الاقتصاد العربي
أخر الأخبار

“النقد الدولي” يُصادق على الدفعة الرابعة من قرض مصر.. وتحذيرات من تبعات التوسع في الاقتراض

بعد طول مباحثات، وافق صندوق النقد الدولي، الإثنين، على صرف شريحة رابعة لمصر بقيمة 1.2 مليار دولار، من إجمالي القرض الموسع البالغة قيمته 8 مليارات دولار والمُتفق عليه منذ شهر مارس 2024، وذلك بعد اجتياز القاهرة المراجعة الرابعة لالتزاماتها ببرنامج وشروط الإصلاح الاقتصادي التي يفرضها الصندوق.

هذه الخطوة تأتي في إطار مساعي مصر لاحتواء أزمة شحة العملة الأجنبية التي تُعاني منها منذ أوائل 2022 وفق متابعات بقش، وفي المقابل تخرج تحذيرات اقتصادية من مخاطر تعميق الاعتماد على القروض الدولية.

وفي مارس 2024، نجحت مصر في زيادة حجم اتفاقية الصندوق من 3 مليارات دولار إلى 8 مليارات، في خطوة استثنائية لمواجهة تفاقم أزمة النقد الأجنبي الناجمة عن تراجع الإيرادات السياحية، وهبوط تحويلات المصريين بالخارج بنسبة 30%، وانخفاض عائدات قناة السويس البحرية إلى 5.8 مليارات دولار عام 2023، مقارنة بـ9.4 مليارات في 2022، بسبب الأزمات الجيوسياسية العالمية.

إجراءات تقشفية: بين صدمة الأسعار وتحرير الجنيه

التزمت الحكومة المصرية بحزمة إصلاحات قاسية لاستيفاء شروط الصندوق، شملت تحرير سعر الصرف، والتي خفضت قيمة الجنيه بنسبة 40% في مارس 2024، ليصل سعر الدولار إلى 50 جنيهاً، ما أدى إلى ارتفاع التضخم إلى 35%، وهو الأعلى منذ عقود.

وقامت مصر برفع أسعار الفائدة -التي وصلت إلى 22%- لجذب الاستثمارات الأجنبية قصيرة الأجل، إلى جانب تقليص الدعم الحكومي ورفع أسعار الوقود بنسبة 25% في يوليو 2023، مع زيادات متتالية في تذاكر المترو والقطارات وخدمات الاتصالات، مما زاد من معاناة 60% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، وفق تقديرات تتبَّعها بقش للأمم المتحدة.

أزمة السيولة.. جذور الأزمة المزمنة

وتعاني مصر من عجز هيكلي في ميزان المدفوعات، تفاقم بسبب تراجع مصادر النقد الأجنبي، وخصوصاً بعد أن انكمش قطاع السياحة بنسبة 45% منذ 2022، فيما هبطت تحويلات المصريين بالخارج إلى 22 مليار دولار عام 2023، مقارنة بـ32 ملياراً في 2021.

ويضاف إلى ذلك ارتفاع خدمة الديون التي تستهلك 45% من إيرادات النقد الأجنبي، بينما يتجاوز الدين العام 130% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقد فاق نضوب الاستثمارات الأجنبية المباشرة الأزمة بشدة، بعد انخفاضها بنسبة 30% منذ 2022، وفق بيانات البنك المركزي المصري.

مخاطر الاقتراض: شروط صارمة ورهن المستقبل

رغم أن القرض يُعتبر شريان أوكسجين قصير الأجل، يحذر خبراء الاقتصاد من تبعات خطيرة لذلك على المديين القصير والطويل. فعلى المدى القصير، تزداد الضغوط المعيشية مع ارتفاع الأسعار، وتقليص الدعم عن السلع الأساسية، وتفاقم البطالة التي تجاوزت 12%، وفق جهاز الإحصاء.

أما على المدى الطويل، تؤدي القروض إلى تآكل السيادة الاقتصادية للبلاد مع ربط السياسات بشروط الصندوق القاسية، مثل خصخصة 35 شركة عامة بحلول 2025، وتقليص الإنفاق على الصحة والتعليم، حيث خصصت الموازنة 8% فقط للقطاعين عام 2024.

من جانب آخر، تحذّر تقارير صادرة عن البنك الدولي أيضاً من أن الاحتياطي النقدي المصري البالغ 28 مليار دولار لا يكفي سوى لتغطية 5 أشهر من الواردات. وبدورها تشير وكالة “فيتش” للتصنيف الائتماني إلى أن مصر تحتاج إلى 30 مليار دولار سنوياً حتى 2026 لسد فجوة التمويل، ما يدفعها لمزيد من الاقتراض أو بيع أصول استراتيجية، مثل اتفاقيات الاستثمار مع السعودية والإمارات في قطاعات الطاقة والموانئ.

مستقبل غامض: بين الإصلاح وورطة الديون

أكد وزير المالية المصري في تصريحات لـ”بلومبيرغ” أن الحكومة تعمل على “جذب استثمارات نوعية”، لكن دون الكشف عن تفاصيل. في المقابل، يرى اقتصاديون أن مصر واقعة في فخ الديون، حيث تُسدد قروضاً قديمة بأخرى جديدة، بينما تُراهن على تعافي السياحة وزيادة إيرادات قناة السويس، وهي مخاطر قد لا تتحقق في ظل استمرار الأزمات الإقليمية.

وفي حين تَمنح الدفعة الجديدة الرابعة مصر مهلة مؤقتة، تظل الأسئلة معلقة: هل تستطيع الدولة كسر الحلقة المفرغة للاقتراض؟ أم أن مؤشرات الانهيار ستتفوق على جهود الإصلاح؟ المشهد الاقتصادي المرير ينتظر إجابات، بينما يعيش الملايين على وقع صدمة الأسعار التي لا تُظهر بوادر تراجع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى