الهجمات الإلكترونية تلتهم 10.5 تريليون دولار في 2025 والذكاء الاصطناعي يفاقم “الوباء الصامت”

منوعات |بقش
لم تعد الحروب تقتصر على المدافع والصواريخ، بل امتدت إلى الفضاء الرقمي، حيث تشن يومياً آلاف الهجمات الإلكترونية التي باتت تُكبّد الاقتصاد العالمي خسائر فلكية، تضاهي حجم اقتصادات دول كبرى وتفوق في فداحتها الكوارث الطبيعية وتجارة المخدرات مجتمعة. وفيما يتوقع الخبراء أن تصل فاتورة هذه الحرب الصامتة إلى 10.5 تريليون دولار هذا العام، يبرز الذكاء الاصطناعي كسلاح ذي حدين، يزيد من شراسة الهجمات ويعقد مهمة الدفاع.
الأرقام التي كشفت عنها تقارير متخصصة، مثل تقرير شركة “بي دي إيمرسون” للأمن السيبراني، ترسم صورة قاتمة. فبعد أن خسر العالم نحو 9.5 تريليون دولار في 2024، يُتوقع أن تقفز الخسائر بنسبة 15% لتلامس 10.5 تريليون دولار في 2025. هذه القفزة تأتي في سياق زيادة مذهلة بلغت 3 تريليونات دولار خلال العقد الماضي، مما يمثل، بحسب التقرير، “أكبر خسارة للثروة الاقتصادية في التاريخ”.
هذا النزيف لا يقتصر على الأرقام الكلية، بل يطال كل شركة ومؤسسة. فقد ارتفعت التكلفة المتوسطة لخرق البيانات عالمياً إلى 4.88 مليون دولار في عام 2024، بزيادة 10% عن العام السابق. وإذا علمنا أن العالم يشهد أكثر من 2328 هجمة يومياً (نحو 850 ألف سنوياً)، يمكننا تخيل حجم الكارثة التي لا تستثني أحداً، حتى عمالقة مثل “أديداس” التي كشفت مؤخراً عن اختراق بيانات عملائها، وإن طمأنت بعدم تسرب معلومات حساسة كبطاقات الائتمان.
برامج الفدية: الإرهاب الرقمي الأسرع نمواً
في طليعة التهديدات، تبرز “برامج الفدية” باعتبارها السلاح الرقمي الأسرع نمواً والأكثر إيلاماً. هذه البرمجيات الخبيثة، التي تشفر بيانات الضحايا وتطالب بفدية مالية مقابل فكها، تحولت إلى صناعة مربحة للمجرمين. وتشير التوقعات إلى أن أضرارها ستصل إلى 57 مليار دولار بحلول نهاية 2025، وبحلول عام 2031، قد تكلف ضحاياها 265 مليار دولار سنوياً، مع وقوع هجوم جديد كل ثانيتين، مما يجعلها كابوساً يؤرق الشركات والأفراد على حد سواء.
مع تطور الذكاء الاصطناعي، وجد مجرمو الإنترنت فيه أداة قوية لتطوير هجماتهم، وجعلها أكثر إقناعاً وصعوبة في الكشف. ووفقاً لتقرير “سوسيف”، فإن 87% من المؤسسات العالمية تعرضت لهجوم إلكتروني مدعوم بالذكاء الاصطناعي خلال العام الماضي. والمقلق، بحسب المنتدى الاقتصادي العالمي، أن 47% من المؤسسات تعتبر هذه الهجمات “قلقها الرئيسي”، ومع ذلك، لا تزال 55% من الشركات غير مستعدة تماماً لمواجهة هذه المخاطر وتفتقر إلى الضوابط اللازمة.
أمام هذا التصعيد، يواجه العالم تحدياً مزدوجاً: نقص حاد في الكفاءات البشرية، وحاجة متزايدة للاستثمار. فقد ارتفع عدد وظائف الأمن السيبراني الشاغرة عالمياً إلى 3.5 مليون وظيفة، ومن المتوقع أن يبقى هذا الرقم الهائل على حاله في 2025. ورغم أن شركات مثل “جارتنر” تتوقع أن يساعد الذكاء الاصطناعي التوليدي في سد هذه الفجوة بحلول 2028، إلا أن الحاجة الملحة للخبراء قائمة الآن.
هذا النقص يقابله سباق محموم للاستثمار في الدفاعات الرقمية. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق العالمي على الأمن السيبراني إلى 1.75 تريليون دولار تراكمياً بين عامي 2021 و2025، حيث أنفق قطاع الشركات وحده 213 مليار دولار في 2024، وفقاً لـ”ماكينزي”. إنه سباق تسلح لا هوادة فيه، يدور في عالم غير مرئي، لكن خسائره باتت محسوسة ومؤلمة في كل ركن من أركان الاقتصاد العالمي.