الغارديان: سيطرة القوات المدعومة إماراتياً على جنوب اليمن تفتح الباب أمام سيناريو “الدولة الجنوبية”

تقارير | بقش
في تطور يوصف بأنه الأخطر منذ عام 2015، كشفت صحيفة الغارديان البريطانية أن القوات المدعومة من الإمارات في جنوب اليمن فرضت سيطرتها الكاملة على المحافظات الثماني التي كانت تشكل الدولة الجنوبية السابقة، ما يعيد طرح سؤال «الاستقلال» بصورة غير مسبوقة منذ عقود. وترى الصحيفة أن هذا التحول الميداني يمثّل ضربة قوية للنفوذ السعودي الذي كان اللاعب الإقليمي الأكبر داخل اليمن طوال السنوات الماضية.
بحسب الغارديان، فإن ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل من المجلس الانتقالي الجنوبي تدفقوا خلال الأسبوع الماضي إلى حضرموت الغنية بالنفط، ثم إلى المهرة المتاخمة لعُمان، وهي المرة الأولى التي يخضع فيها كامل الجنوب لسلطة المجلس.
وتشير الصحيفة في تقريرها الذي اطلع عليه “بقش” إلى أن هذه السيطرة الكاملة تُتيح نظرياً إمكانية إعلان الانفصال، لكنها خطوة شديدة الحساسية سياسياً، إذ تستحضر تجارب فاشلة لانتزاع دول جديدة دون اعتراف دولي، مثل حالة الصحراء الغربية.
ورغم أن المجلس الانتقالي يلتزم خطاباً حذراً، إلا أن الغارديان تؤكد أن خيار الاستفتاء على الاستقلال مطروح بوضوح «على المدى المتوسط»، وأن مستقبل الجنوب سيتحدد بدرجة كبيرة وفق حسابات الإمارات العربية المتحدة بوصفها الراعي العسكري والسياسي الأبرز للمجلس.
وفي تصريح جديد، قال عمرو البيض، المسؤول في المجلس الانتقالي، لوكالة رويترز اليوم الإثنين، إن المجلس موجود في جميع محافظات جنوب البلاد، بما في ذلك مدينة عدن، وأضاف أن أعضاء حكومة عدن غادروا عدن، وأن المجلس لم يطلب منهم المغادرة.
انحسار الدور السعودي… وسحب مفاجئ للقوات من عدن
تصف الغارديان الانسحاب السعودي من القصر الرئاسي ومطار عدن بأنه «تراجع مذهل» في النفوذ، إذ كانت الرياض حتى وقت قريب تقود التحالف الداعم للحكومة المعترف بها دولياً. خروج القوات السعودية بهذا الشكل، وفق مراسل الصحيفة «باتريك وينتور»، يعني أن القوى التي دعمتها الرياض داخل بنية الحكومة قد مُنيت بهزيمة واضحة أمام القوة العسكرية المنظمة للمجلس الانتقالي.
تشير الصحيفة إلى أن سلطنة عُمان بدورها اضطرت للتراجع عن قرارها بإغلاق الحدود بعد دخول قوات الانتقالي إلى المهرة، في مؤشر على أن الواقع الميداني الجديد يفرض نفسه إقليمياً. كما انتقل رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي إلى الرياض حيث التقى دبلوماسيين غربيين في محاولة لتأمين دعم سياسي يمنع ترسيخ «واقع موازٍ» في الجنوب، على حد وصفه.
في المقابل، تواصل القوات التابعة للزبيدي فرض سيطرتها على المؤسسات الحيوية، بما في ذلك شركة بترومسيلة، أكبر شركة نفط في اليمن ومركز ثقل اقتصادي في حضرموت، ما يمنح المجلس الانتقالي أوراق نفوذ إضافية في أي مفاوضات مستقبلية حول شكل الدولة.
تحالفات مضطربة… والفجوة تتسع داخل معسكر “الشرعية”
تُعيد الغارديان التذكير بتاريخ التحالف الهش الذي حكم الجنوب منذ 2015، حيث تشكلت سلطة مزدوجة ما بين حزب الإصلاح المدعوم سعودياً والمجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً داخل مجلس القيادة الرئاسي. ورغم أن الطرفين تعايشا تحت مظلة واحدة، إلا أن المجلس الانتقالي كان يمتلك تفوقاً عسكرياً واضحاً مكّنه الآن من حسم المشهد.
ومع انتقال العليمي إلى الرياض، شدد على رفض «أي إجراءات أحادية» من المجلس، لكنه يجد نفسه أمام واقع جديد على الأرض وفق قراءة بقش. أما المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة، فقد ظل يرفض تقسيم اليمن، متمسكاً بـ«خارطة الطريق السعودية» التي كانت تهدف إلى تشكيل حكومة اتحادية تضم الحوثيين وقوى الجنوب. لكن التطورات الأخيرة جعلت هذه الرؤية تبدو أكثر هشاشة.
وتلفت الغارديان إلى اتصالات هاتفية بين دبلوماسيين غربيين والزبيدي خلال الأيام الماضية، في محاولة لفهم نوايا المجلس، خصوصاً ما يتعلق بعلاقاته المتنامية مع روسيا واحتمالات تأثير ذلك على ميزان المواجهة مع صنعاء.
في نفس التوقيت، تجري في حضرموت اعتصامات مفتوحة، يتابعها مرصد بقش، تطالب الانتقالي بإعلان «دولة الجنوب العربي»، ومنها ما تشهده ساحة الاعتصام في المكلا من توافد وفود مجتمعية من مديريات الساحل في مشهد يعكس حالة الاصطفافات، ويقول المشاركون إن الاعتصام -الذي يستمر لليوم الثاني- سيتواصل حتى تحقيق أهدافه.
سيناريو العودة لدولتين
تضع الغارديان التطورات الأخيرة في سياق أوسع يشمل مخاوف إقليمية ودولية. فالغرب لم يصدر حتى الآن أي موقف رسمي، بينما تتعامل الدول المعنية مع الحدث بحذر شديد. تنبه الصحيفة إلى احتمال أن يعرض المجلس الانتقالي على محافظتي تعز ومأرب –وهما خارج خارطة الجنوب التاريخية ولا تخضعان لسيطرة الحوثيين– نوعاً من «الوضع الحمائي» لمنع سقوطهما في يد الحوثيين.
ورغم ذلك، تحذّر المحللة ميساء شجاع الدين من أن ما يحدث «قد يكون نقطة التحول الأكبر منذ سبتمبر 2015»، وأنه قد يفتح مواجهة سياسية مباشرة بين الإمارات والسعودية، ويؤدي إلى إعادة رسم التحالفات المحلية والإقليمية. وتضيف أن المجلس الانتقالي بات الآن في موقع يسمح له بالمطالبة بـ«شكل واسع من الحكم الذاتي»، بينما تجد السعودية نفسها قلقة من مستقبل حدودها الجنوبية في ظل تجربتها مع هجمات الحوثيين السابقة.
وتنقل الغارديان أيضاً تقديرات تشير إلى أن الإمارات ربما منحت الضوء الأخضر للمجلس الانتقالي للتحرك حسب اطلاع بقش، مدفوعة بتوترات مع الرياض على خلفية مطالبة المملكة لترامب بالتدخل في إنهاء الحرب في السودان، وهي قضية تسببت بدعاية سلبية لأبوظبي.
في الوقت ذاته، لا يزال وفد سعودي في حضرموت يحاول احتواء الانهيار السريع في النفوذ السعودي، وسط ضغوط متزايدة من الرياض لإعادة ترتيب المشهد قبل أن يستقر الجنوب على وضع سياسي جديد.
المشهد كما ترسمه الغارديان يُظهر يمناً يتجه نحو إعادة تشكيل جذري للسلطة. الجنوب تحت سيطرة كاملة للمجلس الانتقالي، الشمال تحت سيطرة الحوثيين، والوسط يعيش حالة فراغ سياسي تتنازع عليه القوى. السيناريو الأقرب –وفق مؤشرات الأرض– ليس إعلاناً فورياً للدولة الجنوبية، بل مرحلة انتقالية تُبقي خيار الاستقلال مفتوحاً دون حسم، بانتظار حسابات الراعي الإقليمي الأكبر… الإمارات.
وحتى تتضح معالم الموقف السعودي والدولي، يبقى الجنوب أمام لحظة مفصلية قد تعيد اليمن إلى خارطة الدولتين، أو تُدخل البلاد في معادلة أكثر تعقيداً من أي وقت مضى.


