تقارير
أخر الأخبار

أزمة وقود في روسيا.. ضربات الطائرات المسيّرة تشل التكرير وتُربك محطات البنزين

تقارير | بقش

تتسع اضطرابات سوق الوقود في روسيا مع توالي الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيّرة على المصافي ومحطات التصدير، ما خفّض معدلات التكرير في أيام ذروة الضربات بنحو الخُمس وأضعف الإمدادات المحلية من البنزين، بخاصة درجتي AI-92 وAI-95 الأكثر استهلاكاً.

ورغم بقاء فائض ملموس في الديزل، فإن إنتاج البنزين الروسي يكاد يطابق الطلب الداخلي، ما يجعل أي تعطل في المصافي يترجم سريعاً إلى نقص عند المضخات. مناطق الشرق الأقصى وشبه جزيرة القرم كانت أول من لمس العجز منذ أغسطس، قبل أن تظهر مشكلات مماثلة في حوض الفولغا وجنوب ووسط البلاد، وفق مصادر سوقية.

ويقول تجار تجزئة إن محطات الوقود المستقلة – التي تمثل قرابة 40% من السوق حجماً – تتحمل العبء الأكبر وفق اطلاع بقش، إذ لا تصلها كميات كافية مع تراجع التكرير، كما أن تكلفة التمويل المرتفعة تُصعّب بناء مخزون وقائي.

في المقابل، تظهر محطات الشركات النفطية المتكاملة رأسياً قدرة أعلى على تأمين الإمدادات داخل شبكاتها. وفي بيلغورود، أفادت موظفة بإغلاق محطة لعدم توافر البنزين، مع انقطاع مشابه في قرى مجاورة.

على المستوى الرسمي، وصفت سلطات محلية الاضطراب بـ“المؤقت” المرتبط بسلاسل الإمداد، لكن اتساع النطاق الجغرافي للنقص وتكراره يطرحان أسئلة أصعب بشأن استدامة المعروض إذا استمرت الهجمات بوتيرتها الحالية، خصوصاً أن ذروة الطلب الموسمية من المزارعين والسياحة تضغط تقليدياً على السوق في أواخر الصيف وبدايات الخريف.

ضغوط مزدوجة: تكرير مُعطَّل وتشديد تمويلي

تؤكد تقديرات صحفية دولية اطلع عليها بقش أن حملة المسيّرات الأوكرانية أصابت ما لا يقل عن 16 مصفاة من أصل 38 منذ أغسطس، وقيّدت أكثر من مليون برميل يومياً من طاقة التكرير، مع انخفاض معدلات التشغيل إلى ما دون 5 ملايين برميل يومياً – الأدنى منذ أبريل 2022 – في بعض الفترات. شملت الأهداف مجمّعات كبرى في ريازان وفولغوغراد وباشكورتوستان، وأدت حرائق وأضراراً بنيوية رفعت كلفة الإصلاح ووقت التوقف.

هذه الصدمة على جانب الإمداد ترافقت مع بيئة تمويلية مُقيِّدة: فبعد سلسلة رفعات في 2024/2025، خفّض “المركزي الروسي” سعر الفائدة إلى 17% في 12 سبتمبر، لكنه أبقاه بمستوى مشدد تاريخياً، ما يرفع كلفة رأس المال العامل لمحطات الوقود المستقلة ويحد من قدرتها على تكوين مخزونات.

ومع ندرة الكميات في السوق الفورية، تهبط أحجام المبيعات على بورصة بطرسبورغ للسلع (SPIMEX) وتكسر الأسعار قيماً قياسية للجملة، وفق متابعات صحفية روسية.

عملياً، لا تُسجَّل طوابير واسعة على المضخات حتى الآن، لكن نفاد درجات محددة بات متكرراً في مدن الأقاليم، ومع امتداد الاضطراب من الشرق الأقصى والقرم إلى الفولغا ووسط البلاد تتزايد مخاطر انتقاله إلى مراكز استهلاك أكبر إذا تعثّر إصلاح الوحدات المتضررة أو فُرضت صيانة قسرية طويلة.

أدوات التدخل: قيود على الصادرات و”أولوية للسوق المحلي”

على خط السياسات، لجأت الحكومة منذ الصيف إلى أداة مجرّبة: تشديد قيود تصدير البنزين (والديزل عند الحاجة) لزيادة المعروض المحلي واستقرار الأسعار الاجتماعية الحساسة. ومع اتساع النقص في أغسطس، مددت موسكو حظر تصدير البنزين حتى نهاية سبتمبر ولوّحت بإطالته إلى أكتوبر، فيما تُدرس قيود أطول أمداً على الديزل إذا تطلبت الظروف. كما سبق أن اقترحت هيئة مكافحة الاحتكار حظراً كاملاً لصادرات البنزين لمعالجة ارتفاعات الأسعار.

الرسالة الرسمية واضحة: “الإمداد المحلي أولاً”. لكن فاعلية هذه المقاربة مرهونة بقدرة المصافي على العودة السريعة بعد الضربات؛ فلو ظل جزء كبير من الطاقة خارج الخدمة، فإن شدّ الصادرات وحده قد لا يكفي لإعادة التوازن، وسيضغط في المقابل على إيرادات شركات التكرير ويحد من قدرتها على تمويل الإصلاح والتشغيل. كما أن اتساع خصومات خام الأورال وتقلّبات أقساط ديزل التصدير يزيد تعقيد معادلة الهوامش.

إقليمياً وخارجياً، انعكس الاضطراب في تكرير روسيا – ثاني أكبر مصدّر نفطي في العالم – على تدفقات الديزل، التي اقتربت من أدنى مستوياتها منذ 2020، ما رفع علاوات المخاطر في أسواق الاستيراد ودفع مستوردين كباراً مثل تركيا إلى زيادة مشتريات بديلة من الهند والسعودية. أي تشديد إضافي على صادرات المنتجات قد يغذي اتجاهاً صعودياً في علاوات الدستيلات عالمياً خلال الربع الرابع.

صورة أوسع: الاقتصاد تحت وطأة الحرب والعقوبات

رغم صمود مؤشرات روسية أمام العقوبات خلال عامي 2023–2024، تتراكم في 2025 آثار التآكل: تباطؤ نمو الائتمان الحقيقي، تبريد استهلاك الأسر مع فورة أسعار، وارتفاع حالات الإفلاس في قطاعات كثيفة الطاقة مثل الفحم. تضيف أزمة الوقود طبقة جديدة من المخاطر، إذ يمكن لارتفاع أسعار البنزين داخلياً – إن حدث – أن يمرر زيادات في تكاليف النقل والخدمات ويجد طريقه إلى تضخم أوسع.

قرار “المركزي” بالخفض إلى 17% أشار صراحة إلى بقاء مقاييس التضخم الأساسية أعلى 4% سنوياً وتَرسُّخ توقعات تضخمية مرتفعة حسب قراءة بقش، ما يحدّ من هامش التيسير.

عسكرياً، تؤكد كييف أنها ستواصل استهداف المصافي كـ“عقوبات بالنار” لتقليص عائدات الحرب وإجبار موسكو على كلفة دفاعية واقتصادية أعلى، فيما تُظهر موسكو استعداداً لاستخدام أدوات ضبط السوق – من الحظر إلى التسعير الضمني – للحفاظ على الاستقرار المحلي. في هذه المعادلة، يصبح زمن الإصلاح وفعالية الدفاع الجوي حول البنى التحتية النفطية متغيرين حاسمين لمسار السوق في الأسابيع المقبلة.

على المدى القريب، ستتوقف درجة التوتر عند المضخات على ثلاثة عوامل: سرعة إعادة تشغيل الوحدات المتضررة، واستمرار/انقطاع وتيرة الضربات، وحجم القيود على الصادرات. إن نجح مزيج الصيانة والقيود في زيادة المعروض بضعة نقاط مئوية فوق الطلب الموسمي، قد تتلاشى ظواهر النقص المتقطع في الأقاليم.

أما إذا ظلت معدلات التكرير مكبوحة قريباً من قاع ما بعد 2022، فستبقى محطات المستقلين الأكثر هشاشة، مع فجوة متسعة في توافر AI-92 وAI-95 بين المدن الكبرى والأطراف. بيانات بورصة بطرسبورغ في منتصف سبتمبر – انخفاض كميات A-92 المتداولة 21.7% إلى أدنى مستوى منذ 2023 – تعكس ضيقاً حقيقياً في السوق الفورية لا تُعالجه التطمينات وحدها.

خارجياً، ستبقى أسواق الديزل العالمية حساسة لأي تشديد روسي إضافي، في حين قد يظل خام الأورال مدعوماً بتوجيه مزيد من البراميل الخام للتصدير مع تعطل جزء من التكرير. وفي كل الأحوال، سيقرأ الشركاء الآسيويون – ولا سيما الهند والصين – إشارات الإمداد الروسي بدقة أكبر لإدارة محافظ الاستيراد بين الخام والمنتجات في الربع الأخير من العام.

اتساع نطاق النقص في البنزين داخل روسيا نتاج مباشر لضربات مسيّرات كفيلة بإزاحة 1 إلى 1.1 مليون برميل يومياً من طاقة التكرير في فترات، في اقتصاد داخلي يُطابق فيه إنتاج البنزين الطلب تقريباً. أدوات الدولة – من حظر الصادرات إلى توجيه الإمدادات – قد تُخفف الضغط، لكنها لا تُغني عن عنصر الزمن في إصلاح المصافي وحماية البنية التحتية. وإلى أن يحدث ذلك، يبقى شحّ درجات AI-92 وAI-95 في الأقاليم وارتفاع تكلفة التمويل عند 17% عاملين يكرّسان هشاشة السوق، مع انعكاسات محتملة على أسعار الوقود المحلية وعلاوات المنتجات المكررة عالمياً.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش