تقارير
أخر الأخبار

اتفاق إطلاق النار لم يفعل شيئاً في غزة.. الوضع الإنساني والاقتصادي يزداد سوءاً

تقارير | بقش

في اليوم الـ26 من بدء اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، يواصل الاحتلال خرق اتفاق الهدنة من خلال القصف المدفعي المكثف والغارات، ويشهد القطاع أزمة غذائية وبيئية وصحية خطيرة تتبَّع مرصد “بقش” تفاصيلها المؤلمة.

فالقطاع يمر بأزمة إنسانية متفاقمة لم تهدأ مع وقف إطلاق النار، إذ لم تتحسن الظروف الإنسانية بشكل ملموس، وتواجه المنظمات الإغاثية صعوبات بالغة في إيصال المساعدات مع استمرار غلق المعابر، وتستمر أعداد كبيرة من السكان في العيش تحت خط الفقر وفي خيام مهترئة، بينما تزداد أزمة المياه والصرف الصحي حدة مع اقتراب فصل الشتاء.

الوضع الإنساني والغذائي

تشير تقارير منظمات الإغاثة الإنسانية التي طالعها بقش إلى أن نصف السكان في غزة يعانون من الجوع المستمر، إذ لا تصل سوى نسبة قليلة من الإمدادات الغذائية والمأوى إلى القطاع.

برنامج الأغذية العالمي أكد أن نصف الكمية المطلوبة فقط من المواد الغذائية تدخل القطاع، في حين ترى المنظمات الفلسطينية أن حجم المساعدات الإجمالي لا يتجاوز ربع إلى ثلث الكمية المتوقعة.

ومع اقتراب فصل الشتاء، تزداد معاناة النازحين في الخيام القديمة والمهترئة، والتي قد لا تصمد أمام الظروف الجوية القاسية. كما أن النقص المستمر في الوقود، بما في ذلك غاز الطهي، يجعل حوالي 60% من السكان يضطرون لطهي الطعام باستخدام حرق النفايات، مما يزيد من المخاطر الصحية.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، فإن حوالي 10% من الأطفال الذين يتم فحصهم في غزة يعانون من سوء التغذية الحاد، بانخفاض طفيف من 14% في سبتمبر حسب مراجعة بقش، فيما يعاني أكثر من ألف طفل من أشد أشكال سوء التغذية.

وبينما تتلقى بعض الأسر وجبتين في اليوم فقط بعد زيادة تدفق المساعدات، لا تزال الفجوة كبيرة بين شمال القطاع، حيث الظروف أسوأ بكثير، وجنوبه.

برنامج الأغذية العالمي أكد أن الوضع في غزة هو “سباق مع الزمن”، وأن هناك حاجة للوصول الكامل إلى جميع مناطق القطاع لتلبية الاحتياجات الهائلة، والتي تشمل مجموعة متنوعة من المواد الغذائية الضرورية لمواجهة سوء التغذية، بما في ذلك اللحوم والخضروات والبيض، والتي لا يحصل عليها السكان إلا نادراً.

أزمة صحية وبيئية

تواجه مستشفيات القطاع وضعاً كارثياً، حيث وصلت نسبة إشغال الأسرة إلى 225% بسبب نقص الإمدادات الطبية والمستلزمات الضرورية. هذا النقص يجعل المستشفيات عاجزة عن تقديم الحد الأدنى من الرعاية الصحية للجرحى والمرضى، في ظل تكدس مئات الحالات يومياً.

وفي اليوم الخامس والعشرين من وقف إطلاق النار، تفاقمت الأزمة البيئية والصحية نتيجة تدفق مياه الصرف الصحي في الشوارع والمنازل المدمرة، مما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض بين النازحين، خصوصاً في الخيام المكتظة.

ويحدث ذلك بينما بدأت الولايات المتحدة تحركاً في مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرار بتشكيل قوة دولية ذات صلاحيات واسعة في غزة، ضمن خطة ما بعد الحرب، في حين أبدت واشنطن قلقها من تكرار حوادث قد تؤدي لانهيار الاتفاق في مناطق سيطرة الجيش الإسرائيلي.

القيود الإسرائيلية على المساعدات مستمرة

تقارير دولية وإسرائيلية أيضاً، مثل تقرير لصحيفة هآرتس اطلع عليه بقش، أكدت على إجراء إسرائيلي جديد يُلزم المنظمات الإنسانية بتقديم تفاصيل شاملة عن موظفيها وعائلاتهم، مع صلاحيات واسعة لوزارة الشتات لرفض طلبات دخول أي منظمة.

هذه الإجراءات أجبرت عشرات المنظمات على وقف أنشطتها، مما أدى إلى بقاء آلاف الأطنان من المواد الغذائية ومعدات الإغاثة خارج غزة.

برنامج الأغذية العالمي طالب بفتح جميع المعابر لتوسيع نطاق العمليات الإنسانية، مشيراً إلى أن المعابر الحالية المحدودة، وعددها معبران فقط، لا يكفي لتلبية احتياجات حوالي 1.6 مليون شخص.

وتمنع قيود الدخول المنظمات من شراء المعدات أو نقلها، وتعرقل وصول المساعدات بشكل كبير.

وتتضمن الأسباب الإسرائيلية مزاعم حول دعم المنظمات لمحاكمة مواطنين إسرائيليين دولياً، أو نشر دعوات للمقاطعة، أو معارضة الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية. وهذه السياسات تزيد من صعوبة إيصال المساعدات الضرورية للسكان، وتفاقم الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة.

هذا وتسعى حكومة نتنياهو بكل الطرق، إلى إعاقة دور مركز التنسيق المدني العسكري الذي يتم تشكيله حالياً للإشراف على وقف إطلاق النار في غزة، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، والمساعدة على استقرار الإدارة في القطاع في مرحلة ما بعد الحرب، وإقامة وضع جديد يسمح بالبدء في إعادة البناء وإعمار ما دمّرته حرب الإبادة، وفق شروط تسمح بعودة أهالي غزة إلى ممارسة الحياة الإنسانية التي يستحقونها.

وترى الحكومة الإسرائيلية أن لديها فرصة كبيرة لتشكيل الدور الذي يقوم به المركز وفق ما تهوى، ويتضح ذلك في عدة مجالات منها، تحديد الأولويات، بتقديم مهمة نزع سلاح حماس، وجعل قطاع غزة منطقة منزوعة السلاح، والتدخل في تحديد جنسية القوات، التي يمكن أن تشارك في قوة تحقيق الاستقرار في القطاع، وتحديد ما يتم السماح بإدخاله من المساعدات الإنسانية إلى غزة كماً وكيفاً.

ذلك يعني سعي إسرائيل إلى مصادرة الدور الذي يجب أن يقوم به مركز التنسيق، كما حدده اتفاق شرم الشيخ، في حين يستمر التخاذل العربي عن تقديم المساعدة كما ينبغي للقطاع المحاصر.

ورغم إعلان الهدنة، يواصل الجيش الإسرائيلي خرق اتفاق وقف إطلاق النار بتنفيذ غارات جوية وقصف مدفعي وعمليات نسف في مناطق متعددة شرق مدينتي خان يونس وغزة، بما في ذلك بلدة بني سهيلا وشرقي مدينة رفح وفق متابعات بقش، وهذه الخروقات تؤدي إلى تفاقم المعاناة الإنسانية وتعقيد جهود الإغاثة.

وضع معيشي صعب

يعاني سكان غزة من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية، مع اعتماد جزء كبير من السكان على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، وسط انعدام الكهرباء والمياه والصرف الصحي، مما يزيد من تكلفة المعيشة ويعقد جهود إعادة تأهيل الأسواق.

وتُقدِّر الأمم المتحدة كلفة إعادة إعمار غزة بنحو 70 مليار دولار، فيما لا تزال البنى التحتية المدنية مدمرة بنسبة 90%، ويعكس هذا التدمير حجم الأزمة الإنسانية المستمرة منذ الحرب، والتي تؤثر على ملايين الفلسطينيين وتستنزف موارد القطاع بشكل غير مسبوق.

ويظل القطاع يواجه أزمة إنسانية معقدة ومتعددة الأبعاد تشمل الغذاء، الصحة، المياه، المأوى، والوقود، بينما القيود الإسرائيلية على دخول المساعدات الإنسانية وخروقات الهدنة العسكرية والضغوط الاقتصادية، تجعل من الصعب على المنظمات الدولية تلبية احتياجات السكان.

ويتطلب الوضع الراهن تحركاً دولياً عاجلاً لفتح المعابر وتوفير المساعدات الغذائية والطبية الأساسية، مع ضمان استقرار البنية التحتية وإعادة تأهيل الخدمات الحيوية قبل حلول الشتاء، لتجنب كارثة إنسانية قد تكون الأكبر في تاريخ القطاع.

زر الذهاب إلى الأعلى