الاقتصاد اليمنيمنوعات
أخر الأخبار

آثار يمنية نادرة تُعرض للبيع في مزاد بريطاني وسط صمت حكومي وغياب للرقابة الدولية

الاقتصاد اليمني | بقش

تستعد دار “تايم لاين” البريطانية العريقة لتنظيم مزاد علني جديد بين 09 و17 سبتمبر المقبل، يُعرض فيه تسع قطع أثرية يمنية نادرة، تعود لفترات تتراوح بين القرن السادس قبل الميلاد والثاني الميلادي، وهو ما أثار موجة جديدة من القلق في الأوساط الثقافية اليمنية بشأن استمرار تهريب وبيع كنوز البلاد الأثرية في الخارج دون أي تحرك فعلي من الجهات المختصة في اليمن.

وبحسب متابعة مرصد “بقش”، فإن المعروضات تشمل تماثيل حجرية ورؤوس منحوتة وأوعية برونزية ولوحات فنية، بعضها موثق في المزادات الدولية منذ التسعينيات، بينما يُعرض البعض الآخر لأول مرة.

وقد أُدرجت غالبية هذه القطع في بيانات المزاد على أنها “مفحوصة” عبر قاعدة بيانات الإنتربول للأعمال الفنية المسروقة، لكن لم يتم التحقق من أصلها من قبل الجهات اليمنية المختصة، وهو ما يمثل ثغرة قانونية تُستغل لتسهيل بيعها.

وعاء برونزي مزخرف بالغريفون.. وغياب اليمن عن قاعدة بيانات الإنتربول

أبرز القطع المعروضة هي وعاء برونزي فريد، يعود على الأرجح إلى القرن الثالث قبل الميلاد، مزخرف بمشهد صيد يظهر فيه “غريفون” -الكائن الأسطوري المجنّح- وهو يهاجم وعلاً، مع رامي سهام في الخلف.

يحمل الوعاء نقوشاً بالخط المسند على حافته، ويعتقد أن أصله من اليمن، إلا أنه ظهر لاحقاً ضمن مجموعة ألمانية خاصة في السبعينيات، ثم انتقل إلى مجموعة بريطانية، وفقاً لما نشره موقع المزاد.

وبحسب المعلومات التي حصل عليها “بقش”، فإن هذا الوعاء، ورغم قيمته التاريخية، لم يكن مُدرجاً ضمن قاعدة بيانات الإنتربول إلا مؤخراً، بشهادة رقم 241324-12809 في حين لم تُسجّل الحكومات اليمنية المتعاقبة سوى قطعة واحدة فقط في قاعدة البيانات، رغم أن المئات من القطع اليمنية تباع سنوياً في المزادات العالمية.

تشمل المجموعة المعروضة أيضاً عدداً من الرؤوس المنحوتة من المرمر، من بينها رأس رجل ورأس امرأة يعودان إلى القرنين الرابع والثاني قبل الميلاد، تُظهر تفاصيل دقيقة في تقنيات النحت القديمة، بما في ذلك تجاويف العيون المعدة للتطعيم، والملامح الزاويّة التي ميزت النحت اليمني القديم.

وفي أبرز الملاحظات، يعرض المزاد تمثالاً أثرياً من البرونز يصور مشهداً حميمياً لرجل وامرأة، مع نقش بالمسند. ووفقاً للدكتور فيصل البارد (2024)، فإن هذا النوع من التماثيل يُصنف كـ”تقدمة نذرية تكفيرية توضع في المعابد”، في طقس ديني اعترافي فريد يوثق عمق البُعد الروحي لحضارات اليمن القديم.

متاهة الملكية والغياب القانوني: من متاحف لندن إلى مزادات إسكس

بحسب تتبع مرصد “بقش”، فقد تنقلت بعض القطع المعروضة بين أيدي عدد من الملاك الأوروبيين على مدى عقود. فعلى سبيل المثال، يُعرض رأس لرجل من المرمر، كان مملوكاً لرجل أعمال بريطاني مقيم في لندن منذ التسعينيات، ولم يتم الإبلاغ عن هذه القطعة لأي جهة يمنية رغم وضوح منشئها التاريخي.

كما توضح وثائق المزاد أن طاولة قرابين حجرية من القرن السادس قبل الميلاد، والمزينة بنقوش مدمجة بين الخط المسندي والفينيقي، تظهر لأول مرة في المزادات العالمية، وسط شكوك حول صحتها بسبب التداخل الغريب في النصوص.

رغم محاولات فردية نشطة، تبقى الاستجابة الرسمية لتسريب الآثار اليمنية دون المستوى. ويوجه ناشطون في مجال حماية الآثار نداءات متكررة للحكومة اليمنية للقيام بإجراءات عاجلة لتسجيل الآثار اليمنية المنهوبة في قواعد البيانات الدولية، وملاحقة المزادات التي تعرضها دون تصريح. ويعتبر مختصون أن استمرار بيع هذه القطع يُشكل إهانة لذاكرة اليمن، ويكشف هشاشة الدولة أمام عصابات التهريب الدولية.

وتعيد هذه المزادات إلى الواجهة تقارير سابقة نشرها “بقش”، من بينها تقارير تتناول بيع “ختم الإلكتروم الذهبي النادر”، و”رؤوس الثيران من بيحان”، و”تماثيل النذور الجنسية”، والتي توثق جميعها تسرب الآثار اليمنية إلى أسواق أوروبا وأمريكا، وسط تغاضٍ رسمي مثير للقلق.

بينما يشتد الصراع في اليمن على المستوى السياسي والعسكري، تتعرض ذاكرة البلاد لهجوم من نوع مختلف: سطو ممنهج على ماضيها وحضارتها. وبينما تُعرض آثار اليمن في صالات أنيقة ومضاءة بألوان باهظة في لندن ونيويورك، لا تزال المتاحف اليمنية مغلقة، أو منهوبة، أو مهدمة، أو منسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش