الاقتصاد اليمنيمقالات
أخر الأخبار

أسباب أزمة الريال اليمني | انهيار كبير يستمر ومطالب من عدن بالتوحيد النقدي

بقش

عمار خالد
10 فبراير 2025

بالتزامن مع توقف صرف رواتب العديد من الموظفين، يعاني المواطنون في عدن وباقي محافظات حكومة عدن من انهيار متسارع للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، بشكل يؤثر على أسعار السلع الأساسية التي تأخذ في الارتفاع وتحد من القدرة الشرائية للمواطنين.

سعر الصرف يشارف على ملامسة 2300 ريال مقابل الدولار الواحد، وهو ما يزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية التي تغيب الحكومة عن مشهدها، وتكتفي بالإعلان عن خطط إنقاذ اقتصادي غير واضحة المعالم والتفاصيل، ودون تحديد أطر زمنية أو تنفيذية.

أسباب الانهيار المحلية وحل توحيد العملة

يرى خبراء اقتصاديون أن أزمة ارتفاع سعر الصرف بمناطق الحكومة عائدة لأسباب محلية واضحة، فمهما كان الدولار الأمريكي مرتفعاً مؤخراً على مستوى العالم نتيجة الاقتصاد الأمريكي، فإن الواقع اليمني له أسبابه الخاصة نظراً لاستنزاف الموارد المالية الحكومية وعدم توريد كامل الإيرادات إلى بنك عدن المركزي، وإجراء مضاربات في القطاع المصرفي دون رقابة رسمية.

ويعتبر الخبير الاقتصادي ماجد الداعري، في تصريح مقتضب لـ”بقش”، أن انهيار الريال اليمني مستمر في مناطق الحكومة نتيجة لانهيار الاقتصاد الوطني برمّته.

ويؤكد أنه لا وجود لحلول للوضع الراهن إلا من خلال عدد من العوامل، أهمها عودة الدولة فعلياً وعودة مواردها، ووقف الحرب، وإنهاء انقسام السوق النقدي والمصرفي بين مناطق السلطتين، وتوحيد العملة اليمنية وإنهاء انقسامها.

الحكومة “فاسدة” ومركزي عدن يساهم في “المضاربة”

من جهته يرى الخبير والصحفي الاقتصادي رشيد الحداد، في حديث لـ”بقش”، أن انهيار الريال هو نتيجة لما يحدث في مناطق حكومة عدن، ويشرح: “أولاً هناك مضاربة مستمرة وسط انحسار الرقابة من جانب السلطات وانعدامها بشكل كلي من قطاع الرقابة من جانب بنك عدن المركزي، وشلل البنك الكلي يعود إلى عدم وجود رافعة حقيقية يتكئ عليها البنك في فرض سلطاته وقراراته وإجراءاته فيما يتعلق بالجانب الأمني وحماية السيولة وإدارتها في السوق”.

من جانب آخر، هناك تراجع كبير في الإقبال على مزادات بيع العملة الأجنبية التي يعقدها بنك عدن المركزي، مضيفاً أنه منذ بداية العام الجاري وصلت المبالغ المباعة إلى ما بين 120 و130 مليون دولار، ويأتي ضعف الإقبال رغم قرب دخول موسم الغذاء والكساء خلال فترة ما قبل شهر رمضان وعيد الفطر، أي الفترة التي يرتفع فيها الطلب على الدولار من قبل التجار والمستوردين والوسطاء.

كما أن أزمة الريال اليمني تتفاقم مع ارتفاع نفقات حكومة عدن، وكذلك استلام مسؤولي وموظفي الحكومة بالعملة الصعبة وهم في الخارج، وبعشرات الملايين من الدولارات شهرياً، إلى جانب النفقات الخارجية للسفارات والملحقيات التي تمارس عمليات فساد كبير جداً.

ووفقاً للحداد فإن الحكومة لا يمكنها السحب، أو ليس مسموحاً لها السحب من الودائع والمنح التي تقدمها لها السعودية. ويتم تخصيص هذه الودائع والمنح لتغطية فاتورة الاستيراد. ويتابع: “الحكومة ضالعة في سحب الدولار من الأسواق المحلية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الصرف”.

وفي حين تقوم الحكومة نفسها بشراء الدولار من السوق، فهي تشارك بشكل فعلي في تآكل قيمة الريال اليمني، ما يعني أن المضاربة تُدار من قبل بنك عدن المركزي نفسه، حيث يبيع الدولار بأسعار موازية لأسعار السوق السوداء أو مرتفعة قليلاً بهدف الحصول على أكبر مبلغ من السيولة المحلية.

إضافة إلى ذلك، يصف الحداد ترحيل الأموال بالعملة الصعبة إلى الخارج بأنه “تهريب” بمبالغ ضخمة من المطارات، مما يساهم في زيادة الوضع المالي سوءاً، مضيفاً أن قيادات عسكرية ضالعة في “عملية تهريب الأموال”.

تحرير استيراد الوقود وانهيار الصرف

إلى ذلك يعتقد الاقتصادي الدكتور علي المسبحي في منشور له على فيسبوك، أن قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية (في مارس 2017) كان كارثياً بامتياز وتسبب بأضرار على البلاد والمواطنين من خلال سحب العملة الصعبة من السوق واستمرار ارتفاع أسعار الصرف وفرض أسعار مرتفعة للمشتقات النفطية والحصول على وقود بجودة أقل وأحياناً مغشوشة.

وأصبح المورّد اليوم هو المتحكم بسوق المشتقات النفطية من خلال قدرته على التوريد لامتلاكه رأس المال اللازم للاستيراد حسب المسبحي، كما يصف بعض “الهوامير” بأنهم يتلاعبون في تعديل سعر فاتورة الشراء وبوليصة الشحن بالاتفاق مع الشركة المصدرة في السوق السوداء العالمية للحصول على أرباح سريعة وكبيرة، حسب اطلاع بقش.

وحتى بالاعتماد على بورصة الأسعار العالمية، قد يتم التلاعب بجودة ونوعية المشتقات النفطية ذات الجودة المنخفضة والحد الأدنى من المواصفات المطلوبة، أو من خلال خلط أنواع مختلفة من المشتقات للحصول على أنواع رديئة، وبالتالي الحصول على فارق أسعار هائلة قد تصل إلى مئات الملايين من الريالات.

ويؤكد على أن ما يحدث في سوق المشتقات النفطية من فوضى وتهريب بين المحافظات وغش وخلط المواد واختلاف الأسعار يعود في الأساس إلى قرار تحرير استيراد المشتقات النفطية، فمنذ ذلك القرار حتى اليوم ترتفع أسعار الصرف بشكل مستمر.

كما سُمح للقطاع الخاص بالتدخل والعبث فيه وارتفاع فاتورة الاستيراد سنوياً، حيث بلغ إجمالي قيمة المشتقات النفطية المستوردة في عام 2024 حوالي 3 مليارات دولار، وتسبب ذلك في شحة المعروض من العملة الصعبة في السوق، ما أدى إلى ارتفاع أسعار الصرف بشكل تصاعدي.

هذا ويستمر انهيار الريال اليمني في مناطق الحكومة دون حلول تلوح في الأفق، في الوقت الذي يتم فيه اتهام الحكومة، حتى من الأطراف المشاركة في السلطة مثل المجلس الانتقالي، بالفشل والفساد وعدم تحمل المسؤولية، إضافة إلى تجاهل الدول الداعمة للحكومة، السعودية و الإمارات، الواقع الاقتصادي المتدهور، رغم تكرار الحكومة دعوات تقديم الدعم لها، الأمر الذي يصفه اقتصاديون يعود إلى عدم جدوى تقديم الدعم الخليجي للحكومة المتهمة بالفساد وإهدار الأموال وعدم تحقيق أي تحسن.

وحتى إشعار آخر، تبقى الأزمات عنوان حياة اليمنيين في المناطق التي تشهد إضرابات شاملة عن العمل واحتجاجات متواصلة يومية ضد الحكومة والأوضاع المتردية وانقطاع الكهرباء وارتفاع الأسعار وانعدام جودة الخدمات وغياب سلطات جادة عن إنقاذ ما يمكنه إنقاذه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى