أخبار الشحن
أخر الأخبار

أسعار الناقلات تقترب من أعلى مستوياتها في عامين.. شحنات الغاز الأمريكية تشعل أسعار النقل البحري

أخبار الشحن | بقش

تشهد سوق شحن الغاز الطبيعي المُسال طفرة غير مسبوقة في الأسعار، بعدما دفع ارتفاع صادرات أمريكا الشمالية الطلب على الناقلات إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى قفزة حادة في تكلفة النقل عبر الأطلسي هي الأعلى منذ عام 2024. وتأتي هذه التطورات في وقت تتزايد فيه التوترات المتعلقة بأمن الطاقة العالمي، ومع استمرار تحول أوروبا نحو الغاز الأمريكي لتعويض التراجع في الإمدادات الروسية.

وتُظهر أحدث بيانات التتبع التي اطلع عليها بقش لدى وكالة بلومبيرغ، أن السوق التي أمضت معظم العام في حالة ركود سعري، تعيش اليوم انعطافة مفاجئة مع تضاؤل عدد السفن المتاحة وارتفاع المنافسة على الناقلات الحديثة عالية الكفاءة. هذا التحول دفع بالسعر الفوري لاستئجار ناقلة من الولايات المتحدة إلى أوروبا إلى الاقتراب من حاجز 100 ألف دولار يومياً.

ويرى محللون أن الطفرة الحالية هي نتيجة تداخل عوامل هيكلية: توسع مشاريع التسييل في الولايات المتحدة، انتعاش الطلب الأوروبي، وإعادة توجيه جزء من الأسطول نحو آسيا خلال الأشهر الماضية، الأمر الذي ترك فجوة حادة في المحيط الأطلسي. ومع ذلك، يُرجّح أن يوفر التدفق المرتقب لسفن جديدة درجة من التهدئة على المدى المتوسط.

ومع تضخم تكلفة النقل، يرتفع القلق بشأن اتساع الفجوة بين أسعار الغاز في آسيا وأوروبا، وهو ما قد يؤثر لاحقاً على نمط تدفقات الغاز الأمريكي ويخلق إعادة تموضع في تجارة الغاز العالمية خلال الأشهر المقبلة.

قفزة مفاجئة في الأسعار تعيد رسم مشهد الشحن البحري

سجلت أسعار استئجار ناقلات الغاز الطبيعي المُسال قفزة حادة خلال الأيام الماضية، بعدما صعد السعر الفوري للرحلة من الساحل الأمريكي إلى أوروبا بنسبة 19% ليصل إلى 98,250 دولاراً يومياً حسب قراءة بقش، وهو أعلى مستوى منذ يناير 2024، وفق بيانات “سبارك كوموديتيز”.

هذا الارتفاع المفاجئ يأتي بعد شهور من تراجع الأسعار إلى مستويات منخفضة، بسبب وفرة السفن في السوق وضعف الطلب الموسمي. إلا أن زيادة شحنات الغاز الأمريكي قلبت المعادلة تماماً، لتبرز من جديد أهمية قدرات النقل البحري في تحديد ديناميكيات السعر.

كما ارتفعت تكلفة النقل في المحيط الهادئ بنسبة 15% لتسجل أعلى مستوياتها منذ أكثر من عام، وهو ما يشير إلى أن التوترات لا تقتصر على الأطلسي فقط، بل تمتد إلى الشبكات البحرية التي تربط الأسواق الآسيوية والأمريكية.

ويرى مراقبون أن هذه القفزات السعرية قد تشكل مقدمة لمرحلة جديدة من عدم الاستقرار في سوق الشحن، خاصة مع اقتراب الشتاء وارتفاع استهلاك الغاز في أوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.

توسع الإنتاج الأمريكي يضغط على أسطول الناقلات

ارتفع إنتاج الغاز الأمريكي بشكل لافت خلال العام الحالي مع دخول مشاريع تسييل جديدة الخدمة، ما عزز تدفق الإمدادات نحو أوروبا وآسيا.

وتشير بيانات بلومبيرغ إلى أن متوسط صادرات الغاز المُسال خلال آخر 30 يوماً ارتفع بنحو 40% مقارنة ببداية العام وفق مراجعة بقش، ما أدى إلى زيادة الطلب على الناقلات.

هذا النمو الإنتاجي خلق فجوة بين حجم الإمدادات المتدفقة والقدرة الفعلية لأسطول الناقلات على الاستيعاب، خاصة أن جزءاً كبيراً من السفن كان قد غادر الأطلسي متجهاً نحو آسيا عندما كانت أسعار الشحن منخفضة في الربع الثاني من العام.

ومع تقلص المعروض من السفن في الأطلسي، ارتفعت المنافسة بين المشترين لاحتجاز الناقلات لفترات أطول، وهو ما أدى إلى تسارع الأسعار بصورة حادة. ففي إحدى الصفقات، جرى حجز ناقلة لرحلة ديسمبر مقابل قرابة 100 ألف دولار يومياً.

هذه الضغوط تكشف الهيكل الهش لسوق الشحن البحري، حيث تكفي زيادة بسيطة في المعروض أو نقص محدود في عدد السفن لخلق اضطراب واسع في الأسعار.

أسعار الشحن تخلق فجوة جديدة بين أسواق آسيا وأوروبا

الارتفاع السريع في تكلفة النقل سيؤثر مباشرة على علاقة التسعير بين الغاز الآسيوي ونظيره الأوروبي، إذ تصبح تكلفة شحن الغاز الأمريكي إلى آسيا أعلى بكثير مقارنة بأوروبا، ما قد يدفع الشحنات إلى التركز غرباً خلال الأسابيع المقبلة.

هذه الفجوة قد تُربك الحسابات التجارية للشركات الكبرى، خاصة تلك التي تعتمد على فرص المراجحة (Arbitrage) بين المنطقتين. فكل ارتفاع بمقدار 10 آلاف دولار في سعر الشحن يكلف المشتري ملايين الدولارات في الرحلة الواحدة، ما يجعل قرارات التحميل أكثر تعقيداً.

وفي ظل هذا الاختلال، بدأت بعض الشركات في إعادة توجيه سفنها من آسيا نحو الأطلسي لتعويض نقص الناقلات، ما أدى بدوره إلى مزيد من ضغوط الشحن في المحيط الهادئ. هي حلقة متكررة تتغذى على نفسها: كلما ارتفعت الأسعار في منطقة، زادت الضغوط في المنطقة الأخرى.

ويرجح محللون أن استمرار الضغوط قد يدفع شركات أوروبية وآسيوية لإعادة التفاوض حول مواعيد التسليم وأسعار العقود قصيرة الأجل، ما يضيف قدراً من الاضطراب على تجارة الغاز العالمية خلال ذروة موسم الشتاء.

دفعات السفن الجديدة قد تخفف الأزمة… لكن ليس الآن

تشير التوقعات إلى أن وتيرة تسليم السفن الجديدة سترتفع خلال 2026 و2027، في ظل طلبات شراء ضخمة من شركات الطاقة العالمية التي تسعى لتوسيع أساطيلها وفق اطلاع بقش. هذا التدفق المرتقب يُفترض أن يساهم في خفض الأسعار وضبط التوازن بين العرض والطلب.

مع ذلك، يرى محللو “بلومبيرغ إن إي إف” أن الأزمة الحالية قد بلغت ذروتها بالفعل، وأن فرص تسجيل مستويات قياسية جديدة تبدو محدودة، رغم استمرار الضغط في المدى القريب. فالسوق، وإن كانت متوترة الآن، ستتلقى خلال السنوات القادمة دفعات من الناقلات الحديثة ذات السعات الكبرى.

لكن التسليم المتوقع للسفن لن ينعكس فوراً على السوق الحالية. فعملية دخول السفن الجديدة الخدمة تحتاج إلى تجهيزات تقنية واتفاقيات تشغيل، ما يعني أن أثرها الحقيقي لن يظهر قبل عدة فصول.

كما أن ارتفاع الطلب على الغاز الأمريكي، وعودة بعض الأساطيل للعمل في آسيا، قد يبقيان الأسعار فوق متوسطات ما قبل 2024 حتى يستقر ميزان العرض والطلب بشكل أكبر.

تكشف القفزة المفاجئة في أسعار نقل الغاز المسال عن هشاشة متجذرة في بنية الشحن البحري العالمي، حيث تُظهر السوق مرة أخرى أن سلاسل التوريد لا تزال معرضة لاضطرابات حادة بمجرد تحرك الإنتاج أو الطلب في اتجاه غير متوقع. فالزيادة الكبيرة في صادرات الغاز الأمريكية اصطدمت بقدرة محدودة للنقل، ما خلق اختناقاً سريعاً في الأطلسي.

اقتصادياً، يرفع هذا الارتفاع من تكاليف الاستيراد الأوروبية والآسيوية، وقد يعيد تشكيل مسارات شحن الغاز خلال الفترة القادمة، كما يُفاقم اتساع الفجوة السعرية بين مناطق العالم، ما قد يقود إلى إعادة توازن جديدة بين أسواق الشرق والغرب.

ويبقى مستقبل الأسعار مرتبطاً بمدى وصول دفعات السفن الجديدة، وبإيقاع الإنتاج الأمريكي، وبالتقلبات الجيوسياسية التي لا تزال تفرض نفسها على تجارة الطاقة العالمية. وحتى يتحقق توازن جديد، تبدو أسواق الغاز مُقبلة على فصل مليء بالتقلبات والضغوط على شركات الاستيراد والمستهلكين على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى