بعد 17 يوماً من الصمت.. قناة السويس ترد رسمياً على ترامب برفض العبور المجاني

الاقتصاد العربي | بقش
في أول رد مصري رسمي، رفضت هيئة قناة السويس طلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن عبور السفن الأمريكية، التجارية والعسكرية، مجاناً من الممر المائي، وشددت على الالتزام بالقوانين المصرية، وأنه لا يمكن إعفاء أي سفينة من الرسوم، وأن القناة لم تتلق طلباً بذلك أصلاً.
الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، قال في تصريحات تابعها بقش، إنه لا وجود لأي امتيازات لأي دولة وفقاً للقانون، وإن أي تخفيض في رسوم عبور السفن من قناة السويس من باب الحوافز لزيادة الإيرادات، تستفيد منه كل سفن دول العالم وليس الولايات المتحدة فقط.
وأضاف: “مافيش سفن معفاة من رسوم العبور من المجرى الملاحي لقناة السويس، ولا يوجد عبور مجاني من قناة السويس”، مؤكداً: “حتى السفن المصرية لا تعبر مجاناً من القناة”، مشيراً إلى أن “اتفاقية القسطنطينية تمنع التمييز بين السفن.
وتسير حركة عبور السفن الأمريكية بشكل طبيعي بقناة السويس وفقاً للرسوم والإجراءات المتبعة مع كل السفن، حسب تصريحات ربيع.
واتفاقية القسطنطينية، لعام 1888م، هي اتفاقية تنص على أن تكون قناة السويس البحرية على الدوام حرة ومفتوحة سواء في وقت الحرب أو السلم، ولكل سفينة تجارية أو حربية دون تمييز لجنسيتها وفق مراجعة بقش.
الرسوم مقابل “الخدمات”.. وخطة لجذب السفن
بعد 17 يوماً من الصمت على تصريحات ترامب، التي قالها في 27 أبريل الماضي، أعلنت القناة رفضها المرور المجاني “لأن هناك خدمة يتم تقديمها، وإيرادات القناة يتم إنفاق قرابة نصفها على تطوير المجرى الملاحي وتقديم خدمات ملاحية”. وتعليقاً على احتمالات وجود منافسين لقناة السويس، قال ربيع إن “الجميع يعمل لمصلحته ونحن أيضا نعمل لمصلحتنا”.
وتستعد قناة السويس لبدء تطبيق تخفيضات جديدة في رسوم عبور السفن بنسبة 15% يوم الخميس المقبل، وذلك للحاويات الأكبر من 130 ألف طن، وهي الحاويات التي تتجنب العبور في القناة حالياً وتتجه إلى طريق رأس الرجاء الصالح. ووفق متابعة بقش للتصريحات، فقد اختارت قناة السويس هذا التوقيت لبدء تطبيق التخفيضات على رسوم العبور بالقناة، بسبب التهدئة في البحر الأحمر، وسعياً إلى جذب السفن التي ما زالت مترددة في العودة إلى العبور بالقناة، حيث إنه منذ شهر ديسمبر الماضي لا يوجد استهداف للسفن، كما أن هناك اتفاقاً حالياً بين الحوثيين والولايات المتحدة بعدم استهداف السفن بالبحر الأحمر، وفقاً لرئيس القناة.
وتابع بقوله إن الاتجاه إلى رأس الرجاء الصالح يُحمّل السفن مزيداً من الأعباء المالية والأمنية واللوجستية، بينما يتلاشى ذلك في قناة السويس، الأقصر مسافة والأقل تكلفة، لذا قررت الهيئة تقديم حافز أكبر بخفض إضافي في التكاليف على السفن، من خلال الخصم على رسوم العبور. وأكد: “السفن ستعود في وقت ما إلى العبور بالقناة، والهدف حالياً هو دفعها لاتخاذ القرار سريعاً الآن”.
ويتراوح عدد السفن المارة حالياً بقناة السويس بين 35 إلى 40 سفينة يومياً، في حين كان في السابق قبل الأزمة الراهنة يتراوح العدد بين 75 إلى 80 سفينة، وبالتالي فإن الانخفاض في العائد بالدولار يصل إلى 62%.
جدل شعبي وصمت رئاسي
كان ترامب قد صدم المصريين بتصريح له في 27 أبريل قال فيه إنه “يجب” السماح للسفن العسكرية والتجارية التابعة لأمريكا بالمرور عبر قناتي السويس وبنما مجاناً، من دون دفع أي رسوم، وأشار إلى أنه طلب من وزير الخارجية “ماركو روبيو” أن يتولى هذا الموضوع فوراً. وزعم ترامب أن هاتين القناتين ما كانتا لتُوجدا أصلاً لولا الولايات المتحدة الأمريكية.
وأثار ذلك استنكار الشعب المصري كون التصريح يتنصل عن أي مستحقات للقناة التي بناها المصريون منذ عام 1859 حتى افتتاحها عام 1869 في عهد “الخديوي إسماعيل”، وتدر على الاقتصاد المصري عوائد هامة من النقد الأجنبي باعتبارها أحد أهم موارد هذا النقد، وتمثل واحدة من أهم خمسة مصادر إيرادية للاقتصاد المصري، وبالتالي من أبرز موارد الموازنة المصرية، ويمر عبرها نحو 12% من حجم التجارة العالمية، وقرابة 30% من حركة الحاويات العالمية التي تنقل بضائع تتجاوز قيمتها تريليون دولار سنوياً، و7-10% من نقل النفط العالمي، وتعبر منها في المتوسط وفي الأوضاع العادية 50 سفينة يومياً تتراوح قيمتها بين 3 و9 مليارات دولار.
وضمن الجدل الواسع الذي أثاره تصريح ترامب، أكد خبراء ومختصون أن العبور دون دفع رسوم عبور يُعد مخالفةً للاتفاقيات الدولية وتعدياً على السيادة المصرية.
وقبل إعلان قناة السويس عن رفضها، بقي الرد المصري على ترامب ضمن النطاق الشعبي، ولم يرتقِ إلى الرد الرسمي من الرئاسة المصرية التي التزمت الصمت، فيما رد سياسيون وإعلاميون، مثل البرلماني مصطفى بكري الذي قال: “ترامب يقول لولا أمريكا ما كانت قناة السويس، بأمارة إيه ياعم الحاج؟ عندما حفر المصريون قناة السويس كانت أمريكا يادوب في الحضّانة”.
كما أصدرت أحزاب سياسية مصرية عدة بيانات إدانة لتصريحات ترامب، منها بيان لرئيس “حزب الوفد” عبد السند يمامة، أكد فيه أن قناة السويس “كانت وستظل ملكاً خالصاً للشعب المصري، وهي خاضعة للسيادة الوطنية الكاملة للدولة المصرية، ولا يجوز لأي جهة أو دولة التدخل في سياسات إدارتها أو تحديد رسوم عبورها، وفرض رسوم على مرور السفن عبر القناة يتم وفقاً لاتفاقيات دولية ومعايير اقتصادية عادلة، تخضع للقوانين المصرية والممارسات المعتمدة عالمياً، ولا تمييز في تطبيق هذه الرسوم بين الدول، التزاماً بمبادئ حرية الملاحة التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية القسطنطينية لعام 1888”.
وتشير تقديرات “صندوق النقد الدولي” التي اطلع عليها بقش إلى أن عدد السفن الأمريكية المارة في قناة السويس المصرية، تصل إلى ما بين 1000 و2000 سفينة سنوياً، وتمثل ما بين 5% و10% من إجمالي عدد السفن المارة، ما يعني أن الرسوم التي تدفعها السفن الأمريكية تتراوح بين 500 مليون إلى مليار دولار من إجمالي إيرادات القناة السنوية، وفي حال الموافقة على مطالب ترامب بالعبور مجاناً فإن الخسائر المالية لمصر ستكون كبيرة وواضحة نظراً لحجم العائد.
وجاءت تصريحات ترامب في وقت تواجه فيه قناة السويس خسائر مالية حادة يومياً، وسط تراجُع السفن المارة من البحر الأحمر وتجنُّب شركات الشحن العالمية العبور منه. وفي هذا الوضع الذي نجم عن استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، سجلت إيرادات قناة السويس في 2024 تراجعاً حاداً بنسبة 61% على أساس سنوي، محققةً 3.9 مليارات دولار، مقارنةً بنحو 10.2 مليارات دولار في عام 2023، إذ تراجع عدد السفن بنسبة 50% وانخفضت الحمولات بنسبة 66% في العام الماضي، مما مثّل “ركوداً” أدى إلى خسارة جزء مهم من عوائد الدولة المصرية.
واستمر عزوف شركات الشحن عن البحر الأحمر رغم تأكيد هيئة قناة السويس في أبريل الماضي على أن الوضع في البحر “أصبح آمناً” بعد توقف قوات صنعاء عن استهداف السفن، ودعت القناة شركات الملاحة العالمية للعودة إلى القناة مرة أخرى.
ورغم ذلك كله توقعت رئاسة هيئة قناة السويس الشهر الماضي ارتفاع إيرادات القناة بنحو 30% إلى 40% بحلول شهر يونيو 2025، وعودة الملاحة لطبيعتها في القناة بنهاية العام، وأشارت إلى أن شهر مارس 2025 شهد زيادة ملحوظة في الإيرادات وأعداد السفن المارة في القناة مع هدوء التوترات.