الفيدرالي الأمريكي يثبت الفائدة وسط انقسام نادر وباول يحذر من ضغوط التعريفات الجمركية والتضخم

الاقتصاد العالمي | بقش
في خطوة متوقعة، أبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة دون تغيير، للمرة الخامسة على التوالي، متجاهلاً ضغوطاً متصاعدة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في وقت تشهد فيه السياسات الاقتصادية الأمريكية انقساماً متزايداً بين صناع القرار، وسط مؤشرات متضاربة حول أداء الاقتصاد والتضخم.
وخلال المؤتمر الصحفي الذي أعقب اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، شدد رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول على أن “الاقتصاد الأمريكي لا يزال في وضع جيد”، وأن “سوق العمل قريبة من الحد الأقصى للتوظيف”، مؤكدًا أن “معدل التضخم، رغم تراجعه الملحوظ، ما يزال فوق المستوى المستهدف عند 2%”.
وأشار باول إلى أن قرار تثبيت الفائدة استند إلى تقييم شامل للبيانات المتاحة والتوازنات الحالية في السوق، قائلاً إن “السياسة النقدية الحالية تتيح للفيدرالي المرونة اللازمة للتعامل مع أي مستجدات مفاجئة على الصعيد الاقتصادي”.
انقسام داخل اللجنة ومخاوف موسمية
قرار الإبقاء على الفائدة شهد انقساماً داخلياً نادراً، حيث عبّر عضوان من اللجنة عن معارضتهما، في أول حالة انقسام من هذا النوع منذ أكثر من ثلاثة عقود.
ورغم تأكيد باول أن “النقاش كان بنّاءً” وأن “التباين يعكس صحة المؤسسة”، إلا أن مراقبين اعتبروا الانقسام مؤشراً على تزايد الضغوط الداخلية بشأن توجهات السياسة النقدية في المرحلة المقبلة.
ويأتي القرار وسط تباطؤ واضح في الإنفاق الاستهلاكي، بحسب تصريحات باول، مقابل ارتفاع في نفقات المؤسسات، ما يشير إلى تحوّل في ديناميكيات الاقتصاد قد يفرض إعادة تقييم تدريجية للسياسات المعتمدة، خاصة في ظل استمرار ضعف قطاع الإسكان وتراجع أداء بعض القطاعات الإنتاجية.
الجمود السياسي والجمركي يزيد الغموض
في سياق متصل، حذّر باول من التأثيرات السلبية للتغيّرات المفاجئة في السياسات الحكومية والتجارية، خصوصاً تلك المتعلقة بالتعريفات الجمركية الجديدة التي تسعى إدارة ترامب إلى فرضها.
وأوضح أن “هذه الرسوم ترفع الأسعار في بعض فئات المنتجات”، مشيراً إلى أن “توقعات التضخم قصيرة الأجل شهدت ارتفاعاً نتيجة هذه السياسات، لكن من المبكر الحكم على حجم التأثير الكلي”.
وأكد باول أن البنك المركزي لا يأخذ بعين الاعتبار كلفة الفائدة على الحكومة الفيدرالية عند صياغة قراراته، مضيفاً: “وظيفتنا حماية استقرار الأسعار وتوفير فرص العمل، ولسنا معنيين بحساب أثر قراراتنا على الموازنة العامة”.
وتشير التحليلات لأبرز ما ورد في المؤتمر الصحفي أن استمرار تثبيت الفائدة في ظل مؤشرات التضخم الحالية يعكس حذراً شديداً من الفيدرالي تجاه خفض غير محسوب قد ينعكس سلباً على مصداقيته، خاصة وأن وتيرة الإنفاق الأسري بدأت تتباطأ في بعض الولايات المتأثرة بالتعريفات الجمركية الجديدة.
وبحسب خبراء، فإن “تثبيت الفائدة دون خطة واضحة للتيسير، قد يقود إلى انكماش استهلاكي خلال الربع الرابع، خاصة مع استمرار الضغوط الجمركية وارتفاع كلفة الاستيراد”.
تحديات العام القادم: النمو، والوظائف، والرسوم
مع بقاء التضخم أعلى من الهدف المعلن، واستمرار التأثيرات الجمركية، يواجه الفيدرالي الأمريكي مهمة صعبة خلال الشهور القادمة، تتمثل في تحقيق توازن دقيق بين ضبط الأسعار وتعزيز النمو، دون التضحية بسوق العمل أو الاستقرار المالي العام.
وأكد باول في ختام المؤتمر أن “الاحتياطي الفيدرالي سيواصل مراقبة البيانات بعناية، وسيتحرك عند الضرورة، مستنداً إلى مؤشرات الأداء الاقتصادي وليس إلى الضغوط السياسية”، في إشارة ضمنية إلى تدخلات إدارة ترامب ومحاولاتها المتكررة لدفع الفيدرالي نحو خفض الفائدة قبل الانتخابات المقبلة.
وفي وقت تتراجع فيه ثقة الأسواق بالتوقعات طويلة المدى، تبدو السياسة النقدية الأمريكية أمام اختبار حاسم، عنوانه: هل تستطيع مواجهة “فوضى الجمركة” دون أن تُفقد الاقتصاد زخمه؟