
الاقتصاد العالمي | بقش
في كل مرة يرفع بنك اليابان الفائدة، تهتز أسواق المال العالمية وتتضاعف تقلباتها، ما يجعل المستثمرين والمحللين يترقبون اجتماعات البنك المركزي الياباني كحدث مالي عالمي بالغ الأهمية.
والصدمة التي أحدثها رفع الفائدة في مارس 2024، من -0.10% إلى نطاق 0% – 0.10%، شكلت تحولاً في سياسة طوكيو النقدية، وتسببت في موجة بيع عالمية للأصول عالية المخاطر، خصوصاً في “وول ستريت”.
ووفق اطلاع بقش، كانت هذه المرة الأولى منذ 17 عاماً التي يتخلى فيها بنك اليابان عن الفائدة السلبية، الأمر الذي شكل صدمة للمستثمرين العالميين.
وحسب موقع CNN بيزنس، أسهم القرار في تفكيك صفقات الأموال المحمولة (Carry Trade)، وهي استراتيجية تعتمد على اقتراض عملة منخفضة الفائدة مثل الين، واستثمارها في أصول أخرى بعوائد أعلى، مثل الأسهم والسندات الأمريكية.
ونتيجة لذلك، شهدت الأسواق الأمريكية انخفاضات بين 2 إلى 3% خلال موجات بيع ترافقت مع رفع الفائدة اليابانية وارتفاع عوائد السندات، في حين لعبت عوامل أخرى مثل قرارات الفيدرالي الأمريكي والتضخم والأوضاع السياسية العالمية دوراً مضافاً في هذه التراجعات.
ومع اقتراب اجتماع بنك اليابان يوم 19 ديسمبر الجاري، يترقب المستثمرون رفع الفائدة المتوقع بواقع 25 نقطة أساس، ما قد يرفع سعر الفائدة إلى 0.75%.
وسيعكس هذا التحوّل انتقال اليابان من سياسة التيسير النقدي الطويلة إلى مرحلة التشديد النقدي، في خطوة تهدف إلى خفض معدل التضخم من 3% الحالي إلى المستوى المستهدف 2%.
تأثير مباشر على الأسواق العالمية
رفع الفائدة اليابانية المرتقب له انعكاسات واسعة على الأسهم والسندات والعملات على مستوى العالم.
فرفع الفائدة، وفق اطلاع بقش، سيؤدي إلى هبوط أسهم التكنولوجيا وأسهم النمو ذات التقييمات المرتفعة، حيث يتجه جزء من السيولة العالمية نحو السندات اليابانية الأعلى عائداً.
وقد يؤدي تفكيك صفقات الأموال المحمولة إلى هجرة الأموال الساخنة من الأسواق الناشئة، مما يضع ضغوطاً على العملات المحلية ويجبر بعض البنوك المركزية على رفع الفائدة لحماية استقرار أسواقها.
كما ينعكس رفع الفائدة على السندات العالمية، فاليابان، باعتبارها أكبر مالك أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية بقيمة 1.189 تريليون دولار، قد تعيد توجيه استثماراتها داخلياً، مما يرفع تلقائياً عوائد السندات الأمريكية والأوروبية ويزيد تكلفة خدمة الدين في هذه الأسواق.
وارتفاع قيمة الين بعد رفع الفائدة يؤدي إلى تراجع أرباح المصدرين اليابانيين، كما يؤثر على تكلفة الاقتراض العالمي ويعيد تقييم المخاطر المالية الدولية.
ارتفاع عوائد السندات اليابانية: مؤشر حساس
وشهد عائد السندات اليابانية القياسية لأجل 10 سنوات ارتفاعاً ليصل إلى 1.97% في 8 ديسمبر 2025، وهو الأعلى منذ 18 عاماً حسب قراءة بقش، مما يعكس توقعات الأسواق بأن السياسة النقدية في اليابان ستنتقل نحو التشديد.
وهذا الارتفاع سيجعل السندات اليابانية أكثر جاذبية عالمياً، ويؤدي إلى إعادة توجيه رؤوس الأموال من الأسهم والسندات الأمريكية والأوروبية نحو الداخل الياباني.
لماذا يزداد الاهتزاز العالمي؟
جوهر تأثير رفع بنك اليابان للفائدة يكمن في حجم الاقتصاد الياباني وتعمقه في النظام المالي العالمي، فاليابان واحدة من أكبر الاقتصادات المصدرة لرأس المال، ولها شبكة واسعة من الأصول المالية في الأسواق العالمية.
وأي تحوّل في سياستها النقدية يغير مسار الأموال الساخنة عالمياً، ويؤثر على العوائد والتقلبات في البورصات الدولية.
ويعيد رفع الفائدة تقييم تكلفة الاقتراض عالمياً، ما يؤثر على السيولة، ويضغط على الأسواق الناشئة والشركات المثقلة بالدين.
بالنتيجة، يُعتبر رفع بنك اليابان للفائدة حدثاً عالمياً يهدد استقرار الأسواق المالية ويعيد تشكيل تدفقات رؤوس الأموال الدولية، فكل خطوة تشديد نقدي في طوكيو تعني إعادة توزيع المخاطر والأرباح عالمياً، وهنا يكمن السبب في أن الاقتصاد العالمي يهتز في كل مرة يرفع فيها بنك اليابان الفائدة.
ومع ترقب الأسواق لاجتماع ديسمبر 2025، سيبقى المستثمرون في حالة يقظة قصوى، يراقبون تأثيرات كل نقطة أساس، ليس فقط على الين الياباني، بل على توازن الأسواق المالية في كل أنحاء العالم.


