الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

أزمة الاقتصاد تتعمق.. صندوق النقد يوقف خطوات الحكومة اليمنية

الاقتصاد اليمني | بقش

لا يزال قرار “صندوق النقد الدولي” تعليق أنشطته في اليمن وتأجيل اجتماع مجلس إدارته المخصص لمناقشة مشاورات المادة الرابعة إلى أجل غير مسمى، يثير مخاوف داخلية قوية، وذلك بعد شهرين فقط من استئناف نشاطه في أكتوبر 2025، في مؤشر صارخ على هشاشة الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.

ويُنظر إلى قرار الصندوق على أنه جرس إنذار دولي يؤكد أن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن يتحقق دون استقرار سياسي وأمني كما قال رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، وأن حكومة عدن تواجه تحديات غير مسبوقة في إدارة اقتصادها ومؤسساتها، في وقت يتفاقم فيه الانقسام السياسي والعسكري على الأرض.

وكانت الشرارة المباشرة لتعليق أنشطة صندوق النقد هي الأحداث الأخيرة في محافظتي حضرموت والمهرة، حيث سيطرت القوات التابعة للمجلس الانتقالي على المحافظتين، ما تسبب في اضطراب واضح في السلطة المحلية وعمليات تحصيل الإيرادات العامة، وأثار مخاوف بشأن استقرار المؤسسات المالية والنقدية في البلاد.

واعتبر اقتصاديون تحدثوا لـ”بقش” أن القرار يُعد ضربة مباشرة لبرنامج الإصلاحات الاقتصادية الحكومية، حيث مثلت مشاورات المادة الرابعة مع صندوق النقد نافذة لتقييم الاقتصاد، وتشخيص الاختلالات الهيكلية، ووضع توصيات فنية لدعم استقرار الاقتصاد والعملة المحلية، وتعزيز ثقة المجتمع الدولي والمستثمرين، وفتح مسارات تمويل مستقبلية لمشاريع التنمية.

وفي تصريح لـ”بقش” قال الخبير الاقتصادي أحمد الحمادي إن “توقف نشاط صندوق النقد الدولي ليس مجرد تعليق للإصلاحات، بل يشير إلى فقدان الثقة الدولية في قدرة الحكومة على إدارة اقتصادها، وضمان حد أدنى من الاستقرار المالي والنقدي، والتحكم في مؤسسات الدولة، وهي الأمور التي باتت محل شك كبير بعد التطورات في المحافظات الشرقية”.

تعدد مراكز القرار يهدد الإصلاحات

في تصريحات صحفية تتبعها بقش، قال المستشار الاقتصادي في رئاسة الجمهورية، فارس النجار، إن الوضع الحالي تهديد مباشر لأي جهود إصلاح اقتصادي.

ورأى أن “أي إصلاحات اقتصادية لا تستقيم مع تعدد المرجعيات ومراكز القرار، وأي أحداث تشكل اضطراباً سياسياً، تعطي إشارات سلبية للمجتمع الدولي للدعم المقدم”.

ووفقاً للنجار، فإن الإجراءات المنفردة التي اتخذها المجلس الانتقالي تمثل خروجاً عن مبدأ الشراكة الحقيقية في اتخاذ القرارات الحتمية، لا سيما فيما يتعلق بتحركات القوات المسلحة، التي حسب قرار نقل السلطة محصورة بصلاحيات رئيس مجلس القيادة الرئاسي.

وأوضح النجار أن “أي إجراءات أحادية لا تحظى بتنسيق واسع مع الأشقاء في السعودية، قائدة تحالف دعم الشرعية، تجعلنا أمام مشكلة حقيقية ليس فقط على مستوى المانحين الدوليين، بل حتى على مستوى الشركاء والأصدقاء”.

وأكد النجار أن مستقبل الدعم الدولي مرتبط بتوحيد القرار السياسي والقدرة على إدارة مؤسسات الدولة بشكل متماسك، مشيراً إلى أن عدم ذلك سيزيد من عزلة اليمن اقتصادياً وسيضعف فرص الإصلاحات الناجحة.

ورغم التحديات، أبدى النجار تفاؤلاً محدوداً بإمكانية عودة صندوق النقد الدولي لممارسة أنشطته في اليمن بمجرد عودة الاستقرار السياسي، قائلاً إن قرارات الصندوق مبنية على الحالة الحالية للأزمة، وبمجرد أن تعود الأمور إلى الاستقرار بفعل الجهود الحكومية الجارية، سيعيد الصندوق النظر في قراره، ويستأنف الاجتماعات والمشاورات الخاصة بالمادة الرابعة، التي لم تتوقف بشكل نهائي.

ومن جانبه يرى الاقتصادي محمد علي قحطان أن القرار يعطل حركة حكومة عدن في مجال الإصلاحات الاقتصادية، محذراً من أن أي استمرار للوضع الحالي قد يعيد البلاد إلى مرحلة الانهيار الاقتصادي والإنساني التي سبق أن كانت قبل تنفيذ الإصلاحات، بما في ذلك التأثير على سعر صرف الريال اليمني.

لا اقتصاد بلا أمن

تشير التحليلات الاقتصادية إلى أن الاقتصاد اليمني لا يمكن فصله عن الاستقرار السياسي والأمني، فالدولة التي لا تستطيع فرض سيطرتها على مناطقها، وضبط السلاح خارج إطارها، لا يمكن الوثوق بها في تنفيذ سياسات مالية أو نقدية صعبة، أو فرض إصلاحات قد تصطدم بمراكز نفوذ قائمة.

ويضيف الخبراء أن توقف نشاط الصندوق يعكس تآكل الثقة الدولية بالقدرة الحكومية على إدارة الأزمات، وإظهار مؤسسات الدولة بمظهرها الضعيف أمام المجتمع الدولي، وهو ما يزيد من عزلة الاقتصاد ويقلص فرص الدعم الخارجي، بينما يبقى المواطن اليمني الحلقة الأضعف، حيث يواجه ارتفاع تكاليف المعيشة، وتدهور الخدمات الأساسية، وضغوطاً على دخله اليومي حسب قراءة بقش.

ويمثل تعليق صندوق النقد الدولي لأنشطته في اليمن انعكاساً واضحاً للتحديات المركبة التي تواجه الدولة، وسط هشاشة الاستقرار السياسي، وتعدد مراكز النفوذ، والانقسامات العسكرية، والقدرة المحدودة على إدارة الإصلاحات الاقتصادية.

ويُبرز القرار أن الطريق نحو الإصلاح الاقتصادي الشامل في اليمن لا يمكن أن يتحقق إلا بإعادة توحيد القرار السياسي، وضمان استقرار مؤسسات الدولة، واستعادة الثقة الدولية، قبل إعادة إطلاق أي برامج إصلاحية.

زر الذهاب إلى الأعلى