الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

أوكرانيا تلجأ لـ”تكتيكات الحوثيين” البحرية.. هكذا غيّر البحر الأحمر معادلة الممرات الدولية

الاقتصاد العالمي | بقش

في تطور يسلط الضوء على تغير طبيعة الصراعات البحرية حول العالم، أعلنت أجهزة الأمن الأوكرانية مسؤوليتها عن هجمات بطائرات بدون طيار استهدفت ناقلات النفط كايروس وفيرات التابعة لما يُعرف بـ “الأسطول المظلم” الروسي.

ووقعت هذه الهجمات في 28 نوفمبر الماضي، في البحر الأسود قبالة السواحل التركية، وظهرت تفاصيلها عبر مقاطع فيديو تابعها “بقش” على منصات التواصل، تُظهر طائرات مسيّرة بحرية وهي تقترب من الهيكل السفلي للسفن قبل وقوع انفجارات قوية.

وذكرت شبكة CNN الأمريكية نقلاً عن مصدر أمني أوكراني، أنّ العملية نُفّذت بالتعاون بين جهاز الأمن الأوكراني والبحرية، وأن الناقلتين كانتا فارغتين وقت الهجوم.

ويشير تقرير اطلع عليه “بقش” لموقع Seatrade Maritime، إلى فكرة أن أوكرانيا “تتبنّى تكتيكات مشابهة لتلك التي يستخدمها الحوثيون” في البحر الأحمر خلال العامين الماضيين.

السفن المستهدفة

سفينة فيرات (Ferat) هي ناقلة من فئة أفراماكس، وبُنيت عام 2018، وتُديرها شركة Glory Shipping بهونغ كونغ، وهي حسب اطلاع بقش على البيانات مدرجة على قوائم عقوبات متعددة، أمريكية وبريطانية.

أما سفينة كايروس (Kairos) فبُنيت عام 2002، وتحمل العلم الغامبي، وتملكها وتديرها شركة Alavia Trading، ومُصنّفة لدى السجل الروسي للشحن، ومدرجة على قائمة عقوبات بريطانيا والاتحاد الأوروبي. وأظهر الفيديو اندلاع حريق كبير على سطحها، وأُجلي الطاقم بالكامل (25 فرداً).

تشبيه له دلالته

تشبيه تكتيكات كييف بتلك التي للحوثيين يحمل رسائل استراتيجية تتجاوز الحدث، فوفقاً للتحليلات أصبح الحوثيون نموذجاً عالمياً لحرب الممرات البحرية، وخلال العامين الماضيين، نفذوا سلسلة هجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر مرتبطة بإسرائيل والخطوط الملاحية الإسرائيلية.

وتشمل تكتيكات الحوثيين المسيّرات والزوارق المفخخة ذاتية القيادة، والصواريخ المضادة للسفن بعيدة المدى. ووُصفت المعدات العسكرية التابعة لهم بأنه رخيصة التكلفة، وعالية الأثر، وصعبة الإحباط.

ويعني تقريب الأسلوب الأوكراني من أسلوب الحوثيين أن نموذج السلطة الحاكمة في صنعاء يقترب من كونه بات منهجاً في الحرب البحرية غير المتكافئة، إذ إن الدول غير القادرة على مجاراة القوى البحرية الكبرى تلجأ لهذا النوع من التخطيط وفقاً للتحليلات.

ويؤكد الهجوم الأوكراني أن كييف تريد توسيع نطاق الاستنزاف ضد روسيا، ليس فقط تدمير مستودعات ومطارات ومصانع، بل ضرب مصادر التمويل النفطية التي تعتمد عليها موسكو.

كما أن التقرير يحمل فكرة مفادها فعالية تكتيكات الحوثيين، وقدرتها على اختراق أنظمة الدفاع، وهو تطور مثير للقلق لدى القوى البحرية الكبرى.

كما أن ذلك يغير قواعد اللعبة في البحر الأسود، فحتى وقت قريب، كانت الهجمات الأوكرانية تستهدف سفناً عسكرية وموانئ وقواعد بحرية روسية، أما الآن فهي تستهدف سفن “الأسطول المظلم”، أي السفن التي تستخدمها روسيا للالتفاف على العقوبات لنقل النفط.

والأسطول المظلم مصطلح يستخدم لوصف
سفن قديمة، غالباً متهالكة، تحمل أعلاماً غامضة (غامبيا، سيشل، تنزانيا على سبيل المثال) وتتنقل بين موانئ صغيرة، وتحمل النفط الروسي بعيداً عن أنظمة التتبع الرسمية، التفافاً على عقوبات أوروبا والولايات المتحدة.

واستهداف هذه السفن يعني ضرب واحدة من أهم قنوات التمويل الروسية، وتعريض شركات “الظل” التي تعمل مع موسكو لضغوط إضافية، ونقل الحرب الاقتصادية من العقوبات على اليابسة إلى الاستهداف المباشر في البحر.

وحتى لو كانت الناقلات “دولية الظل”، إلا أن استهداف ناقلات نفط في البحر الأسود قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار التأمين البحري، وقد يرفع أسعار النفط عالمياً، وقد يشجع روسيا على الرد عبر ممرات أخرى (كالقطب الشمالي أو بحر البلطيق).

ويوسع ذلك نطاق الحرب خارج الأراضي الأوكرانية، إذ إن الهجوم حدث قبالة تركيا، وليس قرب الساحل الأوكراني، ما يشير إلى أن كييف تلجأ إلى قدرات بحرية بعيدة المدى.

ووقوع الهجمات قرب السواحل التركية يضع أنقرة أمام أسئلة حساسة، من قَبيل: هل يدخل البحر الأسود مرحلة “يمننة”؟ وهل ستُجبر تركيا على اتخاذ إجراءات جديدة لحماية الملاحة؟

نهاية السيطرة البحرية التقليدية

سفن بمليارات الدولارات باتت مهددة من قارب مسيّر لا تتجاوز تكلفته 20 إلى 30 ألف دولار، ومن طائرة مسيرة بحرية لا تحمل طياراً ولا تحتاج إلى ميناء.

وترى تحليلات تابعها بقش أن الهجمات البحرية لم تعد عسكرية فقط، بل أصبحت مالية وتستهدف التمويل والنقل والتجارة.

هذا وتتحول ممرات الطاقة إلى ساحات معركة، من البحر الأحمر إلى الخليج العربي إلى المتوسط إلى البحر الأسود (الهجمات الأوكرانية)، بينما يدخل الأمن البحري الدولي مرحلة من الفوضى المنظمة، إذ إن كل ممر بحري من الممكن أن يصبح ساحة حرب، وكل ناقلة قد تتحول إلى هدف.

وقد ترفع شركات التأمين أسعارها أو ترفض تغطية السفن، ما يؤدي إلى انخفاض صادرات النفط وارتفاع أسعار النفط عالمياً، مع تراجع إيرادات الشركات المرتبطة بالأسطول المظلم.

وحسب قراءة بقش، فإن الهجوم الأوكراني المستنسخ من تجربة الحوثيين قد يُغري دولاً أخرى أو جماعات مسلحة باستنساخ التجربة أيضاً.

بالنتيجة، يشير تبنّي كييف تكتيكات الحوثيين لأول مرة في أوروبا إلى أن المسيّرات البحرية ربما أصبحت السلاح الأهم في القرن الحادي والعشرين، وأن الصراع بين روسيا وأوكرانيا يتجه نحو استهداف “شرايين الطاقة” وليس فقط المنشآت العسكرية، وهو ما يُعتبر تدشيناً لمرحلة جديدة تتمثل في تفكك هيمنة القوى الكبرى على البحار، وصعود أدوات قتال جديدة مؤثرة ومنخفضة التكلفة، وتهز ميزان الطاقة العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى