أزمة غاز منزلي خانقة تفاقم المعاناة اليومية في عدن وسط انهيار اقتصادي ومعيشي غير مسبوق

متابعات محلية | بقش
تعيش مدينة عدن فصولاً متكررة من الأزمات المعيشية التي لم تعد استثنائية بقدر ما أصبحت جزءاً من يوميات سكانها المنهكين، وفي أحدث صور الانهيار الخدمي والمعيشي، تواصلت أزمة الغاز المنزلي بوتيرة متصاعدة، مخلّفة طوابير لا تنتهي من المواطنين الباحثين عن أسطوانة غاز، في ظل غياب أي معالجات حقيقية من السلطات المحلية وتآكل مؤسسات الدولة الاقتصادية والخدمية.
لأسابيع، تقف عشرات الأسر أمام محطات تعبئة الغاز في عدن، في طوابير تبدأ منذ الفجر وتمتد لساعات، وسط اختناقات مرورية وتدافع متزايد يعكس حجم اليأس الشعبي، وبحسب متابعات مرصد بقش، فإن المشهد أمام محطة “العاصمة” بحي المنصورة، وغيرها من المحطات، لا يختلف كثيراً، ازدحام حاد، انقطاعات مستمرة للإمدادات، وبيع غير منتظم يترافق أحياناً مع تسعيرات غير رسمية تفوق الأسعار المحددة.
وبينما يحاول المواطنون تأمين الحد الأدنى من احتياجاتهم المنزلية، تتعالى أصوات المطالبات بضرورة تدخل مكتب وزارة النفط والسلطات المحلية لإعادة ضبط عملية التوزيع وتكثيف الرقابة على المحطات التي يُتهم بعضها بالمضاربة بالسوق أو تهريب الغاز إلى خارج المناطق السكنية.
لكن خلف أزمة الغاز تكمن أزمة أعمق بكثير، تتعلق بانهيار هيكلي في الاقتصاد المحلي، وتردٍّ معيشي غير مسبوق يطال كافة الجوانب اليومية للحياة في عدن، التي تعاني من أزمة مركّبة تتراوح بين الانهيار المالي، والانفلات الرقابي، وغياب سلطة مركزية قادرة على الإنقاذ.
وتظهر متابعات المرصد الاقتصادي “بقش” أن سعر صرف الريال اليمني في مدينة عدن صباح اليوم الأربعاء، 18 يونيو 2025، تجاوز إلى 2700 ريال مقابل الدولار الواحد، فيما تجاوز سعر الريال السعودي 700 ريال يمني، في مستوى وصف بـ”الكارثي وغير المسبوق منذ 10 سنوات”، واستمرار هذا الانهيار سيؤدي إلى ما يشبه الشلل الكامل في الحركة التجارية والخدمية.
وبحسب تصريح للخبير الاقتصادي “أحمد الحمادي” فإن الاقتصاد في عدن يتجه بخطى متسارعة نحو “الدولرة”، حيث أصبحت معظم التعاملات التجارية والسلعية تتم بالدولار أو الريال السعودي، في ظل فقدان الريال اليمني لقيمته الشرائية، ما أدى إلى انكماش حاد في قدرة المواطنين على تأمين احتياجاتهم الأساسية، ورفع أسعار المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية بنسبة فاقت 180% مقارنة بـ 2022.
وأفادت متابعات “بقش” أن أسعار أسطوانة الغاز المنزلي الرسمية تتراوح بين 7000 و7500 ريال يمني، إلا أن المواطنين في عدن غالباً ما يضطرون لشرائها بأسعار تصل إلى 12000 ريال، إما من السوق السوداء أو من بعض المحطات التي تفرض رسومًا إضافية بحجة ارتفاع تكاليف النقل والتوزيع.
ورغم أن عدن يُفترض أن تكون “نموذجاً للاستقرار الاقتصادي النسبي” مقارنة ببقية المحافظات، فإن الواقع يعكس عكس ذلك تماماً، مع استمرار انقطاعات التيار الكهربائي لساعات طويلة يومياً، وتدهور خدمات المياه، وتضخم غير منضبط في أسعار الوقود والسلع، يقابله غياب تام للرقابة المؤسسية أو أي سياسات إنقاذ اقتصادي.
وتشير البيانات الرسمية المتاحة إلى أن متوسط دخل الأسرة في عدن اليوم لا يتجاوز 60 ألف ريال يمني شهرياً، بينما يتطلب الحد الأدنى من الإنفاق الشهري لأسرة مكونة من خمسة أفراد نحو 350 ألف ريال، ما يؤكد حجم الفجوة التي تتسع يوماً بعد يوم بين الدخل والاحتياجات الأساسية.
هذه الأزمات المتراكمة دفعت عدداً من الخبراء الاقتصاديين اليمنيين، في ندوة حديثة نُظّمت في العاصمة الأردنية عمّان، إلى التحذير من أن اليمن، وعدن على وجه الخصوص، “تدخل مرحلة المجاعة الباردة”، أي المرحلة التي تتوفر فيها المواد في السوق، ولكن لا يستطيع السكان شراءها.
ووفق تقديرات “برنامج الغذاء العالمي”، فإن أكثر من 17 مليون يمني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما صنّف 1.8 مليون طفل في حالة سوء تغذية حاد، وهي أرقام مرشحة للارتفاع مع استمرار التدهور الاقتصادي وغياب حلول جذرية.
ومع كل هذا الانهيار، يواجه المواطن اليمني السؤال ذاته يومياً: كيف يمكنه النجاة في ظل اقتصاد يتهاوى، وخدمات تتفكك، وسلطة عاجزة عن وقف النزيف؟ أما الإجابة، فيبدو أنها لا تزال بعيدة المنال، في انتظار تفاهمات سياسية كبرى لم تنضج بعد.