الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

المستثمرون يترقبون ارتفاع أسعار النفط ويتجهون نحو الملاذات الآمنة بعد الهجوم الأمريكي على منشآت نووية إيرانية

الاقتصاد العالمي | بقش

أشعلت الضربات الجوية الأمريكية على منشآت نووية إيرانية فجر الأحد فتيل توتر مالي واسع النطاق في الأسواق العالمية، إذ بدأت المخاوف تتصاعد بين المستثمرين من أن يقود هذا التصعيد إلى موجة ارتفاع حادة في أسعار النفط، واضطراب في مؤشرات الأسهم، وتدافع متسارع نحو الأصول الآمنة.

الضربة، التي وصفها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب متلفز بـ”النجاح العسكري المذهل”، أدت بحسب وصفه إلى “طمس كامل لقدرات إيران النووية الرئيسية”، مؤكداً أن الجيش الأمريكي قد يستهدف مواقع إضافية إذا لم تقبل طهران الدخول في اتفاق سلام. وعلى الجانب الإيراني، توعدت القيادة برد مفتوح وغير محدود، محذرة من “عواقب دائمة” على المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

ردود الفعل الأولية في الأسواق كانت حذرة، لكن مؤشرات الترقب والقلق كانت واضحة، ففي حين افتتحت بورصات الخليج الرئيسية على أداء متماسك، وسجّلت مؤشرات قطر والسعودية والكويت مكاسب طفيفة، بلغ المؤشر الرئيسي في تل أبيب أعلى مستوى له على الإطلاق. هذا الاستقرار الظاهري، وفقاً لمحللين في رويترز وبلومبيرغ، يعكس رهانات قصيرة الأجل على عدم التصعيد الفوري، لكنه لا يعكس الواقع الجيوسياسي القابل للانفجار في أي لحظة.

النفط في واجهة العاصفة

في خضم هذا التوتر، تقف أسعار النفط عند مفترق طرق حاسم، فمنذ بداية التصعيد في 13 يونيو، ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة تقارب 18%، لتبلغ ذروتها عند 79.04 دولار للبرميل يوم الخميس الماضي وفق متابعات مرصد بقش، وهو أعلى مستوى لها في خمسة أشهر.

ووفقاً لمحللي الطاقة في شركة “MST Marquee” بسيدني، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً في حال تصعيد إيراني سيكون استهداف البنية التحتية النفطية الأمريكية أو الخليجية، أو محاولة تعطيل مرور السفن في مضيق هرمز، الذي يعد الشريان الرئيسي لصادرات النفط من السعودية، الإمارات، العراق، والكويت.

المحلل “شاؤول كافونيتش” يرى أن السيناريو الأسوأ قد يقود أسعار النفط إلى حاجز 100 دولار للبرميل، في حال تم تنفيذ تهديدات إيران التي لطالما لوّحت بها في أوقات التوتر القصوى. ويُحذّر من أن أي هجوم على منشآت نفطية في العراق أو اضطراب في ناقلات النفط قد يدفع بأسعار الطاقة للارتفاع بشكل متسارع، ما سينعكس على التضخم العالمي.

أثر متسلسل على التضخم والسياسات النقدية

القلق الرئيسي للأسواق لا يرتبط فقط بسعر النفط كسلعة، بل بآثاره الارتدادية على التضخم العالمي، فارتفاع أسعار النفط يعني ارتفاع تكلفة النقل والإنتاج، مما سيؤثر على أسعار السلع الأساسية ويقلّص من قدرة البنوك المركزية – خصوصاً الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي – على خفض أسعار الفائدة في المستقبل القريب.

في الولايات المتحدة، تراقب الأسواق باهتمام بالغ كيفية تعامل الفيدرالي مع هذه المستجدات، خاصة أن نسب التضخم ما زالت فوق مستهدف 2%، وأي قفزة جديدة في أسعار الطاقة قد تعني تعليق خطط التيسير النقدي المنتظرة.

وبحسب تقرير لرويترز، اطلع عليه مرصد بقش، فقد أشار “جيمي كوكس”، الشريك الإداري في “هاريس فاينانشال غروب”، إلى أن أي تصعيد سيقود حتماً إلى ارتفاع فوري في أسعار النفط، لكنه أعرب عن اعتقاده بأن الهجمات قد تدفع إيران إلى القبول باتفاق سلام، وبالتالي قد تنخفض الأسعار مجدداً في المدى القصير.

مع تصاعد القلق، يتجه المستثمرون إلى إعادة تموضع سريع في أصول تُعد ملاذاً تقليدياً في أوقات الأزمات، كالدولار الأمريكي، الذهب، والسندات الحكومية.

من جانب آخر، شهدت العملات المشفرة تراجعات حادة كأحد مؤشرات القلق بين مستثمري التجزئة، فقد تراجع سعر الإيثر، ثاني أكبر عملة رقمية بعد بيتكوين، بنسبة 5% يوم الأحد، لتصل خسائره إلى نحو 13% منذ بدء التصعيد، ويعكس هذا التراجع تحوّل المستثمرين نحو أصول أكثر استقراراً في أوقات التوتر الجيوسياسي.

رغم سوداوية المشهد، تشير سوابق تاريخية إلى أن الأسواق المالية لطالما أظهرت مرونة ملحوظة بعد الصدمات الجيوسياسية، فخلال غزو العراق عام 2003، والهجمات على منشآت النفط السعودية عام 2019، تراجعت مؤشرات الأسهم لفترة قصيرة، لكنها سرعان ما استعادت عافيتها خلال شهرين.

ووفقاً لتحليل أجراه بنك “Wedbush Securities” وشركة “Cap IQ Pro”، فإن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 الأمريكي انخفض بنسبة 0.3% فقط في الأسابيع الثلاثة التي تلت اندلاع الصراعات، لكنه عاد للارتفاع بنسبة 2.3% في المتوسط بعد شهرين، وهو ما يعكس ميل الأسواق لامتصاص الصدمات المؤقتة إذا ما احتُوي النزاع.

صورة غير مكتملة… ومخاطر مفتوحة

رغم المحاولات الأولية لاحتواء الذعر، فإن المشهد لا يزال ملبداً بكثير من الغموض، وما زالت تفاصيل الدمار في المنشآت النووية الإيرانية غير واضحة، كما أن حجم الرد الإيراني لم يتجلّ بعد بشكل كامل.

والخطر الأكبر يتمثل في تحوّل هذا التصعيد إلى صراع طويل الأمد على غرار ما حدث في الخليج خلال الثمانينيات، أو ما يعرف بـ”حرب الناقلات”، وهو سيناريو سيكون له تأثيرات كارثية على الأمن الطاقي وسلاسل الإمداد العالمية.

في ظل ذلك، تراقب الأسواق بحذر بالغ، وتعيد تسعير الأصول، في مشهد يعيد للأذهان أكثر مراحل الحرب الباردة توتراً، وبينما يراهن بعض المستثمرين على احتواء سريع، فإن الاحتمال الأكبر – بحسب متابعات بقش لتحليلات رويترز وبلومبيرغ – أن يتجه العالم نحو فترة طويلة من التقلبات الحادة، والعوائد غير المتوقعة، والقرارات السياسية التي قد تقلب موازين الاقتصاد العالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

أنت تستخدم إضافة Adblock

عزيزي المستخدم،

نرجو تعطيل حاجب الإعلانات لموقع بقش لدعم استمرار تقديم المحتوى المجاني وتطويره. شكرًا لتفهمك!

فريق بقش