الاقتصاد العالمي
أخر الأخبار

النفوذ الأمريكي على أسواق الطاقة.. إدارة ترامب تستغل كروت النفط والغاز

الاقتصاد العالمي | بقش

بينما يخوض العالم نقاشاً حول مكافحة تغير المناخ، برزت الولايات المتحدة بقيادة ترامب كلاعب رئيسي يحاول إعادة تشكيل السياسات الدولية لصالح الوقود الأحفوري، فمنذ عودته إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، في يناير 2025، مارست الإدارة الأمريكية ضغوطاً اقتصادية ودبلوماسية مكثفة لإعاقة المبادرات المناخية الدولية، بما في ذلك فرض ضريبة على انبعاثات الكربون في قطاع الشحن، وإجبار الدول على شراء المزيد من النفط والغاز الأمريكي.

وأثارت هذه السياسات جدلاً واسعاً بين دعاة البيئة وداعمي التعددية المناخية، حسب التقارير التي يتتبَّعها “بقش” منذ صعود ترامب، كما أعادت السياسات رسم التحالفات الاقتصادية والطاقة العالمية.

تعطيل خطة ضريبة الانبعاثات الكربونية للشحن البحري

كان العالم على أعتاب خطوة مهمة نحو الحد من التلوث المسبب للاحتباس الحراري من خلال خطة عالمية لضريبة الانبعاثات الكربونية في قطاع الشحن، واستغرقت صياغة هذه المبادرة سنوات، وكان من المتوقع أن يتم اعتمادها خلال اجتماع المنظمة البحرية الدولية في أكتوبر الماضي.

لكن إدارة ترامب تصدَّت لهذه المبادرة بحملة ضغط شاملة استمرت لأشهر، شملت تهديدات اقتصادية بفرض رسوم جمركية وقيود على التأشيرات، فضلاً عن تحذيرات من عقوبات محتملة على الأفراد ومنع السفن من دخول الموانئ الأمريكية.

تحت وطأة هذه الضغوط، بدأت بعض الدول تتردد في دعم المبادرة، ما أدى إلى تأجيلها لمدة عام كامل.

فايق عباسوف، مدير مجموعة المناصرة الأوروبية “النقل والبيئة”، وصف العملية بأنها “حرب على التعددية ودبلوماسية الأمم المتحدة ودبلوماسية المناخ”، حيث أرغمت واشطن دولاً كانت داعمة أو محايدة على معارضة خطة صافي الانبعاثات الصفري للشحن البحري.

ووفقاً لاطلاع بقش على تقرير لوكالة بلومبيرغ، لم يقتصر نفوذ ترامب على التأثير على سياسات الشحن فقط، بل شمل أيضاً السوق العالمية للطاقة بشكل أوسع.

فمنذ بداية ولايته الثانية، مارست إدارة ترامب ضغوطاً متكررة على اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي لاستثمار مليارات الدولارات في مشاريع الطاقة الأمريكية وشراء النفط والغاز الطبيعي المسال.

وعلى سبيل المثال، وافقت اليابان على استثمار 550 مليار دولار في مشاريع أمريكية، بما في ذلك خط أنابيب غاز ألاسكا وموقع تصدير بقيمة 44 مليار دولار، بينما تعهدت كوريا الجنوبية بشراء ما يقارب 100 مليار دولار من الطاقة الأمريكية.

أما الاتحاد الأوروبي فالتزم بإنفاق نحو 750 مليار دولار لشراء منتجات الطاقة الأمريكية، بما في ذلك الغاز الطبيعي المسال، لضمان تخفيض الرسوم الجمركية على صادراته إلى أمريكا.

في الوقت الراهن تُطرح تساؤلات حول إمكانية تنفيذ هذه المبيعات بالكامل، خاصة أنها ستتطلب من أوروبا زيادة وارداتها السنوية من الطاقة الأمريكية بأكثر من ثلاثة أضعاف.

مع ذلك، فإن الالتزامات العلنية وحدها تشكل خطوة مذهلة لكتلة أوروبية قادت العالم في دفع سياسات مكافحة تغير المناخ ووضع أهداف ملزمة لخفض الانبعاثات الكربونية.

واستغلت إدارة ترامب اتفاقية التجارة مع الاتحاد الأوروبي للضغط على التكتل لإجراء تغييرات مهمة، مثل تخفيف القيود على انبعاثات غاز الميثان من الغاز المستورد، وتخفيف متطلبات استدامة الشركات، ما أدى إلى تقليل عدد الشركات الملزمة بالحد من أضرارها البيئية.

جاء هذا التراجع نتيجة ضغوط من ألمانيا وجهات أوروبية أخرى، بالتنسيق مع البيت الأبيض، ما يعكس استراتيجية ترامب القائمة على تقويض التعاون الدولي في مجال المناخ.

النفوذ الأمريكي في وكالات الطاقة والبنوك

في نفس الوقت ضغطت إدارة ترامب على وكالة الطاقة الدولية لإعادة صياغة توقعاتها المتعلقة بالطلب على الوقود الأحفوري، ودعت بنوك التنمية متعددة الأطراف لإعطاء الأولوية للوقود الأحفوري على مشاريع التكيف مع المناخ والطاقة النظيفة، ما يعكس مساعي الولايات المتحدة لتأخير التحول نحو الطاقة المستدامة.

انتقد ترامب الدول التي لم تتبع نهجه، ووصف سياساتها المناخية بـ”الخدعة” و”الاحتيال”، محذراً من أن استعادة العظمة الاقتصادية والسياسية لا تتحقق بدون الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية.

ويمتد نهج ترامب بشأن الطاقة إلى نطاق عالمي، بعكس فترة ولايته الأولى، التي اقتصرت على تشجيع إنتاج النفط والغاز المحلي.

آبي إينيس، الأستاذة المساعدة في الاقتصاد السياسي بلندن، ترى وفق بلومبيرغ أن الولايات المتحدة تسعى عبر سياسة “فرّق تسد” إلى تقويض فرص التعاون الدولي في مجال الطاقة والمناخ، مستغلة الاتفاقيات التجارية والضغوط الاقتصادية لتحقيق أهدافها.

وبينما تسعى إدارة ترامب إلى دفع أوروبا والدول الأخرى للانكفاء تحت الضغوط، ما تزال بعض الدول ملتزمة باستخدام الطاقة النظيفة.

وحتى مع تخفيف الحوافز والمشاريع الأمريكية، يواصل الاعتماد على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ارتفاعه عالمياً، وتستمر الشركات متعددة الجنسيات في تحسين سلاسل التوريد والعمليات الداخلية لتلبية متطلبات الاستدامة في الأسواق الأوروبية والولايات المتحدة.

بالنتيجة، تمثل السياسات الأمريكية نموذجاً حاداً للتأثير الاقتصادي والدبلوماسي على أسواق الطاقة العالمية وسياسات المناخ الدولية.

ومن تعطيل ضريبة الانبعاثات الكربونية للشحن البحري، إلى فرض استثمارات ضخمة في النفط والغاز الأمريكيَّين، وصولاً إلى الضغط على الاتحاد الأوروبي والبنوك متعددة الأطراف لتقويض مشاريع الطاقة النظيفة، يظهر أن الولايات المتحدة تسعى لترسيخ نفوذها على أسواق الطاقة العالمية.

ويخلق هذا التوازن بين المصالح الاقتصادية والأهداف المناخية ديناميكيةً دولية معقدة، حيث تواجه أوروبا والدول الملتزمة بالطاقة النظيفة تحديات كبيرة للحفاظ على سياساتها البيئية، في وقت تسعى فيه واشنطن لتعزيز الهيمنة الأمريكية على سوق الوقود الأحفوري.

زر الذهاب إلى الأعلى