الاقتصاد اليمني
أخر الأخبار

الأرصاد الزراعية تحذّر من اضطرابات مناخية تهدد المحاصيل اليمنية منتصف أكتوبر

الاقتصاد اليمني | بقش

يشير تقرير نشرة الإنذار المبكر للأرصاد الجوية الزراعية للفترة من 11 إلى 20 أكتوبر 2025، الصادر عن منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، إلى أن اليمن يمرّ بمرحلة انتقالية دقيقة بين موسم الرياح الصيفية وبداية الشتاء الجاف، إلا أن استمرار هطول الأمطار في بعض المناطق يهدد بتأخير عمليات الحصاد، ويزيد من التحديات المناخية التي تواجه المزارعين.

ويؤكد التقرير الذي اطلع عليه “بقش” أن التغيرات في أنماط الطقس خلال هذه الفترة ليست مجرد ظاهرة موسمية، بل تحمل انعكاسات اقتصادية ملموسة على الأمن الغذائي والإنتاج الزراعي، خصوصاً في المناطق التي تعتمد على الأمطار كمصدر رئيسي لريّ محاصيلها.

تُبرز النشرة أن التضاريس الجبلية تلعب دوراً محورياً في استمرار الأمطار، إذ تشهد مناطق مثل إب وتعز والمحويت زخات مطرية فوق المعدل بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالمناطق الداخلية القاحلة. وفي المقابل، تتأثر مناطق الساحل الجنوبي والغربي بموجات رطوبة غير متوقعة، ما يعقّد من عملية التنبؤ الزراعي والتخطيط للحصاد.

درجات حرارة مرتفعة وتهديدات صحية للمحاصيل

تتوقع الأرصاد أن تصل درجات الحرارة العظمى إلى 40 درجة مئوية في محافظات حجة وحضرموت والمهرة، فيما تسجل المناطق الساحلية مثل الحديدة وتعز ولحج حوالي 37 درجة مئوية. ويُشير المعهد الدولي للبحوث إلى أن هذه الارتفاعات غير المعتادة في مثل هذا الوقت من العام قد تُحدث تباينات حرارية تُربك الدورة الزراعية.

أما المرتفعات الجبلية كصنعاء وعمران وإب، فستشهد ليالي باردة تصل فيها الحرارة الصغرى إلى أقل من 8 درجات مئوية، لكنها ليست كافية لتشكيل الصقيع، ما يعني استمرار النشاط الزراعي مع تعرض بعض المحاصيل الحساسة للبرد إلى خطر التراجع في النمو.

هذه التغيرات المناخية المتطرفة بين النهار والليل تفرض ضغوطاً إضافية على أنظمة الزراعة المحلية، وتزيد من احتمال ظهور أمراض وآفات فطرية قد تؤثر على إنتاج الحبوب والخضروات، وهو ما قد ينعكس سلباً على الأمن الغذائي في البلاد.

انعكاسات اقتصادية على الأمن الغذائي وسبل العيش الريفية

يرى التقرير أن تراجع معدلات الأمطار بالتوازي مع ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي إلى تراجع رطوبة التربة حسب قراءة بقش، ما يهدد المحاصيل المطرية في مراحلها الأخيرة من النمو.

في المناطق القاحلة والداخلية، يُتوقع أن يزداد العجز المائي، الأمر الذي سيُضعف إنتاجية الأراضي ويُقلّص العائد الاقتصادي للمزارعين الذين يعتمدون على الأمطار كمصدر وحيد للري.

كما أن ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الساحلية والمنخفضة سيُسرّع من نضج المحاصيل بطريقة غير متوازنة، ويزيد من معدلات التبخر، مما يفاقم الضغوط على الثروة الحيوانية بسبب نقص المياه وازدياد الحرارة.

أما على صعيد الثروة الحيوانية، فيحذر التقرير من ضغوط حرارية كبيرة على الماشية، مع تراجع المراعي الطبيعية نتيجة ندرة المياه، ما قد يدفع الرعاة إلى التنقل لمسافات أطول بحثاً عن المراعي والعلف. هذا الوضع وفق اطلاع بقش قد يؤدي إلى اضطراب أسواق الماشية وارتفاع أسعار الأعلاف والمنتجات الحيوانية.

ندرة المياه وتحديات الموسم المقبل

كما يحذر التقرير من أن استمرار الجفاف النسبي ونقص المياه المتجددة قد يؤثر على الموسم الزراعي المقبل، خصوصاً للمحاصيل المطرية وأشجار النخيل، حيث سيتسبب ذلك في تدهور المراعي الطبيعية وانخفاض إنتاج التمور والخضروات.

ومن المتوقع أن يتراجع دخل المزارعين في المناطق الريفية بشكل ملحوظ، مع زيادة كلفة الإنتاج وارتفاع أسعار مياه الريّ المنقولة، ما يُهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للمجتمعات الزراعية.

كما أن ندرة المياه ستؤدي إلى تنافس بين القطاعات الزراعية والسكانية على الموارد المحدودة، مما يرفع من احتمالية الأزمات المحلية المرتبطة بالمياه والغذاء، ويزيد من اعتماد الأسر على المساعدات الخارجية، ما يضيف عبئاً على المنظمات الإنسانية العاملة في اليمن.

توصيات عاجلة لتفادي الأزمة

دعت منظمة الأغذية والزراعة وشركاؤها إلى اتخاذ إجراءات سريعة لتقليل أثر هذه التغيرات المناخية.

من أبرز التوصيات التي قرأها بقش، نشر توقعات الطقس بدقة عبر الإذاعة والرسائل النصية لضمان وصولها إلى المزارعين، وتوفير البذور المقاومة للجفاف، ودعم مشاريع حصاد وتخزين مياه الأمطار.

وشدد التقرير على أهمية وضع خطط طوارئ لأسواق الماشية لتجنب الانهيار السعري وضمان العدالة في تداول المنتجات الحيوانية.

وفي الجانب الزراعي، أوصت المنظمة باعتماد تقنيات الزراعة المحافظة على المياه مثل تغطية التربة، وتحسين أنظمة الريّ بالتنقيط، ومراقبة الحقول بانتظام لاكتشاف الإصابات الفطرية مبكراً. كما شجعت على استخدام أصناف نباتية قصيرة النضج لمواجهة احتمالية الجفاف المفاجئ.

التحليل الاقتصادي: المخاطر الزراعية تتحول إلى تهديد للتوازن المالي

من منظور اقتصادي، يُمكن اعتبار هذه التغيرات المناخية بمثابة صدمات هيكلية للاقتصاد الزراعي اليمني، إذ تؤثر مباشرة على الإنتاج المحلي وتزيد من الاعتماد على الواردات الغذائية، ما يضغط على احتياطيات النقد الأجنبي ويرفع معدلات التضخم في الأسواق المحلية.

كما أن ارتفاع تكاليف النقل والتخزين نتيجة تدهور الطرق بفعل الأمطار قد يزيد من أسعار المواد الغذائية، مما يفاقم أزمة الأمن الغذائي لدى الأسر الفقيرة التي تشكل الغالبية في المناطق الريفية.

وتُظهر البيانات التي طالعها بقش أن أي انخفاض بنسبة 10% في إنتاج الحبوب أو الخضروات يؤدي إلى زيادة في أسعار الغذاء تتراوح بين 15 إلى 25% في السوق المحلي، مما يعني أن التغيرات المناخية الحالية قد تنعكس في صورة تضخم غذائي موسمي خلال الربع الأخير من عام 2025، ما لم تُتخذ إجراءات استباقية فعالة.

الحاجة إلى إدارة مناخية واقتصادية متكاملة

يؤكد الخبراء أن مواجهة هذه التحديات تتطلب إصلاحاً هيكلياً في إدارة الموارد المائية والزراعية في اليمن، عبر دمج التنبؤات المناخية في الخطط الاقتصادية، وتعزيز الاستثمارات في الطاقة الشمسية لأنظمة الريّ، وإنشاء صناديق تمويل زراعية صغيرة لمساندة المزارعين في فترات الجفاف.

ويمكن لتوسيع التعاون بين الحكومة والمنظمات الدولية والقطاع الخاص أن يخلق شبكة إنذار مبكر فعالة تربط بين بيانات الطقس والتحركات الاقتصادية، ما يتيح استجابة أسرع وأكثر استدامة.

وفي المجمل، لن يتحدد مستقبل الأمن الغذائي في اليمن بمقدار الأمطار التي تهطل فقط، بل بقدرة المؤسسات الاقتصادية والزراعية على التحول من رد الفعل إلى التخطيط الاستباقي، لتفادي أن يتحول الطقس إلى خصم دائم للمزارع اليمني واقتصاد البلاد بأكمله.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش