أخبار الشحن
أخر الأخبار

الملاحة البحرية تحت ضغط عاصفة كاملة من التحديات.. هل يصمد قطاع الشحن؟

أخبار الشحن | بقش

بينما يقترب العام المقبل 2026، يواجه قطاع شحن الحاويات العالمي فترة حرجة ومعقدة من التحديات، تتضمن مجموعة من الضغوط الاقتصادية والسياسية والتنظيمية والبيئية، التي تؤثر بشكل مباشر على سلاسل الإمداد العالمية.

ويفنّد تحليل لمنصة “seatrade-maritime” العالمية، المعنية ببيانات وتحليلات قطاع الشحن، هذه التحديات التي تواجه قطاع النقل البحري. ووفق اطلاع “بقش” على التحليل، فإن قطاع الشحن يشهد انخفاضاً ملحوظاً في الطلب على خدمات الشحن، إضافةً إلى فائض متزايد في الطاقة الاستيعابية.

وتزداد صعوبة المشهد بسبب القواعد التنظيمية الأكثر صرامة المتعلقة بالانبعاثات، فضلاً عن تأثير التعريفات الجمركية الأمريكية على حركة التجارة العالمية، وقد نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تعطيل عمل المنظمة البحرية الدولية للعام الثاني على التوالي، وهو ما يزيد من عدم اليقين ويعقّد اتخاذ القرارات الاستراتيجية من قبل شركات النقل.

ومن أبرز التحديات المستقبلية هو احتمال عودة الخدمات إلى قناة السويس المصرية، بما يتضمن إطلاق حوالي مليوني حاوية نمطية إلى سوق الحاويات العالمي، الذي يعاني بالفعل من فائض في العرض.

وقد بدأت تكهنات العودة إلى البحر الأحمر تتزايد، مدعومةً بعبور خدمة INDAMEX التابعة لشركة الشحن الفرنسية CMA CGM، كما أكدت شركة الشحن الألمانية “هاباغ لويد” أن لديها خطة جاهزة لإعادة الخدمات إلى البحر الأحمر، وبدورها أعلنت شركة الشحن الدنماركية العملاقة “ميرسك” الأسبوع الماضي عن إتمام سفينتها “ميرسك سيباروك” رحلتها غرباً عبر مضيق باب المندب وصولاً إلى البحر الأحمر، وهو ما جعل احتمال العودة إلى قناة السويس أكثر واقعية، رغم محاولات الشركة التقليل من شأن هذه الفكرة.

وحسب بيان “ميرسك” الذي اطلع عليه “بقش”، فإنه رغم أهمية هذه الخطوة “إلا أننا لسنا في وضع يسمح لنا بتحديد موعد لأي تغيير محتمل أوسع نطاقاً في الشبكة يعود إلى ممر عبر قناة السويس. كما لا توجد حالياً أي رحلات بحرية إضافية مخططة”.

مشكلات لوجستية محتملة

أحد أبرز التحديات التي قد تنتج عن العودة إلى البحر الأحمر، هو تكدس السفن في الموانئ الأوروبية والآسيوية، وذلك يحدث نتيجة عدم تزامن دورات السفن القادمة من طريق رأس الرجاء الصالح مع السفن التي تعبر قناة السويس، وهو ما قد يخلق اضطراباً في تدفق البضائع ويسبب ضغطاً على الموانئ.

ويرى خبراء صناعة الشحن أن تدفق الحمولة الهائلة مع التدفق المنتظم للسفن الجديدة قد يكون له تأثير مزعزع على أسعار الشحن، ليس فقط على التجارة الرئيسية، بل يمتد تأثيره إلى التجارة الإقليمية.

ستاين روبنز، مستشار سلسلة التوريد في شركة دروري، يقول إن تأثير العودة إلى قناة السويس على أسعار الشحن الإقليمية قد يكون كارثياً، خاصة وأن أسعار الشحن ارتفعت إلى 667 دولاراً لكل حاوية نمطية.

ومع استمرار الصين في إرسال سلع وسيطة للتشطيب إلى فيتنام ودول آسيوية أخرى، بما في ذلك إندونيسيا، من المتوقع استمرار الطلب المرتفع، إلا أن تدفق السفن الجديدة قد يقضي على هذا الارتفاع تماماً.

بدوره، يشير دارون وادي، المحلل في شركة دينامار، إلى أن العودة إلى قناة السويس ستكون عملية تدريجية وليست اندفاعاً سريعاً، حيث ترغب شركات النقل في وجود أساس أمني متين قبل البدء في استخدام الطريق الجديد بشكل جماعي.

ويضيف وادي: “حتى لو شعرت شركات النقل بالاطمئنان الكافي لبدء عبور البحر الأحمر مرة أخرى، فإن الجوانب اللوجستية لهذه العملية ستتطلب أسابيع، إن لم يكن شهوراً، لحلّها”. ويقول أيضاً إن استمرار هذا النمط سيضع ضغطاً تدريجياً وثابتاً على أسعار الشحن والتأجير مع إجراء تعديلات على الخدمة، ثم يطرح السؤال المهم: ماذا نفعل بكل هذه الطاقة الاستيعابية المتاحة؟

تأثير التعريفات الجمركية على الطلب

شهدت التجارة الأكثر ربحية في العالم، من آسيا إلى الولايات المتحدة، تقلبات كبيرة في الطلب مع دخول تعريفات إدارة ترامب حيز التنفيذ. فقد أدى تعليق الرسوم ذلك إلى ارتفاع الطلب بسرعة، ثم امتلاء المخزونات، وانخفض بسرعة عند إعادة فرض التعريفات.

ومن المتوقع أن يتكرر هذا النمط لاحقاً عند إعادة فرض الرسوم الجمركية على الصين بعد انتهاء فترة التجميد لعام كامل.

وقد يكون الاختلاف الرئيسي في عام 2026 هو انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي، التي ستتزامن مع استمرار مفاوضات الرسوم الجمركية، وفي حال لم يلمس الناخب الأمريكي الانخفاض الموعود في تكلفة المعيشة، فقد تضعف قدرة واشنطن على التأثير على هذه السياسات.

وقد يحدث وضع مشابه إلى حد ما مع إطار عمل المنظمة البحرية الدولية، الذي نجحت الولايات المتحدة وحلفاؤها في تعليقه بعد مناورات محمومة وراء الكواليس في الاجتماع الاستثنائي للهيئات التنظيمية في أكتوبر 2025.

كما من المتوقع أن تُجرى محاولة جديدة لتمرير تشريع نيوزيلندا البحري في أكتوبر 2026، الذي عارضته بشدة بعض قطاعات الشحن ودعمه بقوة قطاعات أخرى وفق قراءة بقش، وإذا تم إقرار هذا القانون سيدخل القطاع البحري في فترة انتقالية حتى عام 2050، ستتضمن خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من الشحن إلى الصفر.

أما إذا لم يُقر التشريع، فإن ذلك سيؤدي إلى تفتيت اللوائح المناخية، وستقود الدول التي استثمرت بكثافة في التحول المناخي السياسات على المستوى الإقليمي، وهو ما قد يُنظر إليه كنجاح لبعض الدول المنتجة للنفط في إبطاء الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

جورج بروكوبيو، رئيس مجلس إدارة شركة Dynacom Tankers، عبّر عن وجهة نظره في أكتوبر 2025، مشيراً إلى أنه لا يوجد وقود خالٍ من الانبعاثات، وأن أي تنظيم يدفع قطاع النقل البحري للحد من انبعاثاته سيحتاج أولاً إلى توفير الوقود، وأي شيء آخر يعتبر مجرد “أفكار جول فيرن”.

في المقابل، أكدت سميراميس باليو، الرئيسة التنفيذية لشركة ديانا للشحن، على ضرورة الحفاظ على تكافؤ الفرص على مستوى العالم، والحاجة إلى تنظيم عالمي لإزالة الكربون، معتبرة أن أي تنظيم إقليمي سيكون كارثة على الشحن.

وقالت إن التنظيم الإقليمي سيتطلب المزيد من الموظفين لمراقبة المدفوعات والامتثال لمجموعة واسعة من القواعد، كما سيكون أقل شفافية فيما يتعلق باستخدام رسوم الانبعاثات مقارنة بإدارة المنظمة البحرية الدولية لصندوق إزالة الكربون من الصناعة.

تأثير مواقف العملاء على السياسات البيئية

يؤثر قرب مشغل السفينة من المستهلك بشكل كبير على موقفه من نقاش خفض الانبعاثات، فمثلاً: مستأجر سفينة شحن خام الحديد غير متحمس للالتزام باللوائح البيئية، أما بالنسبة لمالكي السفن الكبيرة التي لا تتبع مساراً تجارياً منتظماً، فإنهم لا يشعرون بالضغط الناتج عن مستأجر واحد.

بالمقابل، عملاء شركات تشغيل سفن الحاويات يشكلون مجموعات تطالب بمعرفة انبعاثات النطاق الثالث، ما يترجم ضغط المستهلكين إلى سعي نحو استخدام أنواع وقود أنظف، وإنشاء ممرات خضراء، وتعديل السفن لتقليل استهلاك الوقود وبالتالي تقليل انبعاثات الغازات.

وإذا أصبحت مستويات الطاقة الاستيعابية الزائدة حرجة، فإن انخفاض أسعار الشحن قد يعيد شركات النقل إلى أعمال خاسرة، مما قد يؤدي إلى زيادة عمليات تفكيك السفن، التي توقفت عملياً في عام 2025.

أما إذا تم رفض إطار عمل نيوزيلندا وحدثت تجزئة في لوائح الانبعاثات، فإن تعقيد المشهد سيتزايد، وتصبح التنبؤات صعبة للغاية، مع وجود العديد من المتغيرات التي يمكن أن تلعب دورًا في تطور الصناعة.

الخلاصة

يخلص تقرير “seatrade-maritime” إلى أن قطاع شحن الحاويات العالمي في نهاية عام 2025 يواجه مرحلة حرجة تتسم بالتحديات المتشابكة، والتي تشمل انخفاض الطلب، فائض الطاقة الاستيعابية، اللوائح البيئية المعقدة، والسياسات الجمركية المتقلبة.

وأي تحرك نحو تنظيم بيئي عالمي أو عودة المسارات البحرية إلى البحر الأحمر وقناة السويس سيؤثر بشكل مباشر على أسعار الشحن، وعمليات التفكيك، والقدرة على إدارة سلاسل الإمداد.

ويظل القطاع على مفترق طرق بين الضغط من العملاء، والتغيرات الاقتصادية والسياسية العالمية، والتحديات البيئية، مما يتطلب استراتيجيات دقيقة ومتكاملة لضمان استقرار الأسعار واستمرارية النقل البحري مع التحول التدريجي نحو الحد من الانبعاثات.

زر الذهاب إلى الأعلى