
تقارير | بقش
كشف استطلاع رويترز/إبسوس الأخير عن لحظة سياسية حرجة يمر بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، حيث تتراجع شعبيته إلى 39%، وهي من أدنى النسب المسجلة له خلال ولايته الحالية.
وأشارت نتائج الاستطلاع التي اطلع عليها “بقش” إلى الانخفاض الرقمي في نسبة التأييد، بل طبيعة التراجع نفسه، إذ يمتد إلى داخل القاعدة الجمهورية، ما ينذر بتصدع داخلي في جبهة الدعم التقليدي للرئيس.
ووفق الاستطلاع الذي أُجري على مدار ثلاثة أيام واختُتم يوم الأحد الماضي، فإن 39% فقط من الأمريكيين يوافقون على أداء ترامب في منصبه، وهذه النسبة تمثل تراجعاً عن 41% في مطلع ديسمبر، وهي قريبة من أدنى مستوى بلغه هذا العام عند 38% في منتصف نوفمبر، والأهم أن التراجع يتزامن مع استياء متزايد بين الناخبين الجمهوريين أنفسهم.
وهذه الأرقام تعكس مساراً هبوطياً مستمراً منذ يناير، حين عاد ترامب إلى السلطة بنسبة تأييد بلغت 47%، ومنذ ذلك الحين، لم يتمكن الرئيس من الحفاظ على الزخم الشعبي، خصوصاً مع تعقّد المشهد الاقتصادي.
الاقتصاد.. من وعد انتخابي إلى نقطة ضعف
خاض ترامب الانتخابات الرئاسية الماضية على قاعدة واضحة، وهي إصلاح اقتصاد أرهقته موجة تضخم مرتفعة في عهد جو بايدن.
غير أن الواقع الاقتصادي في ولايته الحالية لم يحقق الانعطافة التي وعد بها، وهو ما يفسر التراجع الحاد في تقييم أدائه الاقتصادي، حيث أظهر الاستطلاع أن 33% فقط من الأمريكيين يوافقون على طريقة تعامله مع الاقتصاد، وهذه النسبة هي الأدنى له في هذا المجال خلال العام.
وهنا تكمن المفارقة السياسية: الاقتصاد الذي أعاد ترامب إلى السلطة، هو نفسه الذي بات يهدد شرعيته الشعبية.
ورغم تغيّر الإدارة، ظل التضخم قريباً من 3%، وهو مستوى أعلى من نسبة 2% التي يعتبرها صانعو السياسات ملائمة لدعم نمو اقتصادي مستدام، وهذا الاستمرار في معدلات التضخم المرتفعة نسبياً يعكس محدودية قدرة الإدارة الحالية على تقديم حلول جذرية، أو على الأقل إيصال رسالة طمأنة اقتصادية للمواطن الأمريكي.
فبالنسبة للناخب العادي، لا تُقاس السياسات الاقتصادية بالأرقام المجردة، بل بتأثيرها المباشر على كلفة المعيشة، والأسعار، والوظائف، وهو ما لم يشعر بتحسن ملموس فيه حتى الآن.
الرسوم الجمركية و”صدمة السوق”
أحد أبرز العوامل التي أشار إليها التقرير هو تأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب على الواردات. فحسب عدد من الاقتصاديين الذين اطلع بقش على تقديراتهم، أحجم أرباب العمل عن التوظيف، ويعود ذلك إلى ما وُصف بـ”الصدمة” التي أحدثتها هذه الرسوم في السوق.
وهذا التردد في التوظيف لا ينعكس فقط على أرقام البطالة، بل يخلق مناخاً من القلق وعدم اليقين، وهو ما يضعف ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال، ويؤثر سلباً في المزاج العام.
وزاد الوضع تعقيداً مع الإغلاق الحكومي الأخير، الذي أدى إلى تعطيل جمع البيانات الاقتصادية، ما دفع إلى انتشار التقديرات السلبية، وفقدان الشفافية في تقييم الأداء الاقتصادي، وتراجع ثقة الرأي العام بقدرة الإدارة على إدارة الأزمات. وفي الأنظمة الديمقراطية، تُعد البيانات الاقتصادية أداة تواصل بقدر ما هي أداة قياس، وغيابها يترك فراغاً تملؤه الشكوك والانتقادات.
ومن أخطر ما تكشفه نتائج الاستطلاع حسب قراءة بقش، هو تزايد استياء الجمهوريين من إدارة ترامب للاقتصاد، وهذا المؤشر يتجاوز كونه انخفاضاً في الشعبية العامة، ليصبح إنذاراً مبكراً لاحتمالات ضعف الحشد الانتخابي مستقبلاً، وتصاعد الخلافات داخل الحزب، وإعادة طرح أسئلة حول القيادة الاقتصادية للحزب الجمهوري نفسه.
فحين يفقد الرئيس ثقة جزء من قاعدته الصلبة، تصبح أي مواجهة سياسية مقبلة أكثر كلفة وتعقيداً.
ويؤكد هذا الاستطلاع أن الاقتصاد لا يزال العامل الحاسم في المزاج السياسي الأمريكي، فمهما بلغت حدة الخطاب السياسي أو قوة الحضور الإعلامي، تبقى المؤشرات الاقتصادية هي الفيصل الحقيقي في تقييم أداء أي رئيس.


