خارطة طريق وتصعيد بحري ناري.. أين محل الاقتصاد اليمني من «البحر الأحمر»؟
الأخبار المحليةخارطة طريق وتصعيد بحري ناري.. أين محل الاقتصاد اليمني من «البحر الأحمر»؟

أنهى عام 2023 أيامه على وقع أحداث ساخنة تزداد غليانًا في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، وتمخّض عنها في ديسمبر الماضي تشكيل تحالف بحري دولي تقوده «واشنطن» تحت مبرر حماية الملاحة البحرية والتجارة العالمية من هذه الهجمات التي كررت سلطة صنعاء أنها لا تستهدف سوى السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل، وأنها لن تتوقف عن ضرباتها إلا بوقف القصف والحصار الإسرائيليين على قطاع «غزة» وإدخال ما يحتاجه القطاع من غذاء ودواء. الأحداث المتصاعدة في البحر الأحمر ألقت بظلالها على الواقع الاقتصادي اليمني، كما لم ينفصل عنها الحديثُ حول أنها ستؤثر سلباً على مفاوضات السلام الجارية التي يرصد «بقش» مستجداتها وما تشمله من ملفات اقتصادية وإنسانية حاسمة أبرزها صرف الرواتب، لكن لعل «الأمم المتحدة» حرصت على استباق أي تأثير محتمل للضربات البحرية على هذه المفاوضات، فقامت بإعلان «خارطة طريق» في اليمن في ديسمبر. خارطة طريق بوساطة سعودية عمانية في الثالث والعشرين من ديسمبر الماضي، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن مستجدات بشأن الجهود المبذولة للتوصل لـ«خارطة طريق» ترعاها الأمم المتحدة لإنهاء الحرب في اليمن، وذلك بعد سلسلة اجتماعات مع الأطراف في «الرياض» و«مسقط»، شملت رئيس مجلس عدن الرئاسي «رشاد العليمي»، ورئيس وفد صنعاء المفاوض «محمد عبدالسلام»، وقال المبعوث إن الأطراف توصلت للالتزام بمجموعة من التدابير تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وإجراءات لتحسين الظروف المعيشية في اليمن، والانخراط في استعدادات لاستئناف عملية سياسية جامعة برعاية أممية. خارطة الطريق تشمل، من بين عناصر أخرى، التزام الأطراف بتنفيذ وقف إطلاق النار على مستوى البلاد، و«دفع جميع رواتب القطاع العام»، واستئناف صادرات النفط التي أوقفتها قوات صنعاء في 02 أكتوبر 2022، وفتح الطرق في «تعز» وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على «مطار صنعاء» و«ميناء الحديدة». ستنشئ خارطة الطريق أيضاً آليات للتنفيذ وستعد لعملية سياسية يقودها اليمنيون برعاية الأمم المتحدة وفقاً لـ«غروندبرغ» الذي أشار إلى «السعودية» كوسيط في المفاوضات مع «سلطنة عمان». وقال المبعوث: «ثلاثون مليون يمني يراقبون وينتظرون أن تقود هذه الفرصة الجديدة لتحقيق نتائج ملموسة وللتقدم نحو سلام دائم. لقد اتخذت الأطراف خطوة هامة. إن التزامهم هو، أولاً وقبل كل شيء، هو التزام تجاه الشعب اليمني بالتقدم نحو مستقبل يلبي التطلعات المشروعة لجميع اليمنيين، ونحن على استعداد لمرافقتهم في كل خطوة على الطريق». مضت النقاشات على قدم وساق في مسقط من جهة، ومن جهة أخرى في الرياض التي نأت عن المشاركة العلنية في التحالف البحري الدولي بقيادة الولايات المتحدة لردع هجمات قوات صنعاء. تناولت التحليلات الدولية ذلك باعتباره يعبّر عن رغبة السعودية في الحفاظ على زخم النقاشات والتوصل إلى حل يضمن لها الخروج المنشود من اليمن والوصول مع سلطات صنعاء إلى طريق غير مسدود. حسب وكالة بلومبيرغ، فإن السعودية تتطلع إلى التوقيع على وقف دائم لإطلاق النار مع صنعاء لإنهاء الحرب، وليس من بين أولوياتها هي والإمارات إعادة فتح ملف الحرب ضد اليمن، وهو ما جعل الدولتين الخليجيتين بعيدتين عن إعلان المشاركة في التحالف البحري، علماً بأن واشنطن أجرت معهما محادثات بشأن تحرك عسكري قادم ضد قوات صنعاء. الاقتصاد المحلي في ضوء الهجمات قبالة السواحل اليمنية استُهدفت السفن الإسرائيلية أو التابعة لمشغلين أو رجال أعمال إسرائيليين، وفي ديسمبر صعَّدت «صنعاء» موقفها ليشمل الحظرُ البحري السفن المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة من أي جنسية كانت. ذلك جعل الدوائر السياسية العالمية ووسائل الإعلام الدولية، بما فيها الإسرائيلية، تتحدث عن «حصار يمني على إسرائيل». الاقتصاد المحلي لا ينفصل عن معطيات الواقع الدولي وما يشهده من قفزات في تكاليف الشحن والتأمين، والاقتصاديون القائلون بوجهة النظر هذه - والذين يطالبون قوات صنعاء بوقف الهجمات - يرون أن ارتفاع هذه التكاليف من شأنه أن يرفع أسعار المواد الأساسية في البلد الذي يعاني بالأساس من غلاء أسعار وتدهور حاد في الغذاء، والذي يعتمد بشكل أساسي على استيراد احتياجاته من الخارج. وبينما ينظر البعض إلى أن هذه الأحداث قد تدفع الدول الغربية الكبرى إلى تهميش مضيق «باب المندب» من خلال توجيه حركة النقل التجاري البحري لطرق بديلة مثل مشروع الطريق الرابط بين دول آسيا وأوروبا عبر البحر المتوسط وطريق رأس الرجاء الصالح، فإنّ البعض الآخر يرون عكس ذلك بحكم أن باب المندب الاستراتيجي يهيمن على أكثر من 10% من حجم التجارة العالمية، ولا غنى عنه ولا عن البحر الأحمر الذي يستمد أهميته الاستراتيجية من موقعه الجغرافي الذي يشمل الشرق الأوسط والقرن الأفريقي ومنطقة المحيط الهندي، كما أنه يتاخم منابع النفط الرئيسة في العالم. وتقول تقارير إن حركة الملاحة في الموانئ اليمنية تراجعت منذ بدء التوترات في البحر الأحمر في 19 نوفمبر، وكان ميناء عدن يشهد ركوداً منذ ما قبل هذا التوتر بسبب إضراب العمال. ونشرت مجلة «الإيكونوميست» البريطانية أن «هجمات الحوثيين تهدد اليمن بالجوع وليس إسرائيل». هذه الرؤية تبنتها أيضاً «حكومة عدن»، حيث قالت إن الهجمات لها «تداعيات كارثية على الاقتصاد الوطني»، ويمكن أن تتسبب في «ارتفاع كلفة التأمين على السفن الواصلة للموانئ اليمنية، وأسعار المواد الغذائية والاستهلاكية». وقالت «مؤسسة موانئ خليج عدن» إن رسوم التأمين البحري الذي تفرضه نوادي الحماية الملاحية على السفن والناقلات الواصلة إلى موانئ حكومة عدن، ارتفعت إلى 200%، عمّا كان عليه الوضع قبل الهجمات، معتبرةً أن ذلك سيضيف مزيداً من الأعباء على التجار اليمنيين وملاك البضائع، وسينعكس على المستهلكين، نتيجة ارتفاع أسعار السلع. وأشارت المؤسسة إلى أن وفداً من حكومة عدن أجرى مباحثات في «لندن» مع نوادي الحماية البريطانية، لاستكمال ترتيبات متعلقة بخفض كلفة التأمين المرتفعة، التي تشمل في مرحلة تنفيذها الأولى ميناء عدن، وتليها المرحلة الثانية التي ستشمل ميناء المكلا. لكن «حكومة صنعاء» من جانبها قللت من هذه التحذيرات، بل إنها قالت إن «ميناء الحديدة» - الذي يتصدر المشهد البحري المتوتر - يعمل بكامل طاقته التشغيلية، وإن ما تم تنفيذه من إجراءات بالميناء ساهم في الحد من الضغط الذي يواجهه. أكدت صنعاء أيضاً أن حركة سفن الحاويات التجارية وكافة السفن في البحر الأحمر سواء الواصلة إلى موانئ اليمن أو غيرها هي «في أمان تام»، مشيرةً إلى أن الحظر البحري يقتصر على السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل. وأدت الهجمات إلى توقيف كبرى شركات النقل والتجارة العالمية مرور سفنها في البحر الأحمر، أبرزها «ميرسك» الدنماركية، و«هاباغ لويد» الألمانية، و«إم إس سي» السويسرية، و«سي إم إيه سي جي إم» الفرنسية، و«يانغ مينغ» و«إيفرغرين» التايوانيتان، و«بريتش بتروليوم» البريطانية، و«يوروناف» البلجيكية، و«إتش إم إم» الكورية، و«أوشن نتورك إكسبرس» اليابانية، وثلاث شركات نرويجية هي «فرونت لاين» و«هوغ أوتولاينرز» و«غرام كار كاريرز». ومع عبور طرق بديلة تؤدي إلى تطويل مدة الرحلات وارتفاع كلفتها، تراجعت حركة المرور عبر البحر الأحمر بنسبة 35%، وازدادت تكاليف الشحن العالمي، وطرأت القفزات السعرية على الحاوية الواحدة. على سبيل المثال، رفعت شركة الشحن الفرنسية «CMA CGM» رسوم شحن الحاويات من آسيا إلى منطقة البحر المتوسط بما يصل إلى 100%، ليبلغ سعر الشحن بجميع أنواعه للحاوية التي يبلغ طولها 40 قدماً 6000 دولار، ارتفاعاً من 3000 دولار. كما أضافت شركة «ميرسك» 700 دولار للحاوية القياسية التي يبلغ طولها 20 قدماً والتي تسافر من الصين إلى شمال أوروبا. ومع تفاقم التوتر في المنطقة وتبادل الاتصالات القلقة بين الدول الغربية، وبعد أن أبدى مسؤولون أمريكيون استياءهم من تراخي إدارة بايدن عن الرد على «الحوثيين»، قامت «واشنطن» أخيراً بإنشاء التحالف البحري الدولي «حارس الازدهار» بالتنسيق مع الدول بما فيها إسرائيل التي لم تشارك في التحالف. إلا أن التحالف وُئد قبل أن تتشكل قَسَماته بشكل واضح وقبل أن يؤتي ثماره، حيث انسحبت إسبانيا وإيطاليا وفرنسا من التحالف قائلةً إن أي عمليات عسكرية يجب أن تتم تحت قيادة حلف الناتو وليس تحت قيادة الولايات المتحدة. لاحقاً تطورت التحركات الأمريكية إلى خطط لاستهداف قوات صنعاء في الداخل اليمني وضرب مواقع تابعة لهم، وهو ما حذرت منه الأخيرة قائلة إنها لن تتردد في مجابهة هذا التحالف في حال أراد التصعيد إلى حرب موسعة. فشل حكومي في وقف الجبايات غير الرسمية جنوب اليمن ترهق الجبايات اللامشروعة المواطنين في مناطق «حكومة عدن» الذين يعانون من ارتفاع الأسعار، وساد استنكار شعبي في ديسمبر الماضي ضد فرض قوات موالية للإمارات في منافذ مدينة عدن جبايات جديدة قدرها نصف مليون ريال على كل شاحنة صغيرة محملة بالمواد الغذائية القادمة من محافظة «أبين» إلى «عدن»، وهو ما زاد من ارتفاع مستوى الأسعار. على سبيل المثال وصل سعر كيلو الطماطم والبصل إلى 2000 ريال، وهو المستوى الأعلى لها تاريخياً. في الربع الأول من ديسمبر، عمَّم «المجلس الانتقالي» بوقف تحصيل الجبايات غير المشروعة في الخط الدولي بأبين، وفرض تنفيذ التعميم من قبل الوحدات العسكرية والأمنية والجهات المعنية بالسلطة المحلية، وسط انتشار نقاط التفتيش المطالبة بالجبايات خارج إطار القانون. ؤبعدها بنحو أسبوعين قالت المنسقية العامة في محافظة أبين إن أفراد النقاط لم تستجب للتوجيهات والقرارات الصادرة بشأن رفع نقاط الجبايات عن الطريق، ولا تزال تستفز سائقي الشاحنات وتحصّل منهم إجبارياً جبايات بسندات بتاريخ قديم. وطالبت المنسقية الجهات المختصة بحماية الطريق وقواطر البضائع التجارية من النقاط، وبأن تتحمل حكومة عدن المسؤولية إزاء أزمات المعيشة المتردية وتدهور العملة وارتفاع أسعار المواد الأساسية من غذاء ودواء ومشتقات نفطية. وفي الأيام الأخيرة لديسمبر، دعا رئيس المجلس الانتقالي إلى تحمل المسؤولية الجماعية أمام تردي الوضع الاقتصادي في عدن، وكذا وقف أي عمليات تحصيل لجبايات غير قانونية سواءً لجهات أو أشخاص. ووفقاً لرئيس اللجنة الخاصة برفع الجبايات بمحافظة أبين، الخضر السعيدي (عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي)، فإن من المفترض تنفيذ قرار صادر عن رئيس الانتقالي برفع الجبايات ومنعها في محافظات عدن ولحج والضالع ومن ثم شبوة بعد محافظة أبين.

المزيد من المقالات