الرمال السوداء في "حضرموت": ثروة مُهدرة وعوائد اقتصادية مفقودة
الأخبار المحليةالرمال السوداء في "حضرموت": ثروة مُهدرة وعوائد اقتصادية مفقودة

واجهت وزارة النفط والمعادن بـ #حكومة_عدن وهيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بمحافظة #حضرموت انتقادات بسبب ترخيص إخراج منتجات الرمال السوداء من المحافظة لغرض البيع خارج #اليمن، وبكمية هائلة تبلغ 250 طناً، وهو ما ردَّت عليه الهيئة ببيان توضيحي، وسط صمت رسمي من جانب الوزارة. مرصد "بقش" تتبَّع هذا الملف، والذي وُصف مؤخراً بأنه ممارسة ممنهجة لـ"تجريف" ثروة الرمال السوداء اليمنية التي تحتوي على المعادن في حضرموت، إذ تسبَّب إبحارُ سفينة الشحن "مرسى فيكتوري" من ميناء #المكلا محمَّلةً بالشحنة تمهيداً لتصديرها إلى #الصين، في ردود فعل غاضبة بالمحافظة، وتزامن مع ذلك إصدار "حلف قبائل حضرموت" بيانات هذا الشهر ترفض خروج كافة ثروات حضرموت من نفط وذهب ومعادن وأحجار كريمة. وفي حين تُعتبر الرمال السوداء من أهم الثروات الطبيعية المتمركزة في المناطق الشرقية والغربية من ساحل حضرموت، فإنه يتم اتهام مسؤولين بحكومة عدن والسلطات المحلية بالتفريط في ثروات المحافظة وتضييع عوائدها الاقتصادية، ويتبنى هذه النظرة الكثير من أبناء المحافظة من حقوقيين وناشطين وعمال، إلى جانب حلف قبائل حضرموت الذي يضم العديد من قبائل وعشائر وبادية وحضر حضرموت، والذي قام خلال الأشهر القليلة الماضية بتحركات احتجاجية رفضاً -كما يقول- لاستغلال ثروات المحافظة مطالباً بتحسين الخدمات والوضع الاقتصادي المتدهور. تفاصيل الصفقة على منصات التواصل الاجتماعي، خرجت مذكرة مؤرَّخة بيوم 02 أكتوبر 2024، صادرة عن هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية بحضرموت تحت إدارة المهندس فائز باصرة، ومرفوعة إلى هيئة مؤسسة الموانئ في البحر العربي، تفيد بأنه تم الترخيص لخروج منتجات الرمال السوداء لغرض البيع خارج اليمن، بناءً على طلب من شركة الحصان الأسود للتعدين والاستيراد والتصدير المستثمر (WANG DENG FENG)، دون ذكر قيمة البيع. وتتفرع هذه الشركة من الشركة الأم في الصين (Guangdong Ubride new material technology .Co.ltd)، وفقاً لمتابعات بقش. ويشار إلى أن "الحصان الأسود" أعلنت في مارس 2018 رغبتها بالاستثمار في الرمال السوداء في حضرموت، وفي نوفمبر 2020 شرعت باستطلاع فرص الاستثمار بميناء المكلا. وتعمل الشركة الصينية الأم، التي تأسست في العام 1989 ومقرها الرئيسي مقاطعة #قوانغدونغ، في مجال إنتاج ومعالجة وأبحاث وتطوير معادن التيتانيوم والزركونيوم، وتقوم بإنتاج منتجات رئيسية مثل الروتيل الطبيعي والروتيل الصناعي ورمل الزركون والإلمنيت المختزل، والتي تستخدم في صناعات السيراميك والمعادن والإلكترونيات وغيرها. وجاء في المذكرة أن الكمية تبلغ 250 طناً من منتج الرمال السوداء، وهو موضوع يعود إلى تاريخ 08 أغسطس 2024. وأشارت هيئة المساحة الجيولوجية إلى عدم ممانعة محافظ محافظة حضرموت "مبخوت مبارك بن ماضي" بتاريخ 30 سبتمبر المنصرم، وكذا توجيه وزير النفط سعيد الشماسي بالموافقة على استمرار العمل، وطلبت الهيئة من مؤسسة موانئ البحر العربي استكمال إجراءات تصدير هذه الكمية. مع تداول الوثيقة، أكَّد خبراء ومهتمون أن الصفقة تُعتبر استنزافاً لثروة حضرموت من الرمال السوداء، ومن ذلك تعليق نشره الصحفي عبدالله العريبي على "فيسبوك"، والذي قال إن سعر البيع لا يتجاوز 100 دولار للطن الواحد الخام، وهو ما يقل بكثير عن السعر الحقيقي للطن في الأسواق العالمية كما سيتم توضيحه في الأسطر المقبلة. وأشار العريبي، وهو من أبناء حضرموت، إلى أن تصدير خام الرمال السوداء بهذا الشكل يتعارض مع اتفاقية موقَّعة بين شركة الحصان الأسود وهيئة المساحة الجيولوجية فرع حضرموت في مارس 2023، نصَّت على أن تبدأ الشركة بتحديث مصنع في مديرية #بروم_ميفع للفصل الأولي للرمال السوداء، ثم تركيب مصنع آخر لفصل المعادن الثقيلة، مضيفاً أنه وفقاً للاتفاقية يُفترض تصدير المعادن المرخصة فقط، بينما تظل المعادن السيادية في المحافظة وفق القوانين المعمول بها. وتصدير هذه الكمية الكبيرة من الرمال السوداء يمثّل مخالفة صريحة لنصوص الاتفاقية والقوانين، مما يؤدي إلى استنزاف ثروات حضرموت المعدنية دون تحقيق الاستفادة المثلى منها، وفقاً للعريبي، إذ تُعد هذه الرمال غنية بالمعادن التي تدخل في صناعات حيوية مثل السيراميك والخزف والدهانات والصناعات الإلكترونية والتكنولوجية الهامة مثل أشباه الموصلات المستخدمة في الهواتف المحمولة والمعدات العسكرية. واعتبر الصحفي رئيس تحرير موقع الريان نيوز بحضرموت، أنَّ "الرمال السوداء ثروة معدنية ثمينة ونادرة وهبها الله لحضرموت، وبدلاً من الاستفادة منها وحسن استثمارها بما يعود بالنفع على المحافظة وأهلها، يتم العبث والتفريط بها وبيعها بهذا الشكل والطريقة العشوائية وبهذا السعر المتدني". "الثروة البخسة": أقل من 100 دولار مقابل الطن يشير خبير النفط والجيولوجيا الدكتور عبدالغني جغمان، إلى كارثية بيع الطن الواحد بسعر زهيد للغاية يبلغ أقل من 100 دولار، ويَعتبر أن سعر الطن الحقيقي في حال إنشاء مصانع لتصفية وفرز المعادن يصل إلى 2000 دولار للطن الواحد لمصانع الزجاج، و20 ألف دولار للطن في حال استخدامه في صناعة ألواح الطاقة الشمسية وبيعه لمصانع متخصصة في صناعة الألواح، وحتى 200 ألف دولار للطن إذا تم تحويله إلى "رقائق سيليكون". الخبير الجيولوجي عبدالغني جغمان تحدَّث لـ"بقش" معلّقاً على الصفقة بقوله إن هناك مسألتين رئيستين في هذا الملف، الأولى هي مدى أهلية وكفاءة الشركات الحاصلة على حق الامتياز للتنقيب واستخراج المعادن، مشيراً، على سبيل المثال، إلى أن شركة "جلف كير" دخلت في أنشطة بمجال التعدين والذهب في حضرموت بينما هي في الواقع شركة كويتية متخصصة في التجارة العامة والمستلزمات والتجهيزات الطبية ولا علاقة لها بالتعدين. ويرى جغمان أنَّ عدم كفاءة الجهات المعنية بالتنقيب في المعادن يعزز بالنتيجة الفساد الحاصل وممارسات المحسوبية، في الوقت الذي يحاول فيه "سماسرة" أخذ ثروات اليمن وبيعها بأرخص الأثمان. أما المسألة الثانية فهي ضرورة أن تقوم وزارة النفط وهيئة المساحة الجيولوجية بتعزيز "القيمة المضافة" بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، موضحاً: "في حال سلَّمنا بفرضية أن الشركات العاملة في التعدين هي شركات متخصصة وغير وهمية، فإن على الوزارة والهيئة تعزيز القيمة المضافة، أي إلزام الشركات العاملة في استخراج المواد المعدنية من المواقع المرخص لها، بأن تقوم بإنشاء مصانع ومعامل لغسل وفصل وفرز واستخراج المعادن الثقيلة من الرمال السوداء". وينوه الدكتور جغمان بأنَّ إنشاء مصانع ومعامل لتصفية وفصل الرمال السوداء سيفتح أيضاً مجالاً لتوظيف العمال من السكان المحليين، كما من شأنه أن يزيد نسبة الربح، فبدلاً من بيع الطن بأقل من 100 دولار سيتم بيع هذه المعادن بأكثر من 100 دولار للكيلوجرام الواحد فقط وليس للطن، حيث إن "سعر الخامات المصفاة أكبر من بيع الخام بالجملة بدون تنظيف" وفق تصريحاته لـ"بقش". وباطلاع "بقش" على منصات لبيع وشراء المنتجات، مثل "علي بابا" و"ميد إن تشاينا"، يَظهر أن متوسط سعر رمل الروتيل الطبيعي "التيتانيوم" المصفَّى -على سبيل المثال- يبلغ 100 دولار للكيلوجرام الواحد، في حين يتجاوز سعره 1200 دولار للطن الواحد في المتوسط. ويوضح جغمان بأنَّ تصدير الرمال السوداء بدون تنقية يمثل خسارة اقتصادية واضحة، حيث إن نسبة التركيز في هذه الرمال تبلغ حوالي 3.5% من العناصر المعدنية الثقيلة، ما يعني أنه يمكن استخراج قرابة 30 كيلوجراماً من كل طن، وإذا كان سعر طن الخام المصفَّى عالياً بالأساس، فإن سعر الطن الخام غير المصفَّى يُفترض أن يكون أعلى بأضعاف. ويؤكد الخبير الجيولوجي على خطورة تجريف الرمال السوداء من خلال الشيولات ومسح الشاطئ، واصفاً ذلك بأنه عبث بالبيئة الشاطئية إلى جانب كونه إهداراً للثروة المعدنية اليمنية، ويضيف: "لذلك فإن إنشاء مصانع لتصفية الرمال السوداء سيساهم في الحفاظ على البيئة أيضاً". الهيئة ترد: الأمر ليس تهريباً أصدرت هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية في #عدن بياناً اطلع عليه بقش، قالت فيه إن ما يُنشر هو "معلومات مغلوطة" و"إشاعات تستهدف مؤسسات الدولة وهيئاتها الشرعية". وفي الوقت الذي تم فيه -بمنصات التواصل- وصفُ خروج الرمال السوداء من اليمن بأنه "تهريب"، نفت الهيئة وجود أي عمليات تهريب لخامات الرمال السوداء، وقالت إن عملية التصدير الأخيرة التي تمت عبر ميناء المكلا جرت بإجراءات رسمية ومعاينات دقيقة من قِبل لجنة مختصة تضم ممثلين عن العديد من الجهات الحكومية المعنية، بما في ذلك الأمن السياسي، خفر السواحل، حماية الميناء، والمخابرات العامة، إضافة إلى هيئة المساحة الجيولوجية. أضافت الهيئة أن عملية التصدير كانت لصالح شركة الحصان الأسود للتعدين والتصدير، وأنها شركة تمتلك كافة التراخيص القانونية، بما فيها ترخيص تعدين برقم (2023/1) الصادر من الهيئة بعدن والمصدَّق عليه من وزير النفط والمعادن، مشيرةً إلى أن الشركة تمتلك المستندات الرسمية اللازمة لتصدير الموارد المعدنية. ونفت الهيئة وجود اتفاقية استكشاف مع الشركة في مارس 2023، وأضافت: "الشركة تمتلك ترخيص تعدين رسمياً يخولها التصدير بشكل قانوني، وقد دفعت الرسوم المستحقة للدولة". ونوهت إلى حادثة سابقة تعود إلى 13 يوليو 2021، عندما "تمت محاولة تمرير شحنة من الرمال السوداء تابعة لشركة الحصان الأسود دون وجود ترخيص تعدين في ذلك الوقت، وتم إيقاف العملية من قبل الجهات الأمنية والرقابية". وبعودة "بقش" إلى قضية تلك الشحنة في يوليو 2021، نذكر أن الشركة حاولت تصدير 500 طن من الرمال السوداء إلى الصين بموافقة المدير السابق لفرع الهيئة بحضرموت المهندس صلاح بابحير، والذي أعطى تصريحاً بإخراج هذه الكمية بغرض التحليل وإجراء التجارب نصف الصناعية، وهو ما رفضته الأوساط الحضرمية بشدة باعتبار ذلك مخالفة للقانون، لتتدخل الأجهزة الأمنية لإيقاف تصدير الشحنة بعد أيام قليلة من الموافقة على التصدير. ويتساءل محللون في الوقت الراهن حول الأسباب التي تجعل الشركة تمتلك ترخيص تعدين رسمياً يخولها التصدير حسبما ذكرته الهيئة بعدن، رغم كون الشركة حاولت تمرير شحنة سابقاً حجمها 500 طن دون أن يكون لديها ترخيص، مشيرين إلى أن من المفترض عدم قبول التعامل مع شركة سبق وعمدت إلى القيام بخطوة مخالفة للقانون قبل سنوات. وحسب معلومات "بقش"، تمت محاولة تمرير تلك الشحنة غير المرخَّصة بعد عدة أشهر من توقيع اتفاقية في يناير 2021 بين هيئة المساحة الجيولوجية وشركة Guangdo الصينية، وشملت الاتفاقية قيام شركة الحصان الأسود باستكشاف تعدين لخام الرمال السوداء في منطقة #الريدة الشرقية، بتكلفة مليون دولار. من ناحية أخرى، كان المدير السابق لفرع الهيئة بحضرموت المهندس صلاح بابحير، قال في 2018 إنه تم منح "المركز الاقتصادي المصري" في 2013 ترخيصاً لـ"الاستكشاف الفلزي" في الرمال السوداء بمنطقة "#السفال - #ميفعة حضرموت" وإن المركز قام بدراسة وتقييم دراسة لشركة "هنتنج" البريطانية للهندسة ومشاريع الطاقة، بشأن جدوى الاستثمار في الرمال السوداء بالمنطقة، إلا أن المركز المصري قام في العام 2016 بتغيير رخصة الاستكشاف الفلزي إلى ترخيص استغلال صناعي بتاريخ 27 مايو 2016. وقد تم تصدير حمولة حجمها "1575 طناً" من خام الرمال السوداء إلى خارج اليمن على مرحلتين، الأولى تبلغ "980 طناً" بتاريخ 26 ديسمبر 2015، والثانية "595 طناً" بتاريخ 24 يناير 2016، بغرض إجراء تجارب واختبارات، إلا أن كمية الشحنة الضخمة تجاوزت المطلوب للفحص والاختبار وهو ما اعتُبر استغلالاً من قِبل المركز المصري وسط غياب دور فاعل للأجهزة الرسمية. ورغم تصدير تلك الكمية، لم يقدم الجانب المصري أي نتائج. وفي بداية الأمر قبلت الهيئة بتحويل الترخيص، لكنها في مطلع 2018 طالبت المركزَ المصري بتحويل الترخيص من صناعي إلى فلزي، باعتبار أن الرمال السوداء تحمل المعادن الثقيلة وتندرج ضمن الاستكشافات الفلزية، وقُرئ ذلك بأنه تخبُّط في قرارات الهيئة التي كانت قد وافقت على تحويل الترخيص، إلى جانب تلاعب المركز المصري وعدم التزامه بنصوص الاتفاقية. ويقول رجل الأعمال خالد عبدالواحد نعمان، وهو نائب مدير عام هيئة المساحة الجيولوجية خلال دولة جنوب اليمن، إنه تم في تلك الفترة فتح المجال للسوفييت للتنقيب عن الذهب والمعادن في الرمال، لكن أنشطتهم استمرت لـ"عشر سنوات عجاف" تم فيها "غَرْف" عشرات الأطنان وشحنها على بواخر إلى الاتحاد السوفيتي سابقاً، على أساس أنها عينات تكنولوجية، دون أن يعرف عنها أحد شيئاً ودون ظهور نتائج تلك العينات. وبعد الوحدة في 1990، دخل موضوع تمعدنات الذهب في "دورات من العمل الخفي" بتخويل مستثمرين محليين أو شركات إماراتية وقطرية، حتى دخلت التمعدنات في "نفق مظلم" إلى أن ظهر موضوع تصدير الرمال السوداء مؤخراً، وفقاً لنعمان. هذا ويُشار إلى أنه، في نوفمبر من العام الماضي 2023، بحثت السلطة المحلية مع شركة الحصان الأسود برئاسة مالك الشركة وينغ ديجنيغ ومديرها العام أشرف عماد، فرصَ الشركة في تصدير الرمال السوداء بمديرية بروم ميفع، وعمليات الحفر الاستكشافية، وإجراءات الاستثمار في التعدين، دون التطرق إلى أهمية استحداث مصنع للفصل الأولي للخام وتركيب مصنع لفرز المعادن الداخلة في خام الرمال السوداء.

المزيد من المقالات