تقارير
أخر الأخبار

استثمارات ترامب في سوق السندات: قراءة في أكبر تحركات مالية لرئيس أمريكي خلال ولايته

تقارير | بقش

أثارت الإفصاحات المالية الصادرة عن مكتب أخلاقيات الحكومة الأمريكية اهتماماً واسعاً بعد أن كشفت عن قيام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشراء ما لا يقل عن 82 مليون دولار من سندات الشركات والبلديات خلال الفترة الممتدة من أواخر أغسطس حتى أوائل أكتوبر.

البيانات، التي جاءت بموجب قانون الأخلاقيات في الحكومة لعام 1978، لم تُظهر الأرقام الدقيقة لكل عملية، لكنها كشفت حجم التحركات المالية التي أجراها الرئيس خلال فترة قصيرة، فيما تجاوزت القيمة القصوى للمشتريات 337 مليون دولار.

ورغم تأكيد ترامب سابقاً أنه وضع أعماله في صندوق ائتماني يُشرف عليه أبناؤه، أعادت هذه الإفصاحات الجدل حول حدود الفصل بين منصبه العام ومصالحه الاقتصادية الخاصة، خصوصاً وأن بعض القطاعات التي استثمر فيها استفادت مباشرة من سياسات إدارته. ومن جديد، برزت تساؤلات حول تضارب المصالح الذي طغى على فترة وجوده في البيت الأبيض.

وتأتي هذه التحركات في وقت تتقلب فيه الأسواق الأمريكية والعالمية تحت ضغط ارتفاع الفائدة، وتزايد القلق الجيوسياسي، ما يجعل السندات ملاذاً آمناً للمستثمرين. وفي ظل هذا الواقع، يبدو أن ترامب أعاد توجيه جزء كبير من ثروته إلى أصول ثابتة، في خطوة تثير أسئلة سياسية واقتصادية عميقة.

استثمارات واسعة النطاق: تفاصيل عمليات شراء السندات

تكشف الإفصاحات التي تابعها بقش أن ترامب نفّذ أكثر من 175 عملية شراء خلال 36 يوماً، وهو رقم لافت يعكس نشاطاً مكثفاً لتوسيع محفظته الاستثمارية وتنويع الأصول. شملت هذه العمليات سندات بلدية وسندات شركات وديوناً محلية صادرة عن ولايات ومناطق تعليمية، وهو ما يشير إلى استراتيجية تعتمد على تقليل المخاطر والاستثمار في أدوات مالية مستقرة.

وتوضح البيانات أن جزءاً كبيراً من محفظته اتجه نحو السندات الصادرة عن البلديات والهيئات المحلية، وهي أدوات مالية تُعد من الأقل خطراً، خاصة في الفترات الاقتصادية المضطربة. مثل هذه الاستثمارات عادة تُستخدم لحماية رأس المال وتوفير عائد ثابت بعيداً عن تقلبات أسواق الأسهم.

وتشير القيمة القصوى لمشترياته، البالغة 337 مليون دولار حسب اطلاع بقش، إلى أن ترامب كان يعيد بناء محفظته بشكل استراتيجي، بما يتناسب مع الظروف الاقتصادية الطاحنة التي تشهدها الولايات المتحدة. ويؤكد محللون أن هذا التحول يعكس رغبة في تعزيز السيولة وتقليل التعرض للمخاطر.

استثمارات في قطاعات تستفيد من سياساته

أحد أكثر جوانب التقرير إثارة للجدل هو أن ترامب استثمر في قطاعات استفادت أو تستفيد من سياساته، خصوصاً تلك المرتبطة بالتحرير المالي ودعم الصناعات التقنية. فقد شملت السندات التي اشتراها شركات كبرى مثل: برودكوم (Broadcom)، كوالكوم (Qualcomm)، ميتا (Meta Platforms)، هوم ديبوت (Home Depot)، سي في إس هيلث (CVS Health)، غولدمان ساكس (Goldman Sachs)، ومورغان ستانلي (Morgan Stanley).

كما استحوذ على سندات صادرة عن بنك جيه بي مورغان (JPMorgan) في الوقت ذاته الذي طالب فيه وزارة العدل بالتحقيق في علاقة البنك بجيفري إبستين. ورغم أن البنك قدّم اعتذاراً عن علاقته السابقة بإبستين، إلا أن التزامن بين الحدثين أثار شكوكاً سياسية لدى المراقبين.

وتوسع ترامب في شراء سندات إنتل (Intel) بعد أن حصلت الشركة على دعم حكومي مباشر خلال ولايته، ما يضيف طبقة جديدة من التساؤلات حول العلاقة بين قراراته السياسية وتحركاته الاقتصادية.

صندوق ائتماني أم نفوذ مستمر؟

رغم أن البيت الأبيض يؤكد أن ترامب لا يدير ثروته بشكل مباشر، تشير الإفصاحات إلى أنه لا يزال المستفيد الأساسي من أرباح استثماراته، سواء عبر السندات أو المشاريع التجارية. ووفق الإفصاح السنوي في يونيو الماضي، حقق ترامب دخلاً يفوق 600 مليون دولار خلال عام 2024 من العملات المشفرة، وعقارات الجولف، وترخيص العلامات التجارية.

ويزعم ترامب أنه وضع أعماله في صندوق ائتماني يخضع لإدارة أبنائه، لكن هذه الإفصاحات تُظهر أن تلك البنية المالية قد لا تكون كافية لضمان فصل واضح بين الواجبات العامة والمصالح الخاصة.

وتعود قضية تضارب المصالح بقوة إلى الواجهة، خصوصاً أن مكتب الأخلاقيات لا يملك سلطات تنفيذية قوية تحد من هذا النوع من التداخل.

كما تشير التقديرات إلى أن إجمالي قيمة أصول ترامب يتجاوز 1.6 مليار دولار، ما يجعله واحداً من أكثر الرؤساء ثراءً في تاريخ البلاد، وهو ما يزيد حساسية أي تحرك مالي يقوم به أثناء وجوده في منصبه.

كيف تُقرأ تحركات ترامب؟

يرى محللون أن تحركات ترامب الاستثمارية تحمل رسائل مزدوجة: فهي من جهة خطوة اقتصادية تحاول حماية ثروته من تقلبات السوق، ومن جهة أخرى قد تكون مؤشراً على رغبة في تعزيز نفوذه داخل قطاعات اقتصادية مهمة.

فاستثماراته في قطاع التكنولوجيا وأشباه الموصلات ترتبط مباشرة باستراتيجية قومية شجّعها خلال ولايته الأولى لتقليل اعتماد البلاد على الموردين الخارجيين.

ويرى آخرون أن تركيزه على المؤسسات المالية الكبرى والشركات ذات الصلة بالقطاع التكنولوجي يكشف عن رغبة في الحفاظ على روابط اقتصادية مع شركات قد تلعب دوراً في معادلات القوة السياسية داخل واشنطن خلال السنوات المقبلة.

هذا النوع من الارتباط بين السياسة والاقتصاد ليس غريباً في الولايات المتحدة وفق قراءة بقش، لكنه يصبح أكثر حساسية عندما يتعلق برئيس ما زال في منصبه.

ويحذّر خبراء الشفافية من أن هذه التحركات قد تعمّق أزمة الثقة في المؤسسات السياسية، خاصة عندما تتزامن مع غياب ضوابط فعالة تمنع تضارب المصالح. ومع تزايد الضغط الإعلامي، يتوقع بعض المحللين أن هذا الملف قد يتحول إلى ساحة مواجهة سياسية في الكونغرس.

تُظهر الإفصاحات المالية الأخيرة أن ترامب يعيد تشكيل خريطته الاستثمارية بطريقة تعكس استراتيجيات سياسية واقتصادية متشابكة. فقد ألقى بثقله في سوق السندات، مستهدفاً قطاعات استفادت أساساً من سياساته الحكومية، ما يثير تساؤلات عميقة حول توازن القوة بين منصبه العام ومصالحه الخاصة.

وفي وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات شديدة، يبدو أن ترامب يتجه نحو أصول مستقرة تُقلل من مخاطر السوق، لكنه في المقابل يواجه تدقيقاً غير مسبوق من الجهات الرقابية والإعلامية التي ترى في هذه التحركات مؤشراً جديداً لتضارب المصالح.

ومع استمرار الكشف عن المزيد من التفاصيل من مكتب أخلاقيات الحكومة، من المرجّح أن تبقى القضية محوراً للنقاش السياسي الأمريكي، خصوصاً إذا ارتبطت هذه الاستثمارات بقرارات أو سياسات تتخذها الإدارة لاحقاً.

زر الذهاب إلى الأعلى