تقارير
أخر الأخبار

الاتحاد الأوروبي يجمّد الأصول الروسية إلى أجل غير مسمى.. قنبلة نووية في قلب النظام المالي العالمي

تقارير | بقش

في خطوة تحمل أبعاداً تتجاوز الصراع الأوكراني–الروسي، أقدم الاتحاد الأوروبي على تجميد الأصول الروسية الموجودة داخل دوله إلى أجل غير مسمى، في قرار يُعد من أخطر التحولات في استخدام الأدوات المالية كوسيلة ضغط سياسي في العصر الحديث. فالقرار لا يعكس فقط تشدداً تجاه موسكو، بل يؤسس لسابقة قد تعيد تشكيل قواعد الثقة في النظام المالي الدولي.

التحرك الأوروبي جاء تحت غطاء دعم أوكرانيا وضمان استمرار تمويل احتياجاتها المالية والعسكرية، لكنه في جوهره يكشف عن انتقال الاتحاد من منطق العقوبات المؤقتة إلى منطق الاحتجاز المفتوح للأصول السيادية، وهو تحول يثير قلقاً واسعاً لدى المستثمرين والبنوك المركزية حول العالم.

ورغم أن الأسواق لم تُظهر حتى الآن رد فعل عنيفاً، إلا أن حالة الهدوء الظاهري تخفي مخاطر تراكمية، إذ إن تجميد أصول سيادية بقيمة تتجاوز 200 مليار يورو وفق اطلاع “بقش”، وربط مصيرها بمسار حرب مفتوحة، يضع الاقتصاد العالمي أمام مستوى جديد من عدم اليقين.

الأكثر خطورة أن القرار يعكس انقساماً أوروبياً داخلياً عميقاً، جرى تجاوزه باستخدام آلية طوارئ قانونية، ما يطرح تساؤلات جدية حول تماسك الاتحاد نفسه، وقدرته على إدارة أزماته دون تقويض الأسس القانونية والاقتصادية التي قام عليها.

من عقوبات إلى تمويل… انقلاب في وظيفة الأصول المجمدة

حسب تتبُّع بقش، اعتمد الاتحاد الأوروبي آلية استثنائية مخصصة لحالات الطوارئ الاقتصادية لتجميد الأصول الروسية إلى أن تنهي موسكو حربها على أوكرانيا وتدفع تعويضات، ما يعني عملياً أن التجميد أصبح مفتوحاً زمنياً، من دون أي أفق سياسي أو قانوني واضح لرفعه.

رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا أكد أن القادة الأوروبيين التزموا منذ أكتوبر بالإبقاء على هذه الأصول مجمّدة، معتبراً أن قرار الجمعة يترجم ذلك التعهد إلى واقع قانوني ملزم، ويمنع أي دولة عضو من تعطيله مستقبلاً.

غير أن ربط مصير الأصول السيادية بنزاع عسكري مستمر منذ ما يقرب من أربع سنوات يضع الاتحاد الأوروبي في موقع حساس، إذ يتحول من جهة تفرض عقوبات إلى طرف يحتجز أموالاً سيادية بشكل دائم، ما يهدد بتآكل مصداقيته كحاضنة للاستقرار القانوني والمالي.

يفتح القرار الباب أمام استخدام نحو 210 مليارات يورو من الأصول الروسية، معظمها تعود للبنك المركزي الروسي، لتأمين قرض ضخم لأوكرانيا يغطي احتياجاتها المالية والعسكرية خلال العامين المقبلين، مع تركيز خاص على مرحلتي 2026 و2027.

وتتركز الغالبية الساحقة من هذه الأموال، قرابة 193 مليار يورو، لدى شركة “يوروكلير” البلجيكية، ما يجعل مؤسسة مالية أوروبية محورية طرفاً مباشراً في نزاع جيوسياسي وقانوني عالي المخاطر.

هذا التحول من تجميد الأصول إلى توظيفها عملياً يضرب أحد الأعمدة الأساسية للنظام المالي العالمي، وهو مبدأ حياد مراكز المقاصة وحماية الأصول السيادية، وقد يدفع دولاً عديدة إلى إعادة النظر في أماكن احتياطاتها، وتسريع البحث عن بدائل خارج المنظومة المالية الغربية.

شرخ أوروبي يتسع تحت ضغط الحرب

كشف القرار بوضوح حجم الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، إذ عارضت كل من المجر وسلوفاكيا أي خطوات إضافية لتمويل أوكرانيا، معتبرتين أن استخدام الأصول الروسية يتجاوز الخطوط القانونية والسياسية.

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان هاجم القرار بعنف، معتبراً أنه يمثل نهاية فعلية لسيادة القانون داخل الاتحاد، واتهم المفوضية الأوروبية بانتهاك القواعد القانونية من أجل استمرار حرب وصفها بأنها غير قابلة للحسم.

أما رئيس الوزراء السلوفاكي روبرت فيتسو، فحذّر من أن استخدام الأصول الروسية قد يقوّض الجهود الأمريكية لإنهاء الحرب، مؤكداً رفضه دعم أي ترتيبات تموّل النفقات العسكرية لأوكرانيا في السنوات المقبلة، ما يعكس مخاوف متزايدة من انزلاق أوروبا نحو مسار تصعيدي طويل الأمد.

ردّت موسكو سريعاً على الخطوة الأوروبية، إذ أعلن البنك المركزي الروسي رفع دعوى قضائية في موسكو ضد شركة “يوروكلير”، مطالباً بتعويضات عن الأضرار التي لحقت به نتيجة تجميد أصوله ومنعه من إدارتها.

ورغم تقليل المفوضية الأوروبية من أهمية هذه الدعوى، واعتبارها محاولة سياسية وقانونية لعرقلة القرار، إلا أن الخبراء يحذرون من أن هذه القضايا قد تتوسع لتشمل دولاً ومؤسسات مالية أخرى تشارك في تنفيذ التجميد.

بلجيكا نفسها، مقر “يوروكلير”، أعربت عن قلقها من خطة “قرض التعويضات”، معتبرة وفق قراءة بقش أنها تنطوي على مخاطر اقتصادية ومالية وقانونية جسيمة، وطالبت بتقاسم هذه المخاطر، في إشارة إلى إدراك أوروبي متزايد لحجم التعقيدات المقبلة.

يمثل قرار الاتحاد الأوروبي تجميد الأصول الروسية إلى أجل غير مسمى نقطة تحول خطيرة في العلاقة بين السياسة والاقتصاد، حيث تتحول الأدوات المالية من وسائل ضغط محدودة إلى أسلحة استراتيجية مفتوحة العواقب.

فالمساس بمبدأ الحصانة السيادية، وربط الأصول بمسارات سياسية وعسكرية غير محسومة، يهدد بإضعاف الثقة في النظام المالي الدولي، ويدفع العالم نحو مزيد من الانقسام بين كتل اقتصادية متنافسة.

وفي ظل تباطؤ النمو العالمي وتزايد الاضطرابات الجيوسياسية، قد لا يكون هذا القرار مجرد حلقة في أزمة أوكرانيا، بل شرارة إضافية تسرّع انتقال العالم إلى مرحلة أكثر هشاشة، حيث يصبح الاقتصاد العالمي أقل استقراراً، وأكثر عرضة للصدمات السياسية والقانونية غير المتوقعة.

زر الذهاب إلى الأعلى