عملياتها البحرية. وأصدرت أكثر من 20 منظمة يمنية ودولية بينها «سيڤ ذي تشيلدرن» و«المجلس النرويجي للاجئين» بياناً مشتركاً أعربت فيه عن قلقها البالغ من الآثار الإنسانية المترتبة على التصعيد العسكري في اليمن والبحر الأحمر، مما قد يؤدي إلى تعطيل التجارة وارتفاع الأسعار. وكان رد وزارة النقل بصنعاء بأن موانئ اليمن والدول المشاطئة للبحر الأحمر لم تتأثر وأن جميعها يعمل بانتظام دون أية مشاكل، ومن جانبها أكدت «مؤسسة موانئ البحر الأحمر» أن حركة النشاط في موانئها (الحديدة، الصليف، ورأس عيسى النفطي) تعمل بشكل طبيعي في استقبال كافة السفن التجارية وسفن الحاويات والمشتقات النفطية. بيتر هوكينز، القائم بأعمال منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في اليمن، قال إن واردات اليمن لم تتأثر بعد بتوترات البحر الأحمر، وإنه يتم مراقبة واردات الأغذية، آملاً ألّا يؤثر التصنيف الأمريكي على عمليات الإغاثة في اليمن. هذا وبالتزامن مع توترات البحر الأحمر، دعت الغرفة التجارية الصناعية بصنعاء التجار والمخلصين إلى إبلاغ عمليات وزارة الصناعة والتجارة بحكومة صنعاء في حال امتناع الشركات الملاحية عن تسليم أمر التسليم بدون مبرر قانوني، أو في حال قيام الشركات الملاحية بفرض مبالغ إضافية للحاويات التي في ميناء الحديدة أو التي لا تزال في جيبوتي أو جدة. ويُشار إلى أن الضربات الأمريكية البريطانية على اليمن أدت بحكومة صنعاء إلى إمهال موظفي المنظمات غير الحكومية من حاملي الجنسيتين الأمريكية والبريطانية مدة شهر واحد لمغادرة اليمن، وهو ما وصفته الأمم المتحدة بأنه يتعارض مع الشروط القانونية التي تعمل بموجبها الأمم المتحدة والمنظمات، وأنه يعيق قدرة هذه المنظمات على الوفاء بدعم كافة سكان البلاد. وقبل ذلك أبلغت الخارجية البريطانية رعاياها في اليمن بمغادرة البلاد على الفور، وقالت إن قدرة «حكومة بريطانيا» على تسهيل السفر من دول المنطقة «محدودة» ولابد من سفر الرعايا وتغطية نفقاتهم وتأشيراتهم بأنفسهم، مضيفةً أن على من لم يتمكن المغادرة تقليل الحركة في جميع أنحاء اليمن وداخل المدن والبلدات، واتباع الاحتياطات الصادرة عن «لندن». قلق أممي بشأن «محادثات السلام» المبعوث الأممي إلى اليمن، هانس غروندبرغ، أجرى في أوائل يناير مباحثات مع رئيس وفد صنعاء المفاوض «محمد عبدالسلام» في «مسقط»، ومع رئيس مجلس عدن الرئاسي «رشاد العليمي» في «الرياض»، لمناقشة «خارطة الطريق» الأممية التي أعلن عنها في ديسمبر السابق، والتي -وفقاً للمبعوث- ستعمل على تفعيل التزام الأطراف بوقف إطلاق للنار، وبإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، واستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، ومعالجة أولويات أساسية لصالح اليمنيين بما فيها دفع رواتب الموظفين. لكن مع تطور الأحداث، وفي منتصف يناير، أعرب غروندبرغ عن قلقه من التطورات الأخيرة المتعلقة باليمن، ودعا إلى تجنب أي خطوات من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم سوء الأوضاع في البلاد، أو تصعيد التهديد على طرق التجارة البحرية، أو زيادة التوترات الإقليمية في هذا «الوقت الحرج» حد تعبيره. وقال المبعوث إن من الضروري الحفاظ على التقدم الذي تم إحرازه بخصوص جهود السلام منذ هدنة عام 2022، بما في ذلك الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في ديسمبر 2023، والمناقشات الجارية حول خارطة الطريق الأممية. و«ببالغ القلق» أشار غروندبرغ إلى أن تزعزع الوضع الإقليمي بشكل متزايد سيؤثر سلباً على جهود السلام في اليمن وعلى الاستقرار والأمن في المنطقة، وحث على ممارسة أقصى درجات ضبط النفس وتقديم المسارات الدبلوماسية على الخيارات العسكرية، ويدعو إلى وقف التصعيد. ويُفترض أن تشمل «خارطة الطريق» التزام الأطراف بوقف إطلاق النار على مستوى البلاد، ودفع جميع رواتب القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرق في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة. في السياق تواجد المبعوث الأمريكي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، في الشرق الأوسط، وقال إنه بحث مع دول بالمنطقة خفض التصعيد في البحر الأحمر. تأخر الرواتب يثير أزمة لحكومة عدن فيما يعاني المواطنون بمناطق حكومة صنعاء من انقطاع الرواتب وصعوبات الأوضاع المعيشية، تحتج مناطق حكومة عدن بدورها على تأخر صرف الرواتب لأشهر وعدم انتظام صرفها في موعدها، حيث شهد شهر يناير توترات وإضرابات واحتجاجات تتبَّعها مرصد «بقش» في مختلف المحافظات، بسبب عدم صرف رواتب الموظفين مدنيين وعسكريين، إلا أن الحكومة ومركزي عدن لم يصدرا أي تعليقات رسمية حول الأمر. ولم ينتهِ يناير إلا بإعلان الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب عن بدء تصعيد نقابي وعمالي برفع الشارات الحمراء حتى الانتقال تدريجياً للإضراب الكلي، مطالباً بدفع الرواتب في وقتها المحدد نهاية كل شهر، وصرف العلاوات السنوية والتسويات المتفق عليها سابقاً، والتزام حكومة عدن بهيكلة الراتب بما يتناسب مع الوضع المعيشي الحالي والتدهور الكارثي للعملة المحلية. كما طالب الاتحاد العمالي بإعادة تشغيل مصفاة عدن وتفعيل حركة الميناء، وامتثال حكومة عدن لتنفيذ حكم المحكمة الإدارية بإلغاء زيادة التعرفة الجمركية، وتحمل المجلس الانتقالي مسؤوليته في رفع معاناة العمال، وإلغاء حصانة شاغلي الوظائف العليا ضد الحساب والعقاب. وبعدن أيضاً طالب مكتب التربية الحكومة بعمل معالجات فورية لصرف رواتب المعلمين والتربويين نهاية كل شهر دون تأخير، في حين طالب معلمون في المدينة بصرف رواتبهم المتأخرة للشهر الثاني على التوالي، وإصدار توضيح رسمي من الحكومة حول أسباب تأخر صرف الرواتب بعدن وباقي المحافظات. المحافظات شهدت توترات متفرقة، ففي «شبوة» أعلن المعلمون إضراباً من منتصف يناير احتجاجاً على عدم صرف رواتب ديسمبر والعلاوات السنوية المعلن عنها وتنفيذ محافظ بنك عدن المركزي تعهداته بالصرف، ويُعتبر المعلمون ضمن أكثر من 12 ألف موظف في محافظة شبوة يؤكدون استياءهم من وجود عجز بتمويل رواتب الموظفين، في حين دشن معلمو محافظة «أبين» أيضاً إضراباً في عدة مدارس لنفس السبب. وفي لحج أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب بالمحافظة عن إضراب في المرافق من 22 يناير، بسبب تأخر صرف الرواتب، مطالباً بصرف الرواتب عبر البريد الحكومي بدلاً من البنوك التجارية الخاصة، كما شهدت مدينة «الحوطة» احتجاجات طالبت بصرف الرواتب ووقف انهيار العملة وتدهور الخدمات والأوضاع المعيشية. الصحفيون بدورهم كان لهم كلمة احتجاجية بمطالبتهم حكومة عدن بإقرار هيكل أجور عادل للصحفيين والإعلاميين مراعاة للأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة، وكذا معالجة الاختلالات الحالية في مستويات الأجور والرواتب والمكافآت والحوافز. «عودة الجبايات» في أبين تشل حركة النقل في الشهر الماضي أضرب سائقو القاطرات في محافظة أبين وأقاموا اعتصاماً مفتوحاً في عدد من المناطق من وادي حسان حتى نقطة دوفس ومن مدينة جعار حتى مدينة زنجبار، احتجاجاً على عودة فرض الجبايات من قبل السلطة المحلية والأجهزة الأمنية على السائقين والتي تصل إلى نحو 200 ألف ريال على كل شاحنة. عودة الجبايات تأتي بعد أن كان «المجلس الانتقالي الجنوبي» أعلن عن وقفها في ديسمبر 2024، وهو ما دفع شخصيات اجتماعية بمحافظة أبين إلى توجيه نداء لقيادة المجلس من أجل النظر إلى واقع المحافظة التي شهدت استئناف نقاط الجبايات غير القانونية. في خضم الأزمة طالب مكتب النقل في أبين بإقالة المحافظ متهماً إياه بالضلوع في فرض الجبايات غير القانونية، وقال مدير المكتب «محمد الناخبي» إنه «لا يحق للسلطة المحلية بمديرية خنفر فرض مثل هكذا جبايات على الدجاج والأغنام والأبقار، ويُمنع منعاً باتاً فرضها على أحد كونها غير قانونية، وما يقوم به مدير عام مديرية خنفر هو بإيعاز من المحافظ ولابد أن يتم تقديمهما للمحاكمة». وأضاف الناخبي أن السلطة المحلية سحبت صلاحيات مكتب النقل ومنحتها لإدارة الموارد المالية بالمحافظة، بغرض استلام الإيرادات التي هي من اختصاص المكتب، في إجراء وُصف بغير القانوني وبهدف الكسب غير المشروع. ويتساءل السائقون في أبين عن مصير الجبايات وإلى أين تذهب، في حين يقول مكتب النقل بالمحافظة إن مبالغ الجبايات تذهب إلى جيوب المحافظة ومدير صندوق النظافة حد قوله. إلى ذلك طالب رئيس الغرفة التجارية والصناعية بأبين، الحاج محمد الوالي، السلطة المحلية بإلغاء الرسوم والجبايات غير القانونية وإطلاق سراح قاطرات إسمنت محتجزة في النقاط الأمنية على طريق جعار - زنجبار، وحذَّر من تداعيات تزايد الشكاوى المقدمة من أعضاء الغرفة من الرسوم والجبايات التي يفرضها صندوق النظافة. الأسعار ترتفع جنوباً يشير تحليل للأوضاع المعيشية باليمن لبرنامج الغذاء العالمي إلى أن بعض العوامل مثل الأسعار المحلية للأغذية والوقود، إلى جانب سعر الصرف، أظهرت اختلافات تمثلت في تدهورها بمناطق «حكومة عدن» مقابل تحسنها نسبياً بمناطق «حكومة صنعاء». ووفقاً لتقرير ربع سنوي للبرنامج اطلع عليه «بقش»، فقد ارتفع الحجم التراكمي لواردات الوقود عبر ميناء «الحديدة» و«الصليف» بنسبة 23%خلال الفترة من يناير إلى سبتمبر 2023، وذلك بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2022. وأدى انخفاض قيمة العملة في مناطق حكومة عدن، بجانب ارتفاع أسعار النفط الخام العالمية، إلى زيادة أسعار البنزين بنسبة 13%، والديزل بنسبة 22% في مناطق حكومة عدن مقارنة بالربع الثاني، وبنسبة 5 إلى 10% على أساس سنوي. في المقابل انخفضت أسعار الوقود بشكل طفيف في مناطق حكومة صنعاء بين 1% إلى 2% عن الربع السابق، في حين ظلت منخفضة بنسبة 22% للبنزين، و29% للديزل مقارنة بالعام السابق، ويُعزى الانخفاض في صنعاء إلى حد كبير إلى ارتفاع قيمة العملة والرقابة المعلنة على الأسعار. أما الواردات الغذائية، فخلال الربع الثالث من 2023 ارتفع إجمالي حجم الواردات الغذائية على أساس سنوي بنسبة 2% عبر ميناءي الحديدة والصليف، وبنسبة 21% عبر ميناءي «عدن» و«المكلا»، فيما انخفض بنسبة 5% عبر ميناءي «شحن» و«الوديعة» البريين، وبشكل عام كان صافي حجم المواد الغذائية المستوردة عبر جميع الموانئ في اليمن أعلى بنسبة 6% من مستواه خلال نفس الفترة من عام 2022.